الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد عبدالعزيز يكتب: عن قتلة فرج فودة وأحمد منسي!

الرئيس نيوز

فى 1 يونيو 1992م، أدار د. سمير سرحان، رئيس الهيئة العامة للكتاب آنذاك، مناظرة ساخنة فى معرض الكتاب، حملت عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، كان أبطالها د. محمد عمارة، والشيخ محمد الغزالى والمستشار مأمون الهضيبى من جهة، ود. فرج فودة ود. محمد خلف الله من جهة.. وفى 8 يونيو 1992م، وفى منطقة مدينة نصر، انطلقت دراجة نارية بمسلحين اثنين، مطلقين وابلا من الرصاص على المفكر فرج فودة، ليسقط قتيلًا أمام جمعيته المصرية للتنوير!.

«الإسلام بدأ باقرأ.. وسنظل نتحاور لكى نوقف نزيف الدم، ونصل إلى كلمة سواء، وأنا أؤكد لكم، ما يقال إنه خلاف بين أنصار الإسلام وأعداء الإسلام.. لا.. هو خلاف رؤى، ورؤى لا تتناقض مع الإسلام، لكن الفريق الذى أنتمى إليه، لم ير أبدًا أن الإسلام هو دين العنف، الإسلام دين القول بالتى هى أحسن، ولأجل هذا فنحن ندين الإرهاب، لأنه قول وفعل بالتى هى أسوأ... أدعو الله للجميع، أن يهتدوا بهدى الإسلام، وهو دين الرحمة، وأن يهديهم الله لأن يضعوا الإسلام فى مكانه العزيز، بعيدًا عن الاختلاف، وعن الفرقة، وعن الإرهاب، وعن الدم وعن المطامح وعن المطامع!»

كانت تلك الكلمات التى ختم بها د. فرج فودة مناظرته الأخيرة، وسط حضور مكثف من جماعات الإسلام السياسى قدر بـ30 ألفًا، وهتافات «إخوانية» منظمة «الله أكبر ولله الحمد»، بين كل فاصل وآخر، ودولة فتحت الباب على مصراعيه لنمو هذه الجماعات، حتى إن مرشد الإخوان مأمون الهضيبى كان أحد أهم ضيوف مناظرة ينظمها معرض الكتاب!. بعد هذه المناظرة، كانت جريدة النور السلفية، قد خرجت بعناوين تُكَفِّر فرج فودة وتبيح دمه باعتباره مرتدًا، وأفتى كل من الشيخ محمد الغزالى، ومأمون الهضيبى، بتكفير فرج فودة وجواز قتله! حتى إن الشيخ الغزالى، حين طلبه دفاع المتهمين فى القضية للشهادة، قال نصًا: «إنهم قتلوا شخصًا مباح الدم ومرتدَّا، وهو مستحق للقتل، وقد أسقطوا الإثم الشرعى عن كاهل الأمة، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، ولا توجد عقوبة فى الإسلام للافتئات على الحاكم، إن بقاء المرتد فى المجتمع يكون بمثابة جرثومة تنفث سمومها بحض الناس على ترك الإسلام، فيجب على الحاكم أن يقتله، وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس» !!

فى 2012، أفرج المعزول محمد مرسى، حين كان رئيسًا للجمهورية، عن الإرهابى أبوالعلا عبدربه، وهو أحد الثلاثة المشاركين فى اغتيال المفكر فرج فودة، وكان يقضى عقوبة السجن المؤبد، لكونه شارك فى التخطيط وتحضير الأسلحة، لكن تم إعدام المسلحين الاثنين اللذين أطلقا النيران، وبعد سقوط نظام الإخوان تنقل أبوالعلا عبدربه من اعتصام رابعة، إلى سوريا، ثم انضم لداعش، ومن داعش لجبهة النصرة، ثم استقر فى أحرار الشام، قبل أن يقتله الجيش السورى مؤخرًا، والسؤال هنا: هل هذا الفكر التكفيرى الأحمق، الذى يستند إلى فتاوى من شيوخ كبار، انتهى بموت هذا الإرهابى، أو بموت غيره فى سوريا أو سيناء على يد الجيش المصرى؟ الحقيقة أنه إلى جانب مواجهة الإرهاب بكل قسوة أمنيًا، دون مواجهة فكرية حقيقية، سندور فى نفس هذه الدائرة التى لا تنتهى!، سنوات وراء سنوات من تدمير الوعي.
 المشكلة ليست في رأي آحاد الناس ولو كان فنانا، أو يفترض أنه كذلك، فذلك آخر ما نفكر فيه، من سلسلة طويلة لتجريف الوعي المصري وتدمير كثيرا منه، مشكلة تجريف الوعي والسماح للتيارات المتطرفة لتسيطر على عقول المصريين مشكلة قديمة ومتجذرة في كل شارع وحارة وقرية وجامع وزاوية بل وكل بيت!، ودولة العلم والإيمان والرئيس المؤمن الخ الخ كانت البداية، حيث نشرت الأهرام في السبعينات لتعلن في صفحتها الأولى عن استقبال الرئيس السادات   لـ"الثوار" الأفغان حين كان اسمهم ثوارا ومجاهدين  حاربوا الاتحاد السوفيتي بدعم الأمريكان ودعاء الشيوخ على المنابر لهم بالنصر وجمع ملايين من التبرعات، ثم أصبحوا بعد انتهاء مهمتهم طالبان والقاعدة وإرهابيين!! 
قتلة فرج فودة هم قتلة أحمد منسي هم قتلة الرئيس السادات نفسه الذي سمح لهم بكل هذا التوغل، القتل باسم الدين ليست بندقية آلية أو عبوة متفجرة، القتل باسم الدين يبدأ من فتاوي التكفير وإهدار الدم، فكرة مسمومة تلقى لشاب جاهل لم يقرأ حرفا، أما عملية التنفيذ فيكفي جهل القاتل مع شحن ديني ووعد بالجنة والحور العين، مع أنهار من اللبن والخمر والعسل!!، قتلة فرج فودة وأحمد منسي الأصليون هم كل كلمة تحض على الكراهية والتكفير والتمييز فذلك ليس رأيا بل جريمة يجب معاقبة مجرد التفوه بها، فطالما هذه الأفكار مستمرة، فإن القتل باسم الدين سيستمر!