الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق 16 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

الحلقة الثالثة.. ماذا ترك لنا وديع فلسطين؟.. وقصة تكريمه بـ«كسوة الكعبة»

الرئيس نيوز

في الحلقة الثالثة من كتاب وديع فلسطين، حارس بوابة الكبار الأخير تقديم لبقية الفصل الأول حيث ميراث الجماهير من وديع فلسطين وكتاباته التي قدمها للجمهور، وما ناله من تكريمات وما شغله من عضويات، وبعض من الفصل الثاني حيث آراءه ومواقفه، وحديث عن نشأة جريدة المقطم، وحقيقة ما إذا كانت لسان الاحتلال الإنجليزي حتى نهايتها أو ماذا.
إلى نص وديع فلسطين:

قصة حزنه من «محفوظ» وميراث الـ 40 كتابا
ولوديع فلسطين ما يزيد على أربعين كتابا، في الترجمة والأدب والسياسة والصحافة، كما أنه قام بالعمل في الترجمة في مجالات وفروع متخصصة.
في وقت عمله بالأهرام بقسم التوزيع عكف فلسطين على ترجمته الأولى، فبعد ثلاث سنوات من وفاته قدم الأديب السويدي “أوجست سترينبرج” للمكتبة العربية عبر ترجمة مسرحيته “الأب”، والتي يحكي أنه ما أن أكملها حتى توجه بها إلى لجنة النشر للجامعيين، والتي نشرتها في 1945، لتكون بذلك أول تقديم لهذا العمل الهام، والذي يقدم بعد عقود في سبعينيات القرن الماضي في الكويت في سلسلة من المسرح العالمي، مع مسرحيته الأخرى الشهيرة “مس جوليا”.
البحث عن هذه المسرحية لن يجدي نفعا، لا سيما أن فلسطين نفسه لم يعد لديه أي من أعماله بما فيها هذه الترجمة، لكن في لحظة لعب فيها الحظ معي وبعد كثير من البحث خرج أمامي فجأة تسجيل نادر عن الإذاعة المصرية.. التسجيل عبارة عن مسرحية “الأب” والتي يمتد توقيتها إلى قرابة الساعتين.
وفي التقديم لها صوت المذيع معرفا: “من ترجمة الأستاذ وديع فلسطين، إخراج صلاح عز الدين”.
بعد انجازه لترجمة المسرحية بدأ في رحلة بحث عن ناشر يخرجها إلى النور، ولم يكن وقتها لديه ناشرا يتوجه له بها، كما لم تكن له علاقة بمسرحية يتبناها، ويقدمها على المسرح، لكن اعلان في الأهرام وقتها (عام 1943) عن رواية “رادوبيس” للأديب الذي سصل للعالمية فيما بعد، “نجيب محفوظ” عن لجنة النشر للجامعيين، الناشر مكتبة مصر بالفجالة، أدى به للذهاب إلى الدار، ومنها التعرف على نجيب محفوظ، وأصدقاءه بعد أن صدر في الشهرين التاليين لرادوبيس، رواية “ويك عنتر” لـ”عادل كامل”، “إخناتون ونفرتيتي” لـ”علي أحمد باكثير”.
أحزن وديع فلسطين بشدة مسألة عدم تناول أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ اسمه بالذكر، رغم قصه المسرحية التي أدت إلى تعرفه على مجموعة لجنة النشر للجامعيين، فيقول بأن محفوظ عندما سئل عن الأدب السويدي وإذا كان قد تعرف عليه أو قرأه، فكان تعقيبه بأنه قرأ مسرحية الأب، لكنه لم يذكر اسم المترجم الذي نقلها للعربية، وهو وديع فلسطين خلال المقابلة التي أجرتها معه هيئة الجائزة السويدية بالأساس.
لم تكن هذه هي المسألة الوحيدة التي أحزنت فلسطين في مسارة من أديبنا العالمي، فيقول أيضا بأنه كان أول من كتب عنه في الصحافة وهو ما لم يعلنه محفوظ، لكنه أرسل لي قصاصة تعود عمرها لأربعينيات القرن الماضي تؤكد قوله، وسأتناول علاقات وديع فلسطين مع الكتاب والمبدعين في عصره في الفصل الأخير، من واقع حكاياته هنه وكذلك مقالات، ومن بينها حكايته مع أديب نوبل العالمي، وقصة لجنة النشر للجامعيين التي ستيعرف فيها أيضا على أحد رفاق عمره، وهو الأديب الراحل على أحمد باكثير.
