توابع كورونا.. 3 سيناريوهات حكومية للخروج من مصيدة الدين
دفعت تطورات أزمة كورونا المتسارعة عالميًا ومحليًا الحكومة المصرية للتفكير جديًا فى تأجيل أو إسقاط جزء من فوائد وأقساط الدين، بالتفاوض مع المؤسسسات الدولية، وذلك فى محاولة لتحرير احتياطي النقد الأجنبى من أعباء استخدامها فى خدمة الديون واستيراد معدات الرعاية الصحية واللوازم الطبية.
وعزز الاتجاه الأخير لتأجيل سداد الدين وخفضه، ما سجله احتياطي مصر من النقد الأجنبى من تراجعات حادة إلى حدود 37.04 مليار دولار بنهاية أبريل، مقابل 40.11 مليار دولار بنهاية مارس، مدفوعًا بتوقف تام لإيرادات السياحة والطيران وانخفاض كبير فى تحويلات المصريين بالخارج، فى خضم إجراءات الغلق لعدد من الأنشطة والقطاعات الاقتصادية للحد من فرص انتشار فيروس كورونا المستجد بين المواطنين.
حجم الدين الخارجي
وتشير التقديرات الرسمية، إلى ارتفاع حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر لـ 112.67 مليار دولار بنهاية 2019 محققًا ارتفاع نسبته 16.6%، ، مقابل 96.6 مليار دولار بنهاية 2018، وارتفاعًا قدره 3.31 مليار دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي.
كما أظهرت بيانات البنك المركزي استحواذ الديون الخارجية طويلة الأجل على نسبة 89.9% من إجمالي الدين الخارجي، وقيمتها نحو 101.4 مليار دولار، بينما تأتي النسبة المتبقية والبالغ قيمتها 11.3 مليار دولار ضمن الديون قصيرة الأجل التى تسدد خلال عام.
مفاوضات حكومية
مؤخرًا لم يعد الحديث عن جدولة الديون أسير الاجتماعات المغلقة، بعدما كشف وزير المالية الدكتور محمد معيط عن مفاوضات بدأتها الحكومة المصرية بالفعل مع عدد من الدول لجمع توقيعات لدى كلًا من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى بشأن طلب تأجيل واسقاط سداد جزء من الديون، لكنه أكد فى الوقت نفسه، التزام الدولة المصرية بسداد الآثار المترتبة على القروض الخارجية، رغم التداعيات القاسية التى خلفتها أزمة كورونا على الاقتصاديات العالمية.
سيناريوهات الحل
وإزاء تلك التحركات بدأ الحديث عن طرح ثلاث سيناريوهات للتعامل مع أزمة الديون فى ظل تداعيات أزمة جائحة كورونا، إذ يدور السيناريو الأول وهو الأرجح من جانب أطراف حكومية ومراقبين اقتصاديين حول إمكانية تأجيل جزء من فوائد وأقساط الديون المستحقة على مصر لدى المؤسسات الدولية لحين انحسار الأزمة بعض الشئ بما يتيح قدرة مالية على استنئاف السداد.
ويرجح الاحتمال الأول، توقعات جميع المؤسسات الدولية أن الاقتصاد المصرى فى ظل ظهور فريوس كورونا سيحقق معدلات نمو إيجابية، منفردًا بذلك بين دول المنطقة العربية وشمال إفريقيا، مع تثبيت تصنيف مصر الائتمانى عند درجة B2 مع منحها نظرة مستقبلية مستقرة، ما يعطى مؤشرًا إيجابيًا للمؤسسات المالية العالمية للثقة فى صمود الاقتصاد المصرىويشجعها على دعمه.
أما السيناريو الثانى، يشير إلى إمكانية إسقاط جزءًا من ديون مصر لدى الإقتصاديات الكبرى الأكثر صمودًا أمام الأزمة مثل الصين والولايات المتحدة، على غرار ما حدث إبان حرب تحرير الكويت عام 1993 حينما اسقطت دول التحالف الغربى نصف ديون مصر الخارجية البالغ أنذاك 55 مليار دولار لتصل إلى حدود 28 مليار دولار.
ورغم أن الاحتمال الثانى يعطى دفعة قوية للاقتصاد ويخفف جزء كبير من الأعباء لكن فرصة تحققه ضعيفة فى ظل الخسائر الفادحة للاقتصاديات العالمية بما فيها الدول الكبرى جراء أزمة كورونا، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وألمانيا.
بينما يدور السيناريو الثالث حول لجوء الحكومة المصرية إلى مبادلة الديون على غرار الإتفاقية المبرمة مع إيطاليا وألمانيا من قبل، ويشير مصطلح مبادلة الديون إلى قيام الحكومات بتخفيف أعباء المديونية الخارجية من خلال تمويل مشروعات تنموية واستثمارية، أو إعفاء الدولة من عبء تدبير النقد الأجنبى اللازم للسداد مقابل قيمة عينية.
أراء الخبراء
وفى هذا الصدد، رفعت جهات استشارية حكومية، توصيات بالتحرك لتأجيل أو إسقاط 50% من فوائد وأقساط القروض المستحقة على مصر، والتى تبلغ تريلونًا ومائة مليون جنيه، أى قيمة المبلغ المطلوب إسقاطه هو 36 مليار جنيه، إلى جانب الاستفادة من الأدوات المتاحة لدى مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها البنك الدولى وصندوق النقد، لمساعدة مصر على الحد من الآثار الاقتصادية السلبية للجائحة.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادى الدكتور صلاح فهمى استاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن طلب مصر تأجيل سداد جزء من ديونها إجراء متبع عالمًيا وليس استثنائي، فى ظل الأزمة الطاحنة التى يشهدها العالم فى المرحلة الراهنة، لافتًا إلى أن جدولة الديون أو إعادة تأريخها لا يعنى تملص مصر من أداء إلتزاماتها الدولية وإنما مجرد ترحيل مواعيد سداد الفوائد والأقساط لفترة دون أن يترتب على ذلك أى أعباء مالية إضافية أو فرض فوائد متزايدة بسبب التأجيل.
توقعات متفائلة
وأضاف الخبير الاقتصادى، فى تصريحات خاصة، أن مصر أمامها فرصة جيدة للحصول على موافقة المؤسسات الدولية بتأجيل سداد جزء من دوينها الخارجية فى ظل ما حققته من مؤشرات اقتصادية إيجابية ونجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى، وسط توقعات متفائلة بشأن تعافى الاقتصاد المصرى سريعًا من أزمة كورونا، وبالتالى فإن هناك حاجة ماسة لتدخل تلك المؤسسات بدعم الاقتصاد المصرى خوفًا من تعرضه لانتكاسه أو هزة قوية تؤثر سلبًا على مكتسبات برنامج الإصلاح.
وشدد الخبير الاقتصادى، على أن لجوء الدول لمثل تلك الإجراءات لا يعنى إفلاس اقتصادها أو عدم قدرته على السداد فى الوقت الراهن وإنما خوفًا من استنزاف رصيد النقد الأجنبى وزعزعة الاستقرار المالى والنقدى فى ظل تزايد النفقات على استيراد المستلزمات الطبية والغذائية ودعم القطاعات والفئات المتضررة من جائحة كورونا، فى مقابل تجمد مصادر النقد الأجنبى إلى حد كبير من السياحة والتجارة الخارجية والتحويلات والطيران.