الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

مظالم شعبية وانهيار للعملة.. إنعاش الاقتصاد التركي يهدد حكم أردوغان

الرئيس نيوز

أدت محاولة أنقرة لإنعاش الاقتصاد المحلي المتضرر من أزمة وباء كورونا إلى نتائج عكسية، مما يرجح تفاقم المظالم الشعبية وزيادة المخاطر السياسية على حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وأجبر التضخم المستمر والركود الذي لا يمكن السيطرة عليه وانخفاض الليرة التركية أنقرة على البدء في حفز الاقتصاد، بعد شهرين فقط من طفرة القروض الرامية لإنعاش الطلب الاستهلاكي وبث الحياة في العديد من الشركات والمشروعات التي دمرها الوباء. 

وتزيد النتائج العكسية المفاجئة من المخاطر السياسية التي تواجهها حكومة أردوغان في الوقت الذي يواجه فيه إحباطًا شعبيًا متزايدًا بسبب المشاكل الاقتصادية التي تفاقمت منذ صدمة العملة الشديدة في 2018. 



وتعرضت الليرة لانخفاض كبير آخر في الفترة من 6 إلى 7 أغسطس الجاري، مما أجبر البنك المركزي على البدء في ضبط السيولة، وبالتالي إحباط محاولة إنعاش الاقتصاد.

في أوائل يونيو، دفعت أنقرة من أجل توسيع مظلة القروض لدفع المستهلكين إلى زيادة الانفاق بعد الانكماش الناجم عن جائحة فيروس كورونا. 

وأدى الوصول السهل إلى ائتمان طويل الأجل ورخيص الثمن إلى إنعاش مبيعات المنازل والسيارات والسلع المعمرة، التي تراجعت في الفترة من مارس إلى مايو، وكان الائتمان متاحًا حتى للسياحة الداخلية. 

ودفعت البنوك العامة، التي تخضع مباشرة لسيطرة الحكومة وتهيمن على أكثر من ثلث القطاع المصرفي في تركيا، التوسع في القروض، لكن المقرضين بالقطاع الخاص، بما في ذلك البنوك ذات الملكية الأجنبية، تعرضوا أيضًا للضغط ليحذو حذو القطاع الحكومي. 

وأدى انتعاش الطلب المحلي إلى تنشيط الصناعة أيضًا وبدا أن التوقعات الاقتصادية تتحسن ولكن تلك الآمال تبددت تمامًا على حد وصف الصحفي التركي مصطفى سونميز في تقرير نشره موقع المونيتور الأمريكي.
 
ومع ذلك، في أقل من شهرين، بدأت تظهر آثار جانبية - تضخم مستمر في أسعار السلع الاستهلاكية، واستمرار هبوط العملة على الرغم من جهود البنك المركزي المكلفة للسيطرة على سعر الصرف.

وثبت التضخم الاستهلاكي في المنطقة من 12٪ إلى 13٪ في يونيو ويوليو، مما أثار موجة من الهروب من ودائع الليرة، التي ظلت عائداتها أقل من معدل التضخم. 

ورأى المدخرون على نحو متزايد أن العملة الصعبة هي ملاذ آمن للحفاظ على قيمة أموالهم، مع الاحتفاظ الآن بـ53٪ من المدخرات بالعملات الأجنبية.



في الوقت نفسه، تصاعد هروب المستثمرين الأجانب حيث بدأت جهود البنك المركزي للسيطرة على أسعار الصرف الأجنبي تتآكل بعد استنفاد احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي، وبلغ كل هذا ذروته في محنة الليرة الأسبوع الماضي، والتي تراجعت في غضون أيام إلى 7.3 مقابل الدولار مقارنة بالسعر السابق 6.85، الذي تمكنت أنقرة من الاحتفاظ به لبعض الوقت.

وأعلن البنك المركزي بسرعة إجراءات من شأنها تهدئة الاقتصاد، وأبلغ البنوك أنه فرض قيودًا على السيولة. 

وتهدف هذه الخطوة إلى تعطيل عامل الضغط على الليرة من خلال كبح الطلب على النقد الأجنبي من قبل الصناعيين والمستوردين بدلاً من رفع أسعار الفائدة مباشرة لكبح الدولرة. نتيجة لذلك، اضطرت البنوك إلى رفع أسعار الفائدة على القروض والعوائد على الودائع بالليرة.

يمثل هذا بداية فترة تهدئة في الاقتصاد، حيث يشهد الطلب على القروض الاستهلاكية انخفاضًا سريعًا. أما إلى متى ستستمر هذه الفترة ومدى حدة الانحدار، فليست هناك إجابات واضحة. ومع ذلك، فإن حقيقة أن محاولة إنعاش الاقتصاد فشلت في شهرين فقط هي علامة خطيرة على مدى هشاشة الاقتصاد التركي.

ولا شك أن النتائج العكسية للسياسات الاقتصادية تلقي بظلال ثقيلة على حسابات أردوغان السياسية وتقلبها رأساً على عقب، حيث كان الهدف من الجهود المبذولة لتعزيز الاقتصاد هو تعزيز قاعدة ناخبيه حيث تُرك الملايين عاطلين عن العمل وأصبحوا أكثر فقراً منذ اندلاع الوباء، وشهد الاقتصاد التركي اهنتعاشًا مؤقتًا سرعان من تحول إلى تباطؤ منذ مارس وحتى الآن. بعد الجهود المدفوعة بالقروض لتعزيز الاقتصاد، تأتي فترة تعثر الليرة الجديدة باعتبارها رابع تقلب رئيسي خلال عام. إن دور الوباء واضح، لكن مثل هذه التقلبات الحادة لها علاقة أكبر بتضييق مجال مناورة الحكومة في إدارة الاقتصاد وهشاشته المتفاقمة.

تعود دورة الصعود والهبوط إلى عام 2018، مع عدم وجود فترة استقرار طويلة منذ ذلك الحين. أحد العوامل الحاسمة وراء هشاشة الاقتصاد هو التدفق الكبير لرأس المال الأجنبي من تركيا، والذي يرجع بشكل بارز إلى تراجع الثقة الأجنبية في حكومة أردوغان.

ومنح النظام الرئاسي التنفيذي، الذي دخل حيز التنفيذ بعد انتخابات يونيو 2018، صلاحيات "الرجل الواحد" لأردوغان، بينما أضعف البرلمان والقضاء وضع أردوغان صهره على رأس وزارتي الخزانة والمالية، واستفاد من سلطاته الجديدة في القضاء على استقلالية البنك المركزي.

اقرأ ايضا

وزير النقل: نستهدف نقل 2 مليون راكب بالسكك الحديدية بحلول 2030

الأرصاد: طقس حار بالقاهرة وارتفاع الرطوبة 85%.. والعظمى 37 درجة


جدير بالذكر أن هروب رأس المال الأجنبي يشبه الشلل الجزئي للاقتصاد التركي، الذي يعتمد بشكل كبير على الأموال الخارجية للنمو، وهو مثقل بمخزون من الديون الخارجية يصل إلى ما يقرب من 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. في إشارة ملفتة للنظر على كيفية انفصال تركيا عن الاقتصادات الناشئة النظيرة، ارتفعت المخاطرة - التي انعكست في مقايضات التخلف عن السداد - إلى المنطقة من 550-600 نقطة أساس منذ اضطراب الليرة في وقت سابق من هذا الشهر، أي ما يقرب من ضعف المخاطرة في جنوب إفريقيا، التي عادة ما يشير المراقبون إلى أوجه تشابهها مع تركيا اقتصاديًا.

وأعطى التخبط الاقتصادي لأردوغان إشارات إلى كيفية تأثر رصيده السياسي، وفي ربيع عام 2019، خسر حزبه الانتخابات المحلية في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك إسطنبول، حيث أجبر على إعادة التصويت، بعد أن تسبب اضطراب العملة في صيف 2018 في انكماش الاقتصاد. 
وأدى تدهور الاحتياطيات من النقد الأجنبي إلى تحذيرات دولية ودفع المزيد من هروب المستثمرين الأجانب، الأمر الذي أجبر أنقرة في نهاية المطاف على تنفيذ تحولات في السياسة الاقتصادية.