السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

إيهاب عمر يكتب: أردوغان في ليبيا.. سنمار الربيع العربي يبحث عن مقبرة

الرئيس نيوز

أغلقت الحرب السورية أبوابها بوجه رجب طيب أردوغان، وتنظيم الإخوان في تركيا الذي يطلق عليه في دوائر الإسلام السياسي لقب العثمانيين الجدد، خسر أردوغان كافة رهاناته في سوريا، من تحويلها إلى ولاية تركية، أو جمهورية إخوانية، أو إمارة داعشية، وحتى أحلام السيطرة على شمال سوريا تبخرت على وقع تفاهمات ترامب وبوتين.
وأصبح على العثمانيين الجدد أن ينسحبوا من إدلب السورية أمام الجيوش السورية الإيرانية بغطاء روسي، لتصبح سوريا الغربية منطقة نفوذ روسية وسوريا الشرقية منطقة نفوذ أمريكي – أوروبي، ويخرج أردوغان من سوريا بجزاء سنمار، ذلك المهندس الذى بنى يوما قصرا شاهقا لحاكم مملكة الحيرة فإذا بالملك يلقيه من فوق القصر.
ونظراً لأن أردوغان قد فشل في سنوات بوش الابن في اقتحام الساحة العراقية أو اللبنانية وتحقيق توازن سني أمام النفوذ الإيراني الكاسح في كلا البلدين، فإن أردوغان يسعى إلى تعويض خسائره في سوريا عبر ملف ليبيا، ونقل آليات العثمانيين الجدد إلى ليبيا الغربية الواقعة تحت حكم كوكتيل إسلامي يتألف من تنظيم الإخوان سياسيا وأذرعه العسكرية التي تنتمي إلى القاعدة وداعش بشكل علني بعيداً عن نفي الإخوان لتعاونهم مع القاعدة أو داعش كما يجري في مصر.
ولكن خيارات أردوغان في ليبيا الغربية أو طرابلس وملحقاتها محدودة للغاية، عكس الحدود المشتركة المفتوحة مع سوريا أو حتى العراق، فالخارطة البحرية ما بين تركيا وليبيا مزدحمة اليوم بمحاور سياسية بين مصر واليونان وقبرص شرق المتوسط، وتنسيق مصري مع إسبانيا والبرتغال غرب المتوسط، ومنتدى غاز المتوسط يضم مصر واليونان وقبرص وفلسطين والأردن وإسرائيل وإيطاليا بمباركة أمريكية صريحة، إلى جانب تنسيق اليونان مع فرنسا.
يأتي أردوغان إلى ليبيا في الوقت الضائع، بلا خيارات عسكرية أو جيوعسكرية أو استراتيجية تذكر، حرب تحريك وجعجعة إعلامية وتصريحات عنترية على أمل أن يجد لتركيا مقعداً في مفاوضات الحل النهائي في ليبيا أو مؤتمر برلين المقبل، مثل كافة محاولاته الهزلية استفزاز اليونان أو قبرص في ملف الغاز على أمل أن يجد لتركيا موضع قدم في ترتيبات صناعة الغاز في الشرق الأوسط وحوض المتوسط.
يحاول أردوغان جاهداً نسيان حقيقة أنه وبينما تركيا غارقة في سهول الشام ووديان العراق وتمول الإرهاب في سيناء وتدشن قاعدة عسكرية هزلية في قطر بينما تشكيلات الحرس الثوري الإيراني تجوب شوارع الدوحة لتعلن عن المسيطر الحقيقي على تنظيم الحمدين، الجناح القطري لتنظيم الإخوان، وهو الجناح الحاكم داخل آل ثاني الأسرة الحاكمة في قطر، في تلك الأثناء كانت مصر تنتهي عملياً من ترتيب مسرح صناعة الغاز في البحر المتوسط وتتحول إلى مركز عالمي للطاقة وعلى أعتاب ثورة صناعية جديدة بفضل صناعة الغاز وعوائد تصدير الغاز للعالم أجمع.
حلم أردوغان بأن تصدر تركيا الغاز القطري إلى أوروبا عبر أنبوب يمر بسوريا لم يفلح، وحلم بالتعاون مع إسرائيل وتصدير الغاز الفلسطيني المنهوب لم يفلح، إذ كانت القاهرة أسبق من أنقرة في تنفيذ تعاون استراتيجي قطع الطريق أمام محاولة تركيا تخريب ثقل مصر في صناعة الغاز اليوم.
وفوق كل هذا، قام الرئيس السيسي بتطويق تركيا جيوسياسيا، عبر التواصل مع كافة دول الجوار التركي في البلقان وآسيا الوسطي وحتى أوروبا الشرقية بل وحتى القوقاز، من ألبانيا وصربيا ومقدونيا وأرمينيا وكرواتيا وبلغاريا والمجر والنمسا وغيرها.
في الواقع أن إرسال أردوغان لقوات عسكرية تركية مؤثرة إلى ليبيا الغربية يعد أمراً بالغ الصعوبة رغم محاولاته عبر حرب التحريك وحرب التصريحات العنترية وبث صوره الغاضبة دائماً وهو يتحدث للإيحاء بأن هنالك أمراً جلل يجري بينما في الواقع أن تركيا تخسر على طول الخط، تماماً مثل زيارته التلفزيونية إلى تونس الأربعاء 25 ديسمبر 2019 من أجل الإيحاء بأنه كسب مساحة سياسية ما، مع أن كل باحث سياسي في العالم يدرك أن قيس سعيد مجرد مندوب التنظيم الدولي للإخوان في تونس وأن تونس عملياً اليوم هي مفتاح شمال إفريقيا داخل التنظيم الإرهابي.
وبدلاً من أن يتفرغ البرلمان والرئيس الإخواني لإنقاذ تونس من عثرتها الاقتصادية وتجنب إشهار الإفلاس، فإن الرئيس الإخواني بأوامر من التنظيم الدولي للإخوان يغرس بتونس في بحر الرمال الليبي ويورط مقدرات الشعب التونسي في مغامرة إخوانية تركية جديدة في ليبيا بلا طائل على ضوء خسائر سنمار الربيع العربي في مصر وسوريا والعراق ولبنان واليمن.
والحقيقة أن مصر ذات الحدود البرية والبحرية المشتركة مع ليبيا قد نجحت في توفير غطاء جوي مع الجيش الوطني الليبي التابع للحكومة ومجلس النواب الشرعي في شرق ليبيا، وذلك عام 2017 ما أدى إلى تقدم الجيش الليبي وإسقاط مشروع داعش والإخوان في شرق وشمال ليبيا وتحرير الهلال النفطي من سيطرة قطر.
توافد على ليبيا عقب بدء الحرب عام 2011 مشروع قطر وسقط، مشروع حكم الإخوان وسقط، مشروع داعش وسقط، وعلى ما يبدو أن مقبرة مشاريع الإسلام السياسي تتأهب لاستقبال مشروع تركيا في ليبيا.
إن أقصى ما يمكن أن تفعله تركيا هو تهريب عناصر إرهابية عبر تونس إلى ليبيا، وللمفارقة فإن سنمار الربيع العربي هو من أشرف عام 2011 على نقل العناصر الإرهابية من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا، وتدريبهم في قواعد الناتو الأجنبية على الأراضي التركية من أجل صناعة تنظيمات الجيش السوري الحر وغيرها من تشكيلات ما يسمى بالثورة السورية، وفى نهاية المطاف فإن داعش بدأت تتطاول على الأراضي التركية نفسها منذ عام 2015، ليواصل سنمار الربيع العربي حصد جزائه على يد من قام ببنائهم وخدمتهم بدأب شديد.
وبدلاً من أن يتفرغ أردوغان في الباقة المتبقية من أيام حكمه للجم الفوضى السياسية وانهيار الليرة التركية وانخفاض السياحة وغيرها من معالم انهيار الدولة التركية منذ عام 2015، وأن يتفهم أن طموحاته الإقليمية قد دفنت في سوريا، فإنه يهرول إلى تونس بحثاً عن مقبرة لطموحاته وطموح الإسلاميين الأتراك والعثمانيين الجدد وتنظيم الإخوان في صحراء ليبيا.
وللمفارقة التاريخية فإن ليبيا كانت مقبرة الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى، والحاصل أن خسارة العثمانيين في الحرب العثمانية الإيطالية (1911 – 1912) في ليبيا وفشلهم في الدفاع عنها أمام الاستعمار الإيطالي بل وقامت البحرية الإيطالية بقصف إسطنبول من بحر إيجة ما جعل السلطان العثماني محمد الخامس يهرول لطلب الصلح مع ملك إيطاليا فيكتور إيمانويل الثالث بالفعل وقعت الدولة العثمانية اتفاقا مذلا مع المملكة الإيطالية في سويسرا تحت مسمى معاهدة أوشي حيث تعهد العثمانيون بالانسحاب من الولايات الليبية والاعتراف بتبعية ليبيا إلى إيطاليا!
كانت تلك الهزيمة المدوية في ليبيا مقبرة للعثمانيين ومن أهم إرهاصات وفاة وتفكيك الدولة العثمانية أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، وعلى ما يبدو أن سنمار الربيع العربي أثناء بحثه عن مقبرته الخاصة لم يجد أفضل من ليبيا مقبرة العثمانيين في القرن العشرين ليبدأ إجراءات دفن مشروعه ومشروع الإخوان والعثمانيين الجدد في طرابلس كما جرى مع محمد الخامس منذ 108 أعوام.