الأربعاء 27 نوفمبر 2024 الموافق 25 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

من القصر الأخضر لسجن الأجانب.. قصة محاصرة مجلس الشيوخ للقبض على "رفعة الباشا"

علي ماهر باشا
علي ماهر باشا

التاريخ البرلماني في مصر ملئ بالحكايات المثيرة في تفاصيلها، والتي تكشف عن ارتباط المجالس النيابية بالواقع السياسي والوطني.

من ذلك هذه القصة التي وقعت في أبريل عام 1942، وكان بطلها علي ماهر باشا، رئيس مجلس الوزراء الأسبق وعضو مجلس الشيوخ آنذاك، إبان ظرف دولي حساس للغاية في مصر بسبب الحرب العالمية الثانية.

كان علي ماهر باشا ترك رئاسة الوزارة في 24 يونيو 1940، ثم أصبح بعد ذلك عضوا بمجلس الشيوخ. ورغم الحصانة البرلمانية التي كان يستمدها من مقعده النيابي، فإن ظروف الحرب، والهواجس بريطانيا التي كانت تحتل مصر، فإن "رفعة الباشا" وجد نفسه في السجن.


وبحسب ما رواه المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق، في كتابه "قصة البرلمان المصري"، دار الهلال، فإن علي ماهر من أبرز الموضوعين على رأس القائمة السوداء للسلطات البريطانية التي كانت تقود معسكر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ضد معسكر المحور لألمانيا وإيطاليا. وكانت المعارك بدأت في 1939.

ورأت بريطانيا أن "ماهر" خطرا على مصالحها في ذلك التوقيت، بسبب "ميوله المحورية"، بل إنها حملته مسئولية تغلغل هذه الميود داخل القصر الملكي بسبب علاقته الوطيدة بالملك فاروق.


مخاوف بريطانيا من هذه الميول كانت أبرز دوافع الحادث الشهير في 4 فبراير 1940، عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين وأجبرت الملك على قبول تشكيل حزب الوفد وزارة جديدة برئاسة مصطفى النحاس.


وبحكم ظروف الحرب العالمية الثانية، أصبح "النحاس" هو الحاكم العسكري للبلاد بعد فرض الأحكام العرفية، لذلك فإنه قرر تحديد إقامة علي ماهر.

وينقل المؤلف ما شرحه "النحاس" في جلسة مجلس النواب ردا على استجواب تقدم به عبد السلام الشاذلي باشا عضو المجلس، حول علي ماهر.


قال "النحاس" إنه طلب من علي ماهر الاعتكاف في عزبته وأن يترك كل نشاط خارجي، وهو ما فعله عندما ذهب إلى "القصر الأخضر"، وهي عزبة خاصة به في مركز كفر الدوار بالبحيرة.

نفذ علي ماهر الأمر وظل في عزبته شهرا كاملا لا يخرج، لكنه ما لبت أن غادر مرة إلى القاهرة، ثم مرة إلى الإسكندرية، فصدرت الأوامر من "النحاس" بعدم السماح له بمغادرته القصر مرة أخرى.

ظلت مشاغبات علي ماهر الذي لم يطق الإقامة الجبرية المفروضة عليه، فقرر السفر إلى القاهرة، وهناك صدر أمر فعلي باعتقاله.


ما حدث بعد ذلك يشبه المغامرات الطريفة، فبحسب ما يرويه المؤلف فإن علي ماهر "قفز من السيارة التي كان يستقلها معه بعض رجال البوليس بعد أن وصلت إلى السور الخارجي للبرلمان متوجها إلى مجلس الشيوخ".

قرر "ماهر" الاحتماء في "الحصانة البرلمانية" التي يمتكلها، ولما كان مبنى البرلمان يتمتع بحرمة لا يمكن تعديها، فإن رجال البوليس ظلوا يحاصرون المجلس من الخارج، إلى أن خرج "ماهر" في النهاية فاقتادوه إلى سجن الأجانب.

وبسبب الواقعة، ثار جدل كبير، الأمر الذي حاول "النحاس" تهدئته في بيانه أمام مجلس النواب: "قيل إن البوليس موجود داخل السور الخارجي، ومع أن هذا السور لا يعتبر حرما للبرلمان، لأن فيه وزارة المواصلات ووزارة الأشغال والجمعية الجغرافية، فإني أصدرت الأمر بأن يقف البوليس خارج السور، احتراما لكرامة البرلمان".


وتعاظم الجدل، ودارت مناقشات حول أحقية الحاكم العسكري في القبض على نائب برلماني في ظل الأحكام العرفية.

وردت حكومة الوفد على ذلك مستعينة بمثل هذه السوابق لدى الدول البرلمانية العريقة، واستشهدت فقانون الدفاع الوطني الذي صادر في إنجلترا عام 1939، وأباح للسلطة التنفيذية القبض على من تستدعي مصلحة الدفاع الوطني القبض عليهم دون أن يستثنى من ذلك أعضاء البرلمان.