الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

سر العبارة الوحيدة التي غيّرها السادات في خطاب عيد العمال 1976

الرئيس نيوز

في ١ مايو من كل عام نحتفل بعيد العمال، تقديرا لدور الأيدي العاملة في المصانع، إذ قام هؤلاء بمهام عظيمة في تقدم الوطن. 

وفي هذه المناسبة نعود بالتاريخ عدة عقود إلى أن نتوقف عند الاحتفال بعيد العمال عام ١٩٧٦ في فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات. 
كواليس تلك المرة رواها الكاتب الصحفي الراحل أحمد بهاء الدين في كتابه "محاوراتي مع السادات"، إذ يحكي أن الرئاسة استدعته ليكتب خطاب الرئيس للاحتفال بالمناسبة. 
وبعد وصوله سريعا من الكويت التي كان يعمل بها آنذاك، وقبل سفره إلى الإسماعيلية لمقابلة السادات في استراحته هناك، سمع بهاء الدين من زملائه بالصحف أن هناك حركة قلق بين العمال وهناك إضرابات صغيرة. 
ومن بين ما حدث كان هناك حادثين هامين للغاية، الأول - كما يروي - إضراب عمال مصنع في دمياط وإحراقهم المصنع وتوجههم إلى بيت رئيس مجلس الإدارة وهجومهم على البيت وإلقاء ما فيه في الشارع. أما الحادث الثاني فكان صداما كبيرا بين الشرطة والعمال في أحد المواقع في الإسكندرية.
راح بهاء الدين لمقابلة السادات في استراحته فجاءه الأخير مرتديا البيجامة والروب "وهو في حالة راحة وهدوء بال"، فسأل الكاتب الصحفي الرئيس كالعادة إن كان لديه أشياء محددة يريد أن يقولها في خطاب أول مايو، لكن السادات طلب منه أن يكتب ما يراه ثم يطلع هو في النهاية على الخطاب كاملا. 




هنا فاتح أحمد بهاء الدين الرئيس فيما سمعه عن وجود مشاكل عمالية، ناصحا: "إنني أفضل أن نجد طريقة للإشارة إليها ولو تلميحا بطريقة تجعل العمال يشعرون أن الرئيس مدرك ومتابع مشاكلهم، بصرف النظر عن أي وعود ليست في حسابات الحكومة، إذ ليس مفيدا أن يشعر العمال أن أصواتهم لا تصل إلى مسامع رئيس الدولة أو لا يهتم بها".
كان رد السادات مفاجئات للكاتب الصحفي، إذ قال له: "طبعا! انت قاعد في الكويت وبتسمع الإشاعات اللي بينشروها عننا بره. القاعدة العمالية سليمة وليست هناك أي مشكلة!". 
أكد بهاء الدين للرئيس أنه سمع من القاهرة لا من الخارج عن اضطرابات ومشاكل عمالية لا يجوز تجاهلها، فقال السادات متجاهلا كل هذا: "انت قصدك على حكاية دمياط وحكاية إسكندرية؟ دي مش مشاكل. اللي حصل في دمياط سببه إن رئيس مجلس الإدارة (...) ميعرفش يتصرف، واللي حصل في الإسكندرية شغب شوية عيال".
وارتسمت الدهشة على وجه الكاتب الصحفي مرة ثانية عندما قال السادات: "وعلشان تعرف إنها حاجات تافهة أنا بقولك إني ولا سمعت عنها إلا بعد أسبوع تقريبا".
تأكد بهاء الدين من أنه لا أمل في إقناع السادات بضرورة الإشارة لمشاكل العمال، وأخذ يكتب الخطاب الذي كان سيلقيه الرئيس من مدينة السويس.
يروي: "ولما لم يكن لدى الدولة شيء سياسي أو عمالي جديد يقال، فقد ركزت في الخطاب على الإشادة بدور عمال مصر منذ هزيمة 1967 حتى حرب 1973، من صمودهم في المصانع والموانئ تحت القصف الإسرائيلي المستمر، إلى استمراريتهم في العمل ببسالة لإطفاء حريق خزانات البترول في الزيتية في السويس، تحت ضرب المدفعية الإسرائيلية، انتقاما لإغراقنا البارجة الإسرائيلية "إيلات" بعد الهزيمة بأسابيع، وهم يهجمون ببسالة على خزانات البترول المشتعلة بنيران رهيبة، انتهاء بدور جميع عمال مصر في بناء حائط الصواريخ المشهور تحت غارات الطائرات الإسرائيلية 24 ساعة في اليوم، وهو جهد اشتركت فيه – كما ذكرت في مشروع الخطاب – كل شركات المقاولات العامة والخاصة وكل العمال من أنحاء القطر المصري".
وبعد أن عاد بهاء الدين من الإسماعيلية، وجلس ليستمع إلى الرئيس السادات وهو يلقي الخطاب، وجد أن الرئيس لم يغير حرفا واحدا فيه، ولم يقدم كلمة ولم يؤخر أخرى- باستثناء شيء واحد فقط.
يكشف أحمد بهاء الدين قائلا: "في الحديث عن مشاركة كل العمال من خلال كل شركات المقاولات في بناء حائط الصواريخ، غيّر الرئيس هذه الجملة وقصر الفضل فيها على ذكر شركة المقاولين العرب وعمال المقاولين العرب (عثمان أحمد عثمان)"، لافتا إلى أن تصرف السادات أكد له المكانة غير العادية التي صارت لعثمان أحمد عثمان، في تلك الفترة. 
وكان عثمان قد تولى عدة مناصب وزارية في السبعينات، كما أوكلت لشركة المقاولون العرب كل المشاريع الإنشائية، بخلاف أنه أصبح نقيبا للمهندسين، ومنحه الرئيس صلاحيات واسعة، وكان يرافقه في جولته الصباحية للمشي، وتكللت العلاقة بزواج ابن المهندس من ابنة الرئيس.