محمد عبد العزيز يكتب: لماذا حملة تشويه جمال عبد الناصر؟
لفتت نظري بالطبع الحملة المنظمة المستهدفة شخص الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وبغرض واضح للعيان، اغتيال الرجل معنويا بعد سنوات طويلة من محاولات اغتياليه فعليا، ولا أحد يريد أن إضفاء قداسة على أي شخص، فالتجارب البشرية جميعا يمكن التعلم منها ونقدها والاختلاف معها، لكنني وجدت من الأمانة توضيح كيف أن حملة التشويه المنظمة تلك ليست بريئة، وليست جديدة!
بدأت الحملة المنظمة لتشويه جمال عبدالناصر
ومحاولة اغتياله معنويًا منذ وفاته مباشرة، ولم تتوقف حتى هذه اللحظة، فليس صدفة ما
قاله السيناتور الأمريكي الشهير، جون ماكين، فى تصريحات صحفية فى أكتوبر ٢٠١٣م، حين
قال بوضوح: «لا نريد ناصر جديدًا فى مصر»، وقبلها فى سبتمبر من نفس العام نظم معهد
«ماكين» مؤتمرًا لدراسة التحولات السياسية فى مصر وأثرها على المصالح الاستراتيجية
الأمريكية، وخرج المؤتمر بخلاصة أنه يجب «ألا نسمح بظهور ناصر جديد فى مصر».
لاحظ معى المصطلحين «لا نريد» و«لن نسمح»
ومدى حدتهما وتدخلهما السافر فى الشأن المصرى. جمال عبدالناصر الرجل الذى فارق الحياة
فى سبتمبر ١٩٧٠م، ولا يزال خصومه حتى هذه اللحظة يخشون تجربته، ويقيمون المؤتمرات،
ويكتبون الدراسات، والهدف الاستراتيجى واحد، غير مسموح مهما كلف الأمر بظهور ناصر جديد
فى مصر، ألا يجعلنا ذلك نفكر قليلًا؟.
يقول الزعيم الهندى الشهير، جواهر لال نهرو،
عن المخابرات الأمريكية إنها «القوة الشريرة الملعونة فى زماننا المعاصر»، فقد اعتبرت
المخابرات الأمريكية كل زعماء التحرر الوطنى ضد الاستعمار أهدافًا يجب التخلص منهم،
سواء بالقتل والاغتيال، كما حدث مع لوموبا فى الكونغو، أو بمحاولة الاغتيال التى لم
تنجح، كما حدث مع فيدل كاسترو فى كوبا أو مكاريوس فى قبرص، كما حاولت الاغتيال المعنوى
بحملات التشويه لنكروما فى غانا، وشوين لاى فى الصين، فكيف إذن وجمال عبدالناصر قائد
كتلة عدم الانحياز، ألا تستمر المخابرات الأمريكية فى تشويه صورته حتى الآن؟!، فتقديرات
الموقف الأمريكية كلها تعتبر أن كل الخطر هو ظهور ناصر جديد فى مصر، وتعمل طيلة الوقت
على منع ذلك.
هل القصة تشويه فقط؟، فى الحقيقة لا، فتقدير
الموقف الصادر عن المخابرات الأمريكية برقم «٣٦/١/٥٥» وهو التقرير الصادر فى عصر عبدالناصر
نفسه وهو فى السلطة، ونشر بعد انقضاء سنوات سرية الوثائق حسب نظام المعلومات والوثائق
المعمول به أمريكيًا، بحث التقرير عن إمكانية الاستقرار فى مصر، وقياس تأثير هذه الاتجاهات
على «مصالح» الولايات المتحدة الأمريكية، وانتهى التقرير إلى أن النظام فى مصر سيبقى
ضد مصالح الولايات المتحدة ما لم يتم تغييره بأمر من اثنين «١- اغتيال جمال عبدالناصر..
٢- هزيمة كبرى من إسرائيل» والتقرير صادر فى عام ١٩٥٧م، أى قبل ١٠ سنوات بالكامل من
حرب يونيو ١٩٦٧م!. وفى سبعينيات القرن الماضى، أعلن جون ماركس، الدبلوماسى الأمريكى
الذى عمل فى سكرتارية اللجنة الخاصة للتنسيق المشترك بين وزارة الخارجية الأمريكية
ووكالة المخابرات، أن محاولة اغتيال ناصر كانت عملية تعمل عليها المخابرات الأمريكية
بعد اجتماع لمجلس الأمن القومى الأمريكى حضره جون فوستر دالاس، وزير الخارجية وأخوه
آلان دالاس رئيس المخابرات، وبعد عرض ما سمى «الأضرار التى تسببها سياسات جمال عبدالناصر
لمصالح الولايات المتحدة فى المنطقة» قال جون فوستر دالاس: «ألا تستطيع المخابرات تصفية
هذه المشكلة»، واعتبرت المخابرات الأمريكية كلام وزير الخارجية تكليفًا صريحًا باغتيال
جمال عبدالناصر، واستمرت فى المحاولة.
قد يردد البعض- بحسن نية- أكاذيب حملات التشويه المنظمة التى تمولها أجهزة مخابرات معادية لنظام جمال عبدالناصر، لأنه حسب تعبيراتهم «الرجل الذى هدد المصالح الأمريكية فى المنطقة»، لكننى كذلك أثق فى أن هناك من يردد تلك الأكاذيب عمدًا لمحاولة- فقط- نيل رضا السيد الأمريكى.