جرائم «النهضة» في تونس.. الغنوشي يسعى لتمديد ولايته وسط مشاكل اقتصادية
في النصف الأول من العام الجاري، شهدت مراكز استقبال المهاجرين في إيطاليا وصول 4000 تونسي على الأقل، على عكس العديد من نظرائهم من ليبيا أو غرب إفريقيا أو القرن الأفريقي، فهم لا يفرون من العنف المنتشر، بل يفرون من البطالة المتفشية.
ومنذ ما يقرب من عقد من الزمان، هزت سلسلة من الانتفاضات تونس وقلبت نظامها السياسي بأكمله، كان الدافع وراء الانتفاضات هو التضحية بالنفس في حادث محمد البوعزيزي، وهو بائع متجول دفعته الرشاوى التي طُلبت منه من ضباط الشرطة المحليين إلى اليأس، كان البوعزيزي، مثله مثل التونسيين الذين وصلوا إلى إيطاليا اليوم، رأى دخله يتبخر عندما كان كل ما يريده هو مصدر رزق حقيقي.
أدخلت الحركة التي سيطرت على تونس بعد وفاة البوعزيزي إلى السلطة ائتلافًا من الأحزاب السياسية، تحت المظلة الإسلامية لحركة النهضة، على وعود بالمساءلة الديمقراطية والازدهار الاقتصادي، وتتألف "النهضة" من "ديمقراطيين ممثلين للإسلام السياسي"، وكثير منهم على صلة وثيقة بجماعة الإخوان.
ولفت تقرير لصحيفة "ذي ناشيونال" الإماراتية إلى أنه بعد مرور عشر سنوات، لا يزال الحزب فاعلاً ومؤثرًا ومسيطرًا على المشهد السياسي، على الرغم من أن الازدهار الاقتصادي لا يزال بعيد المنال والنظام الديمقراطي يتزعزع، كان لدى الشباب الهارب من تونس اليوم آمال كبيرة في التغيير، لكنها تحطمت.
حتى قبل أن تتلقى البلاد ضربة مزدوجة لقطاعي الصناعة والسياحة من جائحة فيروس كورونا، كانت التوقعات الاقتصادية لتونس متشائمة، في العام الماضي، نما الاقتصاد بنسبة واحد في المائة فقط - أي أقل بثلاث مرات من العام الذي سبق الانتفاضة ومعدل البطالة التونسي الحالي أعلى بقليل من 15%، حيث ظل يحوم في السنوات السبع الماضية، الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة للجيل الذي نشأ في خضم الثورة، هو تضاعف معدل البطالة لمن يحملون شهادات جامعية.
والحقيقة أن الخريجين يواجهون صعوبة في العثور على عمل في سوق العمل التونسي، أكثر من أقرانهم الأقل تعليمًا، وهو لغز محير بل علامة على أن الاقتصاد لا يعاني من الركود فحسب، بل ربما يتدهور، علاوة على هروب رأس المال والمواهب، فالعديد من التونسيين في مراكز الاستقبال الإيطالية ينتمون إلى الطبقة الوسطى، ومن الصعب القول كيف ستتعافى البلاد من أزمة الوباء بدونهم.
ولم تفعل القيادة القيادة المنتخبة شيئًا يذكر لجعل النظام يبدو مستدامًا، وكانت القصة السائدة في مبنى البرلمان تدور حول المآزق الحزبية المتتالية ومناورات السلطة بين البرلمانيين والسلطة التنفيذية، وتم إرجاء الاتفاق على حزمة انتعاش اقتصادي محتملة مع صندوق النقد الدولي بسبب استقالة رئيس الوزراء في يوليو، ويسعى خليفته، هشام المشيشي، إلى استبدال حكومة قائمة على الحزب بحكومة تكنوقراطية.
ويتفاقم الشعور بالإحباط بسبب الافتقار إلى الديناميكية داخل حزب النهضة، خاضة وأن ورئيس البرلمان رشيد الغنوشي، زعيم حزب النهضة منذ خمسة عقود، يريد الآن تغيير قواعد الحزب، بل وقانون الانتخابات لتمديد ولايته، مما يجعله على خلاف مع روح ثورة الياسمين.
وبعيدًا عن المخاوف الداخلية، فإن الأمر المقلق أيضًا هو أن الإدارة الإسلامية، لحركة النهضة والرئيس قيس سعيد، قد طلبا مؤخرًا مبادرات من تركيا، التي ترسخ نفسها عسكريًا في ليبيا، ويعد التقارب بين حزب النهضة وتركيا أمر مفهوم، بالنظر إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان وصل إلى السلطة أيضًا على أساس برنامج مماثل.
ولكن منذ ذلك الحين، تحولت تركيا تدريجيًا إلى ما يشبه الدكتاتورية الإسلامية، ذات الاقتصاد السيء بشكل خطير، بالنسبة للتونسيين الذين ما زالوا ينتظرون النهضة.