بينما الناس مشغولة بأخبار وباء كورونا ومهمومة من تداعياته
على أحوالهم الصحية وأوضاعهم المعيشية ومستقبل علاقاتهم الاجتماعية.. فاجأ ائتلاف دعم
مصر الجميع في المجلس وخارجه وتقدم بقانون مجلس الشيوخ وتعديلات قوانين مجلس النواب
ومباشرة الحقوق السياسية والهيئة الوطنية للانتخابات، وقد استغرق الأمر ساعات ما بين
وصول تلك المشاريع بقوانين للمجلس وإحالتها إلى اللجنة التشريعية والموافقة عليها على
عجل، ثم بضعة أيام ليتم إدراجها بجدول أعمال الجلسة العامة حيث يُنتظر أن يتم التصويت
عليها اليوم.
ومن المثير للاستغراب أن تتأخر مناقشة تلك القوانين الهامة
-وغيرها- لشهور طويلة دون داعٍ ، ثم يتم تمريرها سريعًا دون نقاش جاد داخل المجلس وخارجه
مع القوى السياسية والحزبية للوصول لأفضل صيغة تساعد في الإصلاح السياسي المنشود، والذي
هو بالمناسبة ليس ترفًا وإنما أمرًا لازمًا للحفاظ علي استقرار الدولة وتطورها.
والحقيقة أن جميع النواب وبالأخص الزملاء في الأغلبية عليهم
أن يستشعروا الحرج من عدم الانفتاح علي المختلفين معهم في هذه القوانين أكثر من غيرها،
ذلك أنها تنظم إجراء انتخابات سوف يتنافس فيها معظمهم، كما تنظم عمل السلطة التشريعية
بغرفتيها والتي يأمل العودة إليها غالبيتهم، ومن هنا يجب إزالة أية شبهة متعلقة بسعي
نواب الأغلبية لتمرير قوانين تكون في صالحهم عندما يتحولون بعد شهور معدودة إلى مرشحين.
ومع الاختلافات البسيطة بين الأغلبية والمعارضة على عدد من
التفاصيل في تلك القوانين، فإن الخلاف الجوهري يتمثل في النظام الانتخابي الذي سيتم
الأخذ به، وهو الأمر الواضح بين ما هو مقدم من دعم مصر، ومن المعارضة والمستقلين الذين
لم تأخذ مشروعات القوانين المقدمة منهم حقها في المناقشة الحقيقية باللجنة التشريعية،
مع الخشية من تكرار الأمر نفسه في الجلسة العامة.
وقد جاء قانون مجلس الشيوخ وتعديلات قانون مجلس النواب من
قبل الأغلبية لتنص عل النظام الانتخابي المختلط 50% من المقاعد بالنظام الفردي و
50% بنظام القائمة المغلقة المطلقة، بخلاف ما نص عليه الدستور من 5% بحد أقصى للمعينين
من قبل رئيس الجمهورية بمجلس النواب والثلث لنظرائهم في مجلس الشيوخ، بينما طالبت المشروعات
المقدمة من المعارضة والمستقلين بنظام انتخابي يمزج بين الفردي والقائمة النسبية، وإن
اختلفت النسب من مشروع لآخر.
وبرغم أن التعديلات الدستورية -التي رفضناها في حينه- قد
أضافت قيودًا غير صحيحة لتحكم المشرع القانوني عند مناقشة قانوني مجلسي النواب والشيوخ
إلا أن الأمر يقتضي التأكيد على أنه ليس من مانع دستوري ولا عقبة إجرائية تعيق إجراء
الانتخابات بالنظام الفردي كاملًا أو بالقائمة النسبية كاملة أو الجمع بينهما بأكثر
من طريقة، وأن الزملاء الذين انحازوا لنظام القائمة المطلقة سوف يكونون أمام مهمة شاقة
لتبرير ذلك على أسس موضوعية إذا جرى نقاش جاد حول الأمر، ويكفي أن نقول إجمالًا بأنه
نظام غير معمول به في العالم أجمع سوي في بضعة دول ليس من بينها أيًا من الدول المستقرة
ديمقراطيًا أو حتى تلك التي تتشابه معطياتها وظروفها مع الحالة المصرية.
ويمكن القول بأنه تم اختراع هذا النظام الانتخابي (القائمة
المطلقة) ليجمع بين عيوب النظامين الفردي والقائمة النسبية، فالنظام الفردي يعظم من
الصلة بين النائب والناخب ويزيد من سعي الأول لإرضاء الأخير، لكنه يقلل من أهمية البرامج
الانتخابية ويعمل في الغالب على إضعاف الحياة الحزبية التي هي أساس بناء النظام السياسي
بنص الدستور، والعكس صحيح بالنسبة لنظام القائمة النسبية والتي يمكن تجاوز الانتقادات
الموجهة لها بالأخذ بنظام "العتبة الانتخابية"، حتي وإن لم يكن ذلك ضروريًا
في ظل اتساع دوائر القائمة الواردة في مشروع قانون الأغلبية الذي نص على أنها أربعة
وحدد لكل منها عدد المرشحين بداخلها موزعين على الفئات المختلفة من المميزين دستوريًا
وغيرهم، ومع ذلك تُرك لقانون خاص بتقسيم الدوائر تحديد النطاق الجغرافي لهذه القوائم
وكذا لجميع دوائر الفردي، وهو القانون الذي لم تقدمه الأغلبية مع القوانين الأخرى في
إجراء ذي دلالة مزعجة!
إن النظام السياسي التعددي الذي يستوعب كل مواطن يلتزم بالدستور
والقانون ويؤمن بالدولة الوطنية هو بالتأكيد في صالح الدولة المصرية، وإن واجب أعضاء
السلطة التشريعية أن يجتهدوا في الوصول إلى الصيغة التي تحقق ذلك الهدف إعلاءً لمصالح
الدولة العليا فوق المصالح الشخصية والحزبية الدنيا.. لذا فإنني أطالب الزملاء اليوم
بما طالبناهم به دائمًا: أنصتوا قبل أن تصوتوا.