الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

أعطاهم "كلمة سر الليل".. الجمسي يروي كيف تعامل معه جنود الجيش في مفاوضات "الكيلو 101"

المشير محمد عبد الغني
المشير محمد عبد الغني الجمسي

عقلية عسكرية فذّة في تاريخ الجيش المصري، لعب دورا بارزا في حرب السادس من أكتوبر 1973، عندما كان رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة، ثم أصبح وزيرا للحربية حتى تقاعده في عام 1978.

إنه المشير محمد عبد الغني الجمسي، الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، في 7 يونيو، عام 2003، بعد تاريخ عسكري طويل بدأه منذ أن تخرج في الكلية الحربية عام 1939.

تحديد نقاط الفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية

وبجانب عبقريته في التخطيط العلمي الدقيق لمعركة العبور، رئيسا لهيئة العلميات، ثم توليه رئاسة الأركان أثناء المعركة، فإن "الجمسي" كان له دور استثنائي بصفته رئيس الوفد العسكري المصري في أول مفاوضات مباشرة بين الجيش المصري وجيش العدو الإسرائيلي، فيما اُشتهر بـ"مفاوضات الكيلو 101".

كانت حرب أكتوبر قد تخطت أسبوعها الثالث، وبعد تطورات الميدان، واختراق الجيش الإسرائيلي لثغرة الدفرسوار وعبوره الضفة الغربية للقناة ومحاصرة الجيش الثالث الميداني بالسويس، نتجت المبادرات السياسية عن مفاوضات عسكرية مباشرة لتحديد نقاط الفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية، التي ستتمركز فيها قوات الأمم المتحدة.

وقع الاختيار على "الجمسي" الذي كان يحمل رتبة لواء ليكون رئيس الوفد المصري، وتحدد موعد الاجتماع الأول في تمام الواحدة والنصف بعد منتصف ليل يوم 28 أكتوبر، عند منطقة الكيلو 101 على طريق مصر السويس الصحراوي.

3 حروب متتالية ضد إسرائيل

وبحسب ما يرويه "الجمسي" في مذكراته عن حرب أكتوبر والتي أصدرتها الهيئة العامة للكتاب عام 1989، فإن الاجتماع تم داخل المنطقة التي تتواجد فيها القوات الإسرائيلية بحوالي أربعة كيلومترات.

ويشرح تفاصيل المكان الذي جرت فيها الاجتماع الأول قائلا:  "عبارة عن غطاء من المشمع تم ربط أحد أجنابه في دبابة وتم ربط الجانب الآخر في عربة مدرعة، وُضعت بينهما منضدة خشبية حولها عدد من الكراسي الخشبية. وأُضئ مكان الاجتماع بنظام الإضاءة الميداني المعروف".

كانت لحظة لم يرد "الجمسي" أن يكون فيها، وهو الرجل الذي شارك في ثلاث حروب متتالية ضد إسرائيل، لكنه العسكري المنضبط التزم بالأوامر العسكرية الصادرة من قادته، حتى لو خالفت هواه الشخصي.

وعن لحظة الالتقاء بالإسرائيليين يروي: "عندما وصلنا إلى مكان الاجتماع حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحا، اصطف الضباط الإسرائيليون برئاسة الجنرال أهارون ياريف مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي، وقاموا بتأدية التحية العسكرية، وقمنا برد التحية العسكرية".

قدسية القواعد العسكرية في الجيش المصري

لكن اللافت في كواليس هذا الاجتماع الأول، قبل أن تُبنى 3 خيم مخصصة للجلسات، هو أن الرحلة من وإلى المكان كانت مليئة بالتفاصيل التي يصفها "الجمسي" بالمثيرة، والتي تنم عن صرامة وقدسية القواعد العسكرية في الجيش المصري.

يحكي عن ذهابه للاجتماع بعد منتصف الليل، وهو من قادة الجيش الكبار، فيقول: "مررنا بالخطوط الأمامية التي تقف عليها قواتنا، حيث يعترض جنودنا على مرورنا ويشهرون سلاحهم في وجوهنا أكثر من مرة في أكثر من موقع للتأكد من شخصياتنا، وسؤالنا عن أسباب مرورنا في اتجاه المنطقة التي يتواجد بها العدو".

ولا يبدي "الجمسي" أي ضيق من تلك الإجراءات التي طُبقت عليه وهو رئيس هيئة العلميات، ولأنه قائد عسكري حقيقي نجده يقول إن ذلك حق للجنود وواجب عليهم في نفس الوقت.

رحلة عودته من موقع الاجتماع

أما رحلة عودته من موقع الاجتماع فكانت أصعب حسبما يؤكد، إذ انتهت الجلسة الأولى للمفاوضات في تمام الرابعة والنصف صباحا، الأمر الذي يجعل مرور أي أفراد أمر مثير للشك والحيطة.

يروي "الجمسي": "لقد عدنا بعد نهاية الاجتماع في الفجر. وكان من الضروري على قواتنا أن تعترض على مرورنا، ونقف تحت تهديد السلاح للتحقق من شخصياتنا".

وفي إشارة إلى التفاصيل العسكرية الدقيقة داخل الجيش، يكشف "الجمسي" أنه كان يصرح لكل جندي حراسة مصري في كل موقع يمرون عليه بـ"كلمة سر الليل"، وهي كلمة سر موحدة مركبة، يُعمل بها في كل الوحدات العسكرية وتتغير بشكل يومي.

ويلفت رئيس هيئة عمليات الجيش في حرب أكتوبر أنه كان يحدد لكل جندي رقم وحدته واسم قائدها حتى يزداد اطمئنانه ويأمر لهم بالعبور حيث العودة لمقر القيادة في القاهرة.