الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

سعد كامل.. حكاية "مريض نفسي" أنقذه أحمد عكاشة ليؤسس قصور الثقافة

الرئيس نيوز

- كان متهمًا مع السادات باغتيال أمين عثمان.. وفكر في عرض مسرحي داخل معتقل الواحات

أول مدير لـ"الثقافة الجماهيرية" 1966.. واقترح مشاهدة العمال لعروض فرقة "البولشوي" الروسية

سعد كامل.. اسم مجهول في تاريخ الثقافة المصرية، فماذا لو عرفنا أنه المهندس الفعلي لمشروع قصور الثقافة بشكلها الحالي، فهو المثقف والسجين و"المريض النفسي" الذي خرج من المعتقل ليؤسس مشروع "الثقافة الجماهيرية"، اللبنة الأساسية لقصور الثقافة.

ارتبطت حياة سعد كامل، بأسماء العديد من الشخصيات العامة في مصر سواء وضعهم القدر أمامه في دائرة العائلة أو الدراسة أو حتى السجن، فخاله هو فتحي رضوان، أول وزير للإرشاد القومي (الثقافة والإعلام) بعد ثورة يوليو، ومدرس الرسم له كان الفنان الكبير صلاح طاهر، وأحد "معالجيه" في المستشفى النفسي التي ذهب إليها وهو في المعتقل كان الدكتور أحمد عكاشة، الطبيب النفسي الشهير حاليا.

من هو سعد كامل؟

سنعتمد في معلوماتنا خلال السطور التالية على ما كتبه شقيقه عز الدين كامل في كتاب "سعد كامل.. الثقافة الجماهيرية"، والذي صدر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2010، وأورده الكاتب إيهاب شام في كتابه "الجمهورية الغائية.. التاريخ الحي للثقافة الجماهيرية".

وُلد سعد كامل في نوفمبر 1923 بحي السيدة زينب بالقاهرة، لأب كان مدرسا للغة الإنجليزية، وأم ورث عنها حب الفن والأدب والسياسة.

في العائلة، وجد "سعد" شقيق والدته "خاله" المحامي والمناضل السياسي فتحي رضوان، الذي كان مدخله لعالم السياسي، وفي الفيوم، عندما انتقل والده للعمل بها، تلقى سعد كامل تعليمه الابتدائي، وهناك درّس له مادة الرسم الفنان صلاح طاهر، الذي أثر فيه من ناحية الذوق الفني، وهو ما استفاد منه "سعد" فيما بعد.

تخرج "كامل" في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1945، وسريعًا عمل محاميًا تحت التمرين بالطبع في مكتب خاله فتحي رضوان، لكنه سرعان ما ألقي القبض عليه بتهمة الاشتراك في حادث اغتيال أمين عثمان، القضية التي كان متهما فيها الرئيس الراحل أنور السادات.

بعد براءته في القضية بسنوات، سافر سعد كامل إلى بولندا عام 1951 على نفقته الخاصة لحضور مؤتمر حضره 82 وفدا من أنصار السلام الذي ضم صفوة مفكري العالم.

بعد أن عاد "كامل" إلى مصر لاحظ البوليس السياسي نشاطه في حركات السلام والأحزاب، فجرى اعتقاله بتهمة حريق القاهرة عام 1952 قبل الثورة بأشهر، إذ تم الاشتباه في مسئولية الحزب الذي ينتمي إليه عن الحريق، وسرعان ما أُفرج عنه بعد الثورة.

في عام 1953 أخذ "كامل" منحى آخر في أنشطته، وإن لم يكن بعيدا عن معتقداته، فسافر إلى مهرجان الشباب العالمي في رومانيا، بعد أن ألّف وفدا من الشباب المصري في ثلاثة تخصصات فنية استعراضية بقيادة الفنانة تحية كاريوكا.

بعد عودته ألقت السلطات القبض عليه من جديد، لكن في ظل نظام آخر، وذلك في نوفمبر 1953 ودخل السجن ضمن حملة المعتقلين الشيوعيين في تلك الفترة وأودع سجن الواحات.

وظل يٌفرج عنه ثم يُعتقل في السنوات التي تلت ذلك حتى عام 1959، "لدرجة أنه تأقلم على الوضع وفكر في عمل فرقة مسرحية مع زملائه في السجن، وتم بناء مسرح خشبي بالحجارة وبالجهود الذاتية".

في تلك الفترة، كان خاله فتحي رضوان أصبح وزيرا للإرشاد القومي (الثقافة والإعلام) آنذاك، فطلب من زكريا محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة، التوسط عند الرئيس جمال عبدالناصر، لنقل "سعد" إلى أحد سجون القاهرة لأنه مريض، وبالفعل نُقل لمدة 6 أشهر إلى "ليمان طرة" ثم عاد إلى "الواحات".

توسط له "الخال الوزير" مرة ثانية بسبب الاشباه في إصابته بمرض نفسي فعاد إلى القاهرة، وتم إيداعه تحت الحراسة في مستشفى "أحمد ماهر".

كان "كامل" يجذب انتباه الأطباء بأفكاره عن الثقافة التي لا بد أن تصل إلى العمال والفلاحين والفقراء، فيتجمعون حوله ليستمعوا إلى ما يقول.

بعد ذلك نُقل إلى مستشفى عين شمس الجامعي، وهناك تعاطف معه الأطباء أيضا، وكان من بينهم طبيب شاب اسمه الدكتور أحمد عكاشة، هو شقيق الدكتور ثورت عكاشة، أحد الضباط الأحرار، الذي كان وزيرا للثقافة.

لعب أحمد عكاشة دور المنقذ في حياة سعد كامل حتى وإن لم يكن يقصد، إذ حكى لعائلته قصة "هذا السجين العبقري"، وكان الشقيق الأكبر "ثروت" يستمع، فقصّ على الرئيس "عبدالناصر" حكاية "سعد" واستأذنه في الإفراج عنه، وