رفض اعتقاله وأمر بتعليمه مجاناً.. مواقف إنسانية لـ"النقراشي" مع قاتله الإخواني
28 ديسمبر.. كان يوماً شاهداً على دموية جماعة الإخوان الإرهابية، عندما اغتالت الجماعة محمود فهمي النقراشي باشا، رئيس وزراء مصر، عام 1948.
جاء حادث اغتيال "النقراشي" بعد أيام من قرار حل الجماعة في 8 ديسمبر من ذلك العام، على خلفية أعمال عنف قامت بها، وتورطها في حيازة مفرقعات بمقراتها المختلفة.
في كتاب "محمود فهمي النقراشي ودوره في السياسة المصرية وحل جماعة الإخوان المسلمين"، لمؤلفه د. سيد عبد الرازق يوسف عبد الله، يروي تفاصيل الحادث.
يقول المؤلف سارداً أحداث يوم الاغتيال: "في نحو الساعة التاسعة وعشر دقائق من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر 1948 استقل النقراشي كعادته سيارته من داره رقم 9 بشارع رمسيس بمصر الجديدة قاصداً مكتبه في وزارة الداخلية بالقاهرة، وركب إلى جواره في السيارة ياوره الخاص الصاغ عبد الحميد خيرت".
ويكمل: "في نحو العاشرة والدقيقة الخامسة وصلت السيارة إلى مبنى وزارة الداخلية، وبينما كان النقراشي يسير في فناء وزارة الداخلية إلى المصعد في طريقه إلى مكتبه، وقبل وصوله إلى المصعد بحوالي مترين، عرج الضابط والكونستابل المنتدبان من حرس الوزراء نحو السلم ليستقبلاه في الدور العلوي عند خروجه من المصعد".
في تلك اللحظة – كما يستكمل الكتاب - كان القاتل عبد المجيد أحمد حسن قد تحرك من مكانه ووقف على بعد خمسة أمتار وثمانية سنتيمترات من المصعد، وأخرج من جيب سترته اليمني مسدسه وأطلق منه ثلاثة مقذوفات نارية أصابت النقراشي في ظهره.
كان يقف على مقربة مما يحدث كل من اليوزباشي مصطفى علوان والصول محمد بهي شرف أفندي، واستطاعا القبض على القاتل عبد المجيد فوراً.
وبحسب نتيجة الكشف الطبي، ثبُت أن وفاة النقراشي كانت بسبب إصابته في الرئة اليسرى والكبد والأمعاء والأوعية الدموية الغليظة بالتجويف البطني مع نزيف دموي شديد بجلطة دموية والوفاة ناشئة عن الإصابات النارية السابق ذكرها وما صحبها من نزيف وصدمة عصبية.
في التحقيقات المبدئية للنيابة في نفس يوم الحادث، قال المتهم إن ما دفعه لاغتيال رئيس الوزراء "أنه اعتدى على الإسلام، وشرد الطلبة من الكليات وحل جماعة الإخوان المسلمين".
أضاف: "أنا رحت كلية الطب البيطري، فقالوا إنك مبعد لنشاط غير المرغوب مع أن الكلية لم تشترك في حوادث كلية الطب أو الجامعة".
يفند مؤلف الكتاب أقوال القاتل قائلاً: "ليس من الثابت أن النقراشي شرد الطلبة من الكليات في تلك الفترة، غير أن النقراشي كان يهتم دائماً بأبنائه الطلاب".
يستشهد على ذلك بواقعة قديمة مرتبطة بالقاتل نفسه، مؤكدات أن "اسمه كان في مقدمة قائمة تتضمن أسماء فريق من الطلاب الذي ترى الجهات المختصة أنهم يقومون بالأحداث الضارة بالأمن، وطلبت هذه الجهات إلى النقراشي أن يصدر أمر اعتقال عبد المجيد".
كان رد النقراشي هو الرفض، قائلاً: "إني لا أحب التوسع في اعتقال الطلاب، وأنني والد ولي أولاد، وأنا أقدر هذه الاعتقالات في أنفس الآباء والأمهات".
ويشير الكتاب إلى أن "والد القاتل موظف في البلديات ومات منذ خمس سنوات فقرر النقراشي بوصفه وزيراً للمالية تعليم عبد المجيد بالمجان في جميع مراحل التعليم".