التهم عدد السكان.. كيف دخل "الطاعون الدبلي" مصر على متن سفينة؟
في ظروف عالمية صعبة للغاية، عاد الحديد عن وباء الطاعون الدبلي مجددًا، بعد الاشبتاه في ظهور حالة مصابة به في الصين، بؤرة فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19"، الذي تعاني منه البشرية منذ أشهر.
وأعلنت بكين رفع
حالة التأهب في البلاد، تحسبا من انتشار المرض، فيما قللت منظمة الصحة
العالمية من خطورة الأمر، مؤكدة أنها تراقب الوضع عن كثب.
والطاعون الدبلي، أو الدمبلي، أو الميلفاوي، ينشأ في الأساس من القوارض مثل
البراغيث والفئران التي تحملها، يسبب التهابات في الغدد اللمفية تؤدي إلى تورمات، قد
تُفضي إلى الموت.
اقرأ أيضًا: حكايات المصريين مع الأوبئة (1): لماذا منع محمد علي النساء من "الولولة" على ضحايا الطاعون؟
وفي كتاب
"الأوبئة والتاريخ.. المرض والقوة والإمبريالية"، لمؤلفه شلدون واتس،
الصادر عن المركز القومي للترجمة، 2010، يشرح المؤلف كيف ظهر هذا الوباء بشكل خطير
في منتصف القرن الرابع عشر.
ويروي المؤلف
بالتفصيل أنه في صيف عام 1347، اعتلت الفئران والبراغيث المصابة بالطاعون الدملي متن
سفن تجارية في ميناء "كافا" على البحر الأسود، ثم مرت بعض هذه السفن
خلال ممر الدرنديل بتركيا ثم رست في صقلية، وبعد ذلك أبحرت إلى بيزا وجنوا ومرسيليا.
في تلك الأثناء،
كانت بعض السفن التجارية الأخرى أبحرت مباشرة من كافا إلى مصبات نهر النيل في مصر.
نتيجة ذلك، أنه خلال
بضعة أشهر، "بدأ وباء من نوع معروف للمعاصرين في قتل الرجال والنساء والأطفال
على جانبي البحر المتوسط".
ويلفت المؤلف إلى
أنه بانقضاء عام 1348 بدأ الطاعون في مهاجمة السكان على طول شواطئ المحيطين
الأطلنطي والبلطيق، و بعد ذلك صعد إلى الأنهار، وعلى طول الممرات وعبر الحقول، حتى
وصل إلى الأوروبيين الذين يعيشون في عمق القارة العجوز.
ويكشف المؤلف أنه
رغم ندرة المعلومات التي يُعتمد عليها حول هذا الوباء القاتل، فإنه خلال السنوات
الخمس من 1347 إلى 1351 انتشر "الموت الأسود" بكثافة، لتتراوح نسبة
الوفاة بين ثمن إلى ثلثي عدد سكان المنطقة.
ويوضح: "قد
يكون أدى إلى وفاة ثلاثة من كل عشرة من الأوروبيين، تاركا ما يقرب من 24 مليون
قتيل. ويظل أسوأ كارثة لمرض وبائي في أوروبا منذ انهيار الامبراطورية الرومانية".
اقرأ أيضا: حكايات المصريين مع الأوبئة (3): "موعظة الطاعون" تدفع قنصوة الغوري لإسقاط الضرائب
وفي العالم
الإسلامي الشرقي، يلفت المؤلف إلى أن نسبة الإصابة كانت مرعبة للغاية أيضا، إذ مات
ما بين ربع وثلث السكان تقريبا.
ويستشهد المؤلف بما
كتبه عالم وطبيب من الأندلس في عام 1349 عن الوباء: "هذا مثال على المآثر
العجيبة والقوة الإلهية لأنه لم تحدث من قبل بمثل هذا الانتشار والاستمرار. ليس
هناك تقارير مقنعة أعطيت حوله، لأن المرض جديد.. الله وحده يعلم متى سوف ينتهي هذا
المرض".
وبالنسبة لتأثير الطاعون
على مصر في تلك الفترة، ينوه المؤلف إلى أنه خلال الإمبراطورية المملوكية
المتمركزة في القاهرة ثم الحكم العثماني بعد ذلك، فإن الحكام لم يتدخوا للسيطرة
على الوباء.
ويكشف أن الطاعون الدبلي منذ أن ظهر عام 1347 قضى على أكثر من ثلثي سكان مصر، فتجمد العدد عند 3 ملايين فقط، إلى أن أصبح محمد علي واليا على البلاد، واتبع سياسات وقائية وإجراءات مشددة للحجر الصحي.