الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

الدعاية السوداء تدمر أحلام أردوغان وتجني نتائج عكسية

الرئيس نيوز

أغرق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بلاده في سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وعندما أصبح غير قادر على تبرير أخطائه ومخططاته المريبة، والتي تشمل إحياء الإمبراطورية العثمانية تحت مظلة مصطلح "العثمانيين الجدد"، ولعب دور السلطان، واستعانته بتنظيم الإخوان بشكل نشط في تفكيك الدول وضرب القوميات من أجل تحقيق هذه الغاية يشير بأصابع الاتهام إلى دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، متهما إياهم بتوجيه "دعاية سوداء" ضد تركيا.

وحول ذلك، نفى المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، أن تكون تركيا قد بنت سياستها الخارجية على أيديولوجية الإخوان وعلى أسس "العثمانيين الجدد"، ولكن ما أسهل النفي، وما أكثر الأدلة على كذب تلك التصريحات.

وفي تصريحات نقلتها وكالة الأناضول، اعتبر كالين ادعاءات تركيا بتوجيه نفسها نحو العثمانية والتوجهات القائمة على ايديولوجية الإخوان ادعاءات لا أساس لها تهدف إلى تشويه السياسة الخارجية التركية، مضيفًا أنه لا توجد حقائق ملموسة تثبت هذه الادعاءات، ولكن مع تزايد اعتماد أردوغان على "العثمانيين الجدد" كطريق لبناء مجده الشخصي، عكست تصريحات المتحدث باسمه شعورًا بالعجز والعزلة، لأن ما حدث بدلاً من ذلك هو أن "حلمه العثماني" تسبب له في الكثير من العقبات والمشاكل، خاصة أنه يثير ذكريات مؤلمة لدى العرب والمسلمين حفرها الاستعمار العثماني في الضمير الجمعي لهذه الشعوب، فالعهد العثماني ذو إرث ثقيل من المذابح والضرائب القمعية وأنظمة الالتزام والجباية والإقطاعيات والتفوق العثماني العنصري الزائف.

يبدو أن اتهامات أردوغان ضد الإعلام العربي بـ "الدعاية السوداء" قد راحت أدراج الرياح ومن الصعب إثباتها، ونقلت صحيفة ويكلي ويكلي الأمريكية، عن خبراء في شؤون الشرق الأوسط وآسيا الصغرى قولهم إن الطموحات الشخصية للرئيس التركي هي التي أحيت في أذهان شعوب المنطقة ذكريات الماضي العثماني المظلم.

وقامت وسائل الإعلام العربية بدورها الرئيسي في الكشف عن الماضي وربطه بطموحات أردوغان الاستعمارية الجديدة، وبالتالي رفع مستوى الوعي بمخططات تركيا الخطرة، وقد تظهر تصريحات كالين أن الدعاية التركية قد وصلت إلى آخر حدودها، ونجحت في بعض الحالات لكنها فشلت في عدد كبير من الحالات الأخري.

لم تخترع وسائل الإعلام العربية قصة "العثمانيين الجدد" التي لا يخفيها الرئيس التركي، بل سعى للترويج لها في العديد من التصريحات التي تمدح الماضي العثماني في البلقان والشام وشمال إفريقيا، كما أشاد بالسلاطين والقراصنة العثمانيين ولم يخف رغبته في الاحتفال بأحداث التاريخ العثماني على الرغم من استفزازهم لشعوب المنطقة التي وقعت ضحية لأطماع العثمانيين في الماضي، سواء كانوا عربًا أو أرمنًا أو مسيحيين، وكان آخر مثال على ذلك تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد بموجب مرسوم سياسي أكثر منه قضائي.

ونشرت الصحيفة الأمريكية صورة لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار بينما ينظر إلى خريطة في مركز قيادة قيادة الجيش في أنقرة خلال عملية عسكرية تركية في العراق تجسد الدليل الأبرز على العدوان التركي على شعوب المنطقة.

وأعرب المراقبون السياسيون ومؤرخو الإسلام السياسي عن دهشتهم من تنصل المتحدث الرئاسي التركي من أي صلة بالإخوان، وهو نهج إخواني بامتياز وتساءلوا عما إذا كان لدى كالين تفسير أفضل لماذا تؤوي تركيا قادة الإخوان من مختلف الدول العربية وتزودهم بمنصات إعلامية يهاجمون منها بلادهم، ويمدحون السلطان أردوغان وشهامته، ويعبرون عن رغبتهم في تعزيز العلاقات معه كقائد ملهم!.

وفي نفس السياق، استفادت أنقرة من شبكات الإخوان لتبرير تدخلاتها المباشرة في سوريا وليبيا والتدخل غير المباشر في تونس واليمن. وقد طغت الحملات الإعلامية للإخوان على أجندة أنقرة و "الدعم" التركي الكبير بينما هاجمت وشوهت خصومها وعرقلت أي استثمار قادم من مصادر غير تركيا وقطر، ولقد أخفق كالين في التنصل من الإخوان عندما دافع عنهم بالقول إن "الخطابات الليبرالية الدولية استخدمت مؤخرًا مصطلح الحركات الإسلامية والأحزاب الإسلامية والإخوان المسلمين كأداة للترهيب"، من خلال إلقاء اللوم على الآخرين لفشل تركيا.

وتكشف تصريحات كالين عن عدم فعالية الدعاية التركية بسبب زيادة الوعي بالتهديد التركي في المنطقة العربية من جهة، ومن ناحية أخرى، لتراكم الأزمات والأخطاء التي ارتكبتها الحكومة التركية نفسها والتي أصبحت صعبة الدفاع عنها،  فعلى 
 الرغم من الإجراءات القمعية المتخذة ضد الصحفيين والقيود المفروضة على وسائل التواصل الاجتماعي وتهديد أردوغان ووعيده لمستخدمي الشبكات الاجتماعية، إلا أن الدعاية التي تديرها حكومة أردوغان فشلت في الحد من انتقاد الأداء الاقتصادي والاجتماعي للحكومة.

ويتزايد الانتقاد الإعلامي للسياسة التركية بسبب العداء التركي ضد أوروبا، لا سيما في طموحات تركيا المتزايدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط ونزاعها المتفجر مع قبرص واليونان، ناهيك عن اتساع العداء العربي تجاه التوسع التركي متعدد الأوجه. ويتوقع المراقبون أن تواجه تركيا عداءً متزايدًا طالما أنها تحتفظ بأجندتها التوسعية ومحاولاتها إعادة بناء ماض عثماني استعماري جديد.