وعقب ذلك صدر له كتابه ” قضايا الفكر في الأدب المعاصر”، طبعة أولى، المكتب الفني للنشر 1959م، وقد أرسل لي نسخة من الكتاب في طبعته الثانية، وصدرت في لبنان عن دار الجديد عام 1994م.
وقال لي وقتها صراحة بأنها الاصدار الوحيد له المتاح عنده، كونه لم يكن يسعى لأن يؤرشف لديه أعماله، بل انه أشار إلى أن له الكثير من الترجمات التي بفعل الوضع آنذاك وعدم مقدرته في نسخ نسخة منها قبل ارساله للجهات المختلفة لم يكن يعرف مصيرها، ولأنه كان منشغل دوما بما هو جديد فلم يكن يلق بال لذلك، وفيما بعد أرسل لي جزء من مجلد وديع فلسطين وأعلام عصره (في جزأين)، وأهداني هجرة الأدباء الشوام إلى مصر.
وفيما يلي توضيح ببعض من أعماله المطبوعة، وبعضها لا يحكي عن ناشرها وربما لا يتذكر:
– ” فلسطين في ضوء الحق والعدل “، للمشرع الفلسطيني هنري كتن، ترجمة، 1970 طبعة أولى، مكتبة لبنان، وأعيدت طباعته مرات.
– تحقيق لديوان ” الانسان الجديد “، أحمد زكي أبو شادي.
– تحقيق لديوان ” النيروز الحر ” أحمد زكي أبوشادي، إضافة إلى ديوانين آخرين له.
– مراجعة لكتاب الإمام جعفر الصادق كما عرفه علماء الغرب، ترجمة نور الدين آل علي، في الكويت.
– أوليفروندل هولمز القاضي الشاعر الأمريكي، ترجمة، مكتبة الأنجلو، 1966.
– على درب الحرية، ترجمة ذاتية لمارتن لوثر كنج، مكتبة الوعي العربي 1965.
– استقاء الأنباء.. فن صناعة الخبر، ترجمة، دار المعارف 1960.
– العلاقات العامة فن، ترجمة، دار المعارف 1959
– ناجي.. حياته وأجمل أشعاره
– مي.. حياتها وصالونها الأدبي.
– طه حسين
– عبدالرحمن شكري والأربعة عن مكتبة الفيالة، لصاحبها ابن سلامة موسى.
– تطور صناعة الزيت في الشرق الأوسط، ترجمة، دار المعارف، 1957.
– مقدمة إلى وسائل الاتصال، ترجمة.
– جزيرة العرب في القرن العشرين، للشيخ حافظ وهبة، ترجمة إلى الانجليزية
– مختارات من أعلام الشعر المعاصر وكلام في الشعر، مركز الأهرام،
– وديع فلسطين وأعلام عصره في جزئين – من مقالات وديع فلسطين في الأدب والتراجم، مكتبة فهد الدبوس للتراث الأدبي – الكويت في جزأين 2012، 2013.
– هجرة الأدباء الشوام إلى مصر، دار نلسن، 2014
كما شارك في عدد من الموسوعات منها، الموسوعة العربية الميسرة، موسوعة الأقباط، وقد صدرت في 8 أجزاء عن جامعة يوتا الأمريكية، موسوعة أعلام مصر والعالم، موسوعة من تراث القبط، وهو من ستة أجزاء، راجعه لغويا وطباعيا.
تكريم بأستار الكعبة
و قد انتخب وديع فلسطين عضوا في مجمع اللغة العربية في سوريا في عام 1986، وفي مجمع اللغة العربية في الأردن عام 1988، إلا أنه لم ينل عضوية مجمع اللغة العربية المصري، حيث ترشح له مرارا على مدار عقود بدون جدوى، وهو الأمر الذي تسبب له في غصه كبيرة، كانت تبدو حينما يطرح الموضوع، حتى أنه كان إذا سئل عنه يقول لا أدري اسألوهم في مجمع اللغة العربية.
وقد سبق أن نال الأستاذ وديع فلسطين جائزة فاروق الأول للصحافة الشرقية في عام 1949، وكانت لها قيمتها الكبيرة آنذاك كونها الجائزة الأهم في الصحافة والتي تحمل اسم الملك، وهي عبارة عن خمسين جنيه، وشهادة، في وقت كان يعمل في الأهرام بمبلغ شهري 8 جنيهات، ووقتها قدم لهم التكريم مندوب الملك كريم ثابت باشا.

وإذا بحثنا سنجده أكبر وأقدم أعضاء نقابة الصحفيين، وأكبر وأقدم أعضاء اتحاد الكتاب أيضا، ويحزنه ويصرح عن ذلك في غير مرة لأن أي منهما لم يتذكره فيكرمه مرة ولو لأنه أقدم الأعضاء وأكبرهم سنا.

وقد كرم أيضا في عدد من العواصم العربية  فكرمته اثنينية عبدالمقصود خوجة في احتفال كبير يليق به، لازال يحكي عن أجواءه، كلما جاء الحديث عن تكريماته، وكان من بين الهدايا التي منحها في تكريم الاثنينية لوحة تكريمية كتب فيها اسمه بماء الذهب على قماش أسود مطرز فخم في هيئته، تقارب في طولها متر ونصف وضعها بعناية في بيته خلال الزيارة الوحيدة التي زرته فيها، وقال بشيء من السعادة، كان احتفاءً رائعا، وقالوا لي أن هذه اللوحة التكريمية مصنوعة من أستار الكعبة، والكتابة بماء الذهب الخالص، وهذا شيء فخم جدا.

وكذلك في التكريم الذي جرى له في لبنان مؤخرا، والذي جرى على هامشها ندوته التي تحدث بها عن الشوام  وهجراتهم إلى مصر والشخصيات التي رافقها عملا أو صداقه، ومعرفة.
أضاف لي مؤخرا أيضا شيء عن تكريم جرى له فقال”كرمتني نقابة الصحفيين بدرع، كما كرمتني الجامعة الأمريكية، بشهادة تكريم”.

«المقطم» أصل الأهرام.. ولسان حال الاحتلال البريطاني
انضم وديع فلسطين للعمل في جريدة المقطم في العام 1945، ليتدرج فيها ويصبح أحد كتابها النافذين، سألته عن علاقة المقطم بالاحتلال الإنجليزي والاتهامات التي وجهت لها، فقال غير مرة بأنها خدمت الكثير من القضايا الوطنية.. وخلال أحاديث متعددة عما قدمته الصحيفة في الإطار العربي قال بصورة واضحة، إنها قدمت العديد من الرؤى والأطروحات التي دعمت القضية الفلسطينية، ودعمت الدعوات نحو القومية العربية، وكانت داعمة لفكرة إنشاء الجامعة العربية التي كانت حلم العروبة الأهم في البدايات.
خلال أحاديثه لم يقل أن الصحيفة لم تكن لسان حال الاحتلال، ولم يرد على حالات الاتهام الكثيرة التي وجهت نحو الصحيفة، وهي أمور لا يمكن نفيها أو إقصاءها.
وقبل الحديث عن وديع فلسطين وقصته في عالم صحيفة المقطم، فإن هناك إطلالة لابد منها في تاريخ الصحيفة قبل وديع فلسطين، والتي تمتد لنحو 56 عاما.

في الرابع عشر من فبراير 1889م صدر في القاهرة العدد الأول من صحيفة المقطم، لأصحابها ” فارس نمر، ويعقوب صروف، وشاهين مكاريوس” وكان توصيفها كجريدة “يومية سياسية تجارية أدبية” .. جاء ذلك في وقت برزت فيه سياسة الاحتلال الإنجليزي في إغلاق الصحف الوطنية والتضييق على غيرها، وكانت من الصحف الرئيسة البارزة في ذلك الوقت الأهرام، التي تغير مسارها بعد معارضة الثورة العرابية وانتقاداتها التي وجهت لعرابي ولرفاقه إلى صحيفة وطنية تعارض الاحتلال الإنجليزي (1882- 1952) وتقف في مواجهته بكافة السبل.
وخرجت المقطم لتكون الناطق بلسان حال المحتل، والصحيفة التي يسعى بها الاحتلال للرد على “الأهرام” بل و محاربتها، وقد بدت المسألة واضحة حتى من التسمية وتفنيد أصحاب المقطم لها.
في كتابه “المقطم.. جريدة الاحتلال البريطاني في مصر” يقول دكتور تيسير أبو عرجة ” سعى المحتلون أيضا إلى اجتذاب عدد من الصحف نحوهم، ومنها، مرآة الشرق، الاتحاد المصري، البرهان والزمان التي عاودت صدورها بعد أن عطلها الاحتلال لفترة من الزمن، لكن هذه الصحف لم تكن بالقوة والتأثير الذي يتفق وحجم الأحداث السياسية التي رافقت الاحتلال، وأعماله ومعاركه المنتظرة ضد الحركة الوطنية، فلم تكن هذه الصحف احتلالية خالصة في ضلوعها مع الاحتلال، ووفق ما يرتئيه رجاله وعميده، في الوقت الذي اتخذت فيه (الأهرام) موقفا صلبا ضد الاحتلال، في الوقت الذي كان فيه الاحتلال بأمس الحاجة إلى تثبيت أقدامه في مصر في مواجهة السياسة الفرنسية والتركية.
من هنا كان اهتمام المحتلين بإيجاد صحيفة تنطق بلسانهم وتعادل الأهرام في قوتها وتأثيرها، وتقف في مواجهتها، فقد تعجب رجال الاحتلال أنفسهم من تقلب الأهرام وأذهلهم رجوعها إلى صفوف الوطنيين، فعملوا على إصدار جريدة المقطم ليحاربوا بها الأهرام”.
حكايات فلسطين المتقطعة عن المقطم تتمازج، فمرات يحكي عن تسمية المقطم، والتي حكاها مرارا فارس باشا نمر، ليقول بأن المقطم، ووفقا لرأي سائد وقتها هو الجبل الذي صنعت منه أحجار الأهرامات وبذلك يكون المقطم هو الأساس للأهرام، كإسقاط على جريدة الأهرام الرائدة آنذاك.
ويشير إلى أنها ـ ومنذ بدايتها ـ بعد مرور الأعداد الثلاث الأولي، بدأت في الانتظام في الصدور بصورة يومية، وكانت صحيفة مسائية، على عكس الصحف المسائية اليومية، تصدر في الثانية مساءً ليتلقفها الموظفين في مسار عودتهم إلى منازلهم بعد يوم عمل شاق.
وكانت من الحالات الوطنية التي تشير إلى عمالة المقطم وقتها للاحتلال الانجليزي، صحيفة ” المؤيد ” التي كانت بمثابة لسان حال الحركة الوطنية المصرية، والتي صدرت بعد شهرين من صدور المقطم، وكانت تصفها بأنها تقدم دفاعا مستميتا عن الاحتلال، وتتلقى دعما كبيرا من اللورد كرومر.
وخرجت المؤيد في الأول من ديسمبر 1889، لتكون اول جريدة يومية يصدرها مصري بعد الثورة العرابية.

64 عاما في «المقطم»
يحكي وديع فلسطين عن تاريخ المقطم معه في مقال له بعنوان “المقطم بين الجبل والجريدة” أن للمقطم تاريخا معه، بدأ في حديثه عن المقطم الجبل، وحكايات بين التسلق في المدرسة الثانوية، وأخرى في المرحلة الجامعية خلال دراسته بالجامعة الأمريكية، إلى أن يصل إلى جريدة المقطم، فيسرد الحكاية كاملة:
كنت على موعد جديد مع المقطم عندما تركت العمل في جريدة الأهرام التي عملت بها بعد تخرجي في قسم التوزيع بين عام 1942 و 1945، أي منذ 69 عاما، قبل أن يولد جميع العاملين حاليا في الجريدة، من صحفيين وموظفين وعمال، ثم التحقت بجريدة المقطم كواحد من محرريها.
وكان يؤرقني سؤال أحببت معرفة الإجابة عنه؛ ألا وهو: لم أختير جبل المقطم تحديدا ليكون اسما لهذه الجريدة؟ وهي جريدة يومية مسائية سيرتبط بها عملي المهني في المستقبل.
وتقدمت من الدكتور فارس نمر باشا، الباقي على قيد الحياة من مؤسسي الجريدة الثلاثة، أما زميلاه فقد توفيا، شاهين مكاريوس في 1910، والدكتور يعقوب صروف في 1927، في حين مد الله في عمر نمر باشا إلى سن الخامسة والتسعين حيث توفي في ديسمبر 1951، وعنَّ لي أن أسأل الدكتور نمر باشا عما أغراه في جبل المقطم، فاختاره مع زميليه اسما للجريدة.
فقال: عندما جئنا من بيروت إلى القاهرة في عام 1885 لكي نستأنف إصدار مجلة المقتطف الثقافية الشهرية، اشترينا مطبعة خاصة بالمجلة، واستخدمنا عمالا ومشرفين، ثم اكتشفنا أن المطبعة تنجز المقتطف في أسبوع، ثم تبقى خاملة بقية الشهر، بينما نتحمل خلاله أجرة العمال والمشرفين، عندئذ قررنا إصدار جريدة يومية مسائية حتى لا نكون في منافسة مع الأهرام الصباحية التي سبقتنا إلى الصدور بأربعة عشر عاما، واحترنا في اختيار اسم الجريدة، لكن طرأ علينا خاطران، أولهما أن صاحبيّ الأهرام ” سليم وبشارة تقلا ” لا يحملان أي درجات علمية، في حين أن الدكتور نمر باشا والدكتور يعقوب صروف كانا يحملان الدكتوراه من جامعة نيويورك، كما كانا أستاذين في الكلية السورية الانجيلية (وهو الاسم القديم لجامعة بيروت الأمريكية)، أي أن أصحاب المقطم على درجة علمية أكبر من صاحبيّ الأهرام، أما الخاطر الثاني فهو أن أهرام الجيزة بنيت من صخور اقتطعت من جبل المقطم، فأردنا أن نقول للناس إن جريدة الأهرام وإن سبقت للصدور فإن المقطم هو الأصل، فمن حجارته بُنيت الأهرام في الجيزة على أيدي الفراعنة.
وقد صدر العدد الأول من المقطم في عام 1889 واستمرت في الصدور إلى منتصف نوفمبر 1952، أي أنها عاشت 64 عاما، كانت خلالها الثانية بعد الأهرام من حيث العمر، ولا تقل عنها أهمية.

كريم ثابت باشا وعلاقته به
سألته خلال زيارة له في منزله عام 2014، عن كريم ثابت باشا، وكنت قد قرأت له مقالا قديما في مجلة الهلال حول رحلته إلى اليمن، ولفتت نظري كتابته عن رجل قيل أنه سبب نكبات مصر في المرحلة الأخيرة من عمر الملكية، فحكى لي حديثا طويلا عن هذا الرجل وثقافته الواسعة، وإصراره الكبير الذي عايشه بنفسه، وكيف أنه كان يغطي تكلفة سفرياته بنفسه إلى مناطق مختلفة، من أجل الوصول إلى موضوعات صحفية مختلفة.
كان حوارا مطولا لـ “وديع” خلال المقابلة، سجلته على جهازي ولم أتمكن من تفريغه، أو نقله إلى جهاز آخر، قبل أن تتم سرقته من قلب “جامعة الدول العربية” أثناء اجتماع لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، لا زلت أندم عليه خاصة أنه تحدث عن كثير من الأمور، وبتفصيل لم يجرِ من قبل.
غير أن ما أذكره بشدة من هذا الحديث، هو الهالة الكبيرة التي وضعها ” فلسطين” على “كريم ثابت” وعلى رؤيته وعقله الرصين الذي تعلم على يده الكثير والكثير، مؤكدا على أن أغلب ما قيل عنه هو بالفعل من قبيل الإساءة والتشويه للرجل، الذي ساعده عمله وحضوره لأن يكون مُقربا إلى درجة كبيرة من الملك.
ومن حكاياته عنه يقول فلسطين: “كانت له هواية أن يسافر على نفقته الخاصة، يقابل القادة والملوك، ويطلب صور معهم يوقعون عليها ، وربما هذا ما جعل الملك يلتفت إليه، فكان ينشر مقالاته في الهلال والمصور وحتى في اخبار اليوم، والحقيقة إن له تاريخ صحفي هام وكبير قبل أن يتوظف، هذا بالرغم أنه نشر في سلسلة اقرأ كتاب عن الملك فاروق، و هذا كله أهله ليختاره مستشارا له في الامور الصحفية”.
وعن آخر لقاء جمعه بكريم ثابت يقول كان في المقطم قبل ما يعتقلوه ويحاكموه، حتى جاءت جنازته وحكايتها الغريبة التي يرويها بالتفصيل فيقول:
عرفت خبر وفاته من الجريدة حيث قرأت في الوفيات كلمة موجزة وهي ( توفي أمس كريم ثابت… تشيع الجنازة الساعة … من كنسية قصر الدوبارة).. وقتها ومن النعي الغريب تأكدت أن المقصود هو كريم ثابت فعلا وفي الكنيسة جلس إلى جواري “طاهر الطناحي”، وكان أغرب ما جرى أن القس عندما تكلم عنه قال: “زولا على رغبة من لا أستطيع لرغبتهم ردا فلن أذكر الفقيد طوال الجنازة”، وظل طوال الوقت يقول الفقيد بدون ذكر اسمه.
وقتها قلت للطناحي لو كنت أكتب مقالات الآن لكتبت أن “ثورة عبد الناصر ترتعد فرائصها من جثة مسجاة في تابوت”.. ولم أكتب ذلك طبعا، وقد اضطهدوه حتى آخر لحظة حتى أن اسرته عندما أحبت تعمل اربعين له ذهبوا إلى كنيسة أخرى، وحتى يتخلصوا من أزمة ذكر اسم الراحل أتوا بصورة له مجلدة بالسواد حتى يعرف الناس أنهم جاءوا إلى هذا الشخص حتى لو لم يذكروا اسمه.