إيهاب عمر يكتب: الفلسفة اللاإنجابية.. لماذا علينا أن نقلق مما يجري في الصين؟
في الأسبوع الثاني من فبراير 2020، أعلنت الحكومة المصرية ارتفاع التعداد السكاني داخل مصر إلى 100 مليون نسمة، مع وجود أرقام رسمية تشير إلى وجود 15 مليون مواطن خارج الأراضي المصرية، فإن الإعلان الأخير يعني عملياً أن المصريين وصلوا إلى 115 مليون نسمة.
الأرقام
تشير إلى أن المصريين ينجبون 201 فرد كل ساعة زمن، وأن مصر زادت مليون نسمة في أقل
من سبعة شهور، علماً بأن مصر تحتل المركز الــ13 حول العالم في التعداد السكاني،
ما يجعل 1 من كل 70 شخصا في العالم مصري الجنسية، بحسبة بسيطة فإنه يوجد في كل
شارع رئيسي في العالم مواطن مصري واحد على الأقل.
تحتل
الصين صدارة هذا التصنيف، 1.5 مليار نسمة، مواطن من كل سبعة على مستوى العالم
ينتمي إلى الصين، حرفياً لا يوجد زقاق في العالم إلا وفيه مواطن من الصين.
هذه
الأيام يجتاح فيروس كورونا الأقاليم الصينية، وتصدح وكالات الأخبار عن أسباب هذا
الفيروس من وجبات لا ترتاح لها النفس المصرية، من خفافيش وحشرات وقطط وكلاب
وخنازير، هل تساءلت من قبل لما يأكل شعب الصين هذه المأكولات؟
في
الواقع أن تلك الوجبات ليست تراثاً ثقافياً في الصين، ولا تنتمي إلى أي خصوصية
ثقافية أو مجتمعة، لكن الحاصل أن المجاعات المختلفة التي ضربت الصين على مدار قرون
خصوصاً القرن العشرين وآخرها في سبعينات القرن المنصرم، جعلت الشعب الصيني يتجرأ
على التهام حيوانات لم يكن ليأكلها من أجل سد جوعه.
بل
وحتى اليوم فإن تلك الوجبات الشنيعة لا تتواجد إلا في جنوب الصين بكثافة لأنه كان
دائما معقل الفقر والمجاعات.
هل
الصين غير قادرة على توفير ثروة حيوانية كافية لسد احتياجات الشعب الصيني من
اللحوم البيضاء والحمراء؟
الصين
هي القوة الاقتصادية الأولى عالمياً بشكل أو بآخر، ومع ذلك عاجزة عن توفير اللحوم
بالشكل اللائق لشعوبها، ليس بسبب الفقر لكن الزيادة السكانية.
الزيادة
السكانية التهمت ثمار إصلاح ورحلة اقتصادية لدولة انتفضت من حظائر دول العالم
الثالث إلى أن أصبحت اليوم تناطح اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
في
هذا الإطار، سعت الصين منذ سنوات للجم الزيادة السكانية، عبر سياسة الطفل الواحد،
وعقب بضعة سنوات اكتشفوا أن ميلاد مئات الملايين من الأطفال دون شقيق واحد على
الأقل تسبب في مشاكل نفسية ومجتمعية جمة.
في
مصر، وفى كل مكان، المواصلات العامة، قاعات السينما، المولات، النوادي، اللقاءات
الأسرية والمهنية، تعج الشوارع بالأطفال أبناء ثقافة الزحام، مستوى تربية منخفض
وسمنة ملاحظة على الجميع.
مهما
حاولت الهروب من أي تجمع، سوف تجد جحافل الأطفال في كل مكان، بنفس معدلات التربية
المنخفضة.
وانزل إلى أحياء جاردن سيتي أو الزمالك عصراً، وانظر إلى جحافل الأطفال الذين يتدفقون من
بوابات المدارس كما الجحيم، متى أتى هؤلاء وماذا تتوقعون أن يجد هؤلاء حينما
يكبرون؟
نتيجة
الزيادة السكانية، فإن الشوارع التي بنيت من أجل استيعاب شعب تعداده مليونين لم
تعد قادرة على استيعاب أمة الـ115 مليون نسمة، كان منطقياً وبمنتهي العنف أن تسحق
عجلة التغيير تحت أقدامها الوجه العمراني التاريخي القديم لمحافظتي بورسعيد
والإسكندرية كاملة، ثم حي مصر الجديدة بلا هوادة، من أجل تخطيط جديد يراعي الزيادة
السكانية.
رغم
الأرقام القياسية للاقتصاد المصري عبر مشروع الإصلاح الاقتصادي في نسخته الجديدة
المعروفة شعبياً بتعويم الجنيه، لكن البعض يشتكي من عدم وصول ثمار الإصلاح إليه
بعد، ودعني أخبرك أنه بالأرقام التي نقرأها اليوم عن وصولنا إلى ربع مليار نسمة
بحلول منتصف القرن الحالي فأن أي تفاءل يتعلق بمشروع مصر 2030 لا اعتد به قط.
منذ
سنوات بدأت أؤمن بالفلسفة اللاإنجابية Antinatalism, or anti-natalism ، لم يكن في خاطري أي أرقام اقتصادية ولكن
جحافل الأطفال المقززة الموجودة في كل مكان في مصر، في العمل في السينما في
المولات في العائلة في الشوارع في المطارات في القطارات في كل مكان يمكن أن تطأه
قدامك هنالك ذلك الصراخ الأبله وتلك المحاولات الحمقاء لإسكات المخبول الصغير.
في
مجتمع مثل المجتمع المصري فإن الإنجاب جريمة حقيقة بحق الإنسانية لا تسقط
بالتقادم، وعلى ضوء طوابير الطلاق والخلع ندرك حقيقة أن الإنجاب السريع فور الزواج
كارثة حقيقة.
أغلب
الزيجات مستمرة اليوم بسبب الأطفال فحسب، دون ذلك يتمني كل طرف أن يحظى بحقه
الطبيعي والإنساني في بداية جديدة عقب تعقد العلاقة الحالية.
أغلب
المطلقين اليوم لا يستطيع أن يحصل على البداية السوية الحقيقة بعد تجربته الأولى
بسبب طوابير تلك الأطفال المتباكين الساخطون في كل ركن بالوطن.
كتبت
عام 2017 مقالا قدمت خلاله فكرة رفع الدعم عن الطفل الثالث في أي أسرة، عام 2018
تحولت الفكرة إلى مبادة اثنين كفاية الحكومية وفى يناير 2020 الحكومة تناقش التوسع
في تطبيق الفكرة.
سابقاً
أو لاحقاً سوف تطبق أفكاري الخاصة بـ"اثنين كفاية"، الطفل الثالث لن يحق
له تلقى دعم من عينة التعليم المجاني في المدرسة والجامعة، أو التموين.
تقوم
الفكرة اللا إنجابية على أن العالم اكتظ بالأطفال والغلمان بما يكفي، وأن دورنا
ليس إلا نصبح ماكينات إنجاب، أنتم تنجبون فور انتهاء الدراسة الجامعية، من أول
ليلة زواج جربوا أن تعطوا لأنفسكم مساحة خمس سنوات عقب الزواج وأخبرني هل ترغب
حقاً في الإنجاب وقتها من عدمه.
وتقديري
أن وصول المجتمع لهذه الفلسفة هو أمر واقع، حينما تصلون إلى ربع مليار نسمة بعد
عشرة سنوات ولا تجدون ما تأكلونه، ليس بسبب مجاعة أو فشل اقتصادي بل الاقتصاد سوف
يكون في ذروته، لكن مكتسباتنا الاقتصادية سوف تكون أقل مما تحتاجون، وقتها سوف
تدركون تلك الكارثة التي تحذر منها الدولة المصرية منذ عام 1985.
بالطبع
المورثات الدينية والمجتمعية تقف في وجه هذه الفلسفة في مصر، على اعتبار أن عدم الإنجاب
عورة وعيب يجب معالجته، ونقص يجب التستر عليه في بعض الأحيان، ولكن في واقع الأمر أن
هوس الارتباط وهستيريا الإنجاب وهذا الفشل التربوي وهذا المجتمع الذين تواصلون
حشوه بالأطفال ليل نهار هو ما يجب أن ينتهي ويتغير رأساً على عقب بكل أفكاره.