الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

من الكاريزماتي إلى البيروقراطي.. الحرس الثوري الإيراني ومستقبل الصراع في المنطقة

الرئيس نيوز

أدى مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، إلى إزالة أحد المهندسين الرئيسيين لاستراتيجية إيران المتمثلة في دعم الوكلاء المسلحين عبر نقاط متفرقة في الشرق الأوسط. ووجد خلفه الجنرال إسماعيل قاني نفسه مضطرًا لملء فراغ كبير أحدثه خروج سليماني من الصورة، فقد كان سليماني ذا شخصية كاريزمية وديناميكية، ونهج عملي. أما في ظل قيادة قائد فيلق القدس الجديد، فتحاول قوة القدس متابعة تنفيذ استراتيجية إيران، ولكن من المرجح أن تكون أنشطتها أكثر حذراً وانضباطًا وتماشيًا مع خطوط السياسة الرسمية. فكيف سيؤثر ذلك على الشرق الأوسط؟

لاعب رئيسي في استراتيجية الأمن

شكلت الحرب المدمرة التي استمرت ثماني سنوات مع العراق في الثمانينيات معطيات النموذج الأمني ​​لإيران. ومع ذلك، وبسبب العجز في الموارد، وإصرار طهران على مناطحة جيرانها الأغنى بالموارد ومعاناتها من قلة الأصدقاء، كان على إيران الاعتماد على استراتيجية أمنية غير تقليدية. تم تشكيل فيلق الحرس الثوري الإسلامي في عام 1979 من خلال اندماج القوات شبه العسكرية الثورية للدفاع عن الثورة الإسلامية ومواجهة الجيش النظامي الذي كان غير موثوق به، وسرعان ما أوكلت للحرس الثوري الإيراني مهام ردع الهجمات التقليدية والاستفادة من قدرات القوة الإقليمية لإيران. ويقوم فيلق القدس بهذه المهام من خلال استراتيجية غير تقليدية ذات أربع شُعب: قدراته الصاروخية الرادعة، وقوته القتالية الهجومية وقوته الإلكترونية التخريبية، والاستعانة بالوكلاء والحلفاء المسلحين من غير الدول، مثل ميليشيات الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان.

ويعد فيلق القدس مسؤولاً عن تنظيم وتجنيد وتدريب وتجهيز الجماعات المسلحة ووكلاء طهران على غرار القوات الخاصة الأمريكية، وقد تكون مثل هذه الجماعات صديقة لإيران وتتبنى أيديولوجيتها الثورية، لكنها في العديد من الحالات تكون معادية لأعداء إيران.

يزود هؤلاء الوكلاء والحلفاء المتشددون إيران بالقدرة على التحدي ودرجة من الردع الاستراتيجي للخصوم الإقليميين، مثل إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، عن القيام بعمل عسكري مباشر خوفًا من الهجمات الانتقامية من قبل وكلاء إيران.

وأوجز تقرير حديث للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية تأثير إيران بالوكالة من باكستان وأفغانستان في الشرق والبحرين واليمن في شبه الجزيرة العربية وسوريا ولبنان وفلسطين في بلاد الشام. تزود إيران، من خلال فيلق القدس، هؤلاء الوكلاء بأسلحة متطورة، ومستشارين ومتخصصين والدعم في كل شيء من الاتصالات إلى المسائل المالية. ويقدر المعهد العدد الإجمالي للمسلحين بنحو ٢٠٠٠٠٠، حيث تبلغ النفقات في العراق وسوريا ولبنان واليمن حوالي ١٧ مليار دولار.

تم تأسيس الوكيل الأكثر تقدمًا لإيران، حزب الله اللبناني، لردع أي تجاوز إسرائيلي كبير في المنطقة، لكنه أصبح فيما بعد فاعلا سياسيا وعسكريا مستقلا.

وفي العراق وسوريا، قامت قوة القدس ببناء تكتلات متشددة كبيرة من المليشيات المحلية. أدى القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014 إلى تعزيز قوات الحشد الشعبي لتهميش نفوذ الولايات المتحدة وأصبحت ذات نفوذ سياسي لا يصدق، لكنها الآن في مفترق طرق بعد مقتل زعيمهم المهندس برفقة قاسم سليماني.

لا يُعرف إلا القليل عن الرئيس الجديد لقوة القدس، لكن القائد الجديد البالغ من العمر 61 عامًا هو مواطن من مشهد في محافظة خراسان. وانضم إسماعيل قواني إلى الحرس الثوري الإيراني في عام 1980 بين الثورة الإسلامية والحرب مع العراق. تلقى تدريبه العسكري من قبل الحرس الثوري الإيراني، وكجزء من فرقة النصر الخامسة التابعة للحرس الثوري الإيراني شارك في جهود مكافحة التمرد التركماني والكردي، قبل إرساله إلى الخطوط الأمامية ضد العراق. شارك في العديد من الحملات الناجحة على الجبهة الجنوبية الإيرانية ضد العراق، وهنا تصادق مع سليماني وآية الله علي خامنئي.

الفرق بين سليماني وقاني

فهم الفرق بين إسماعيل قاني وقاسم سليماني يساعد في فهم ما إذا كان فيلق قوة القدس سيتغير تحت قيادته وكيف. كان قاسم سليماني عنصرًا رئيسيًا في تشكيل وتوسيع استراتيجية إيران غير التقليدية لبسط القوة الإقليمية. تم تسريب أرشيف من 700 صفحة لبرقيات استخبارية سرية من وزارة المخابرات والأمن الإيرانية إلى موقع The Intercept يكشف الكثير عن قاسم سليماني. في منطقة عملياته الرئيسية، العراق، كان لاعبًا قويًا للغاية وكان يتمتع بشبكة شخصية واسعة النطاق، بدءًا من السياسيين ذوي المكانة الجيدة إلى المسلحين الأقوياء. كان شخصية جذابة للغاية وعملية. لكنه أثار عداء قوى إيرانية داخلية أخرى، فعلى سبيل المثال انتقدته المخابرات الإيرانية أيضًا لكونه عنيدًا بالإضافة إلى سعيه لتأكيد مجده الشخصي وسمعته، كما تلومه مصادر الاستخبارات على تأجيج التوتر العرقي في العراق من خلال الوحشية التي أظهرتها الميليشيات التابعة له.

ومن نواح عديدة، يعد إسماعيل قاني نقيض سليماني. إنه أكثر غموضا وأكثر حرصًا على تجنب الظهور عبر وسائل الإعلام، ويبدو أنه أكثر تواضعا ويوصف بأنه بيروقراطي، ومعني في المقام الأول بالشؤون الإدارية اليومية لفيلق القدس.

وفي أفغانستان، كان قاني مسؤولاً عن بناء شبكات بشكل أساسي بين المسلمين الشيعة وفي المناطق ذات العلاقات التاريخية مع إيران. لكنه يفتقر إلى أي خبرة كبيرة بالعالم العربي ولا يتحدث العربية. غير قادر على ملء الفراغ الذي تركه سليماني وحده، سيتم دعم قاني من قبل لجنة من أعضاء فيلق القدس ذوي الخبرة للتعامل مع شبكة الوكلاء والحلفاء المتشددين في الشرق الأوسط. من المحتمل أن يلعب دورًا مهمًا نائبه محمد حسين زادة حجازي، المسؤول عن أنشطة قوة القدس في بلاد الشام، وعبد الرضا شحلي، رجل فيلق القدس في اليمن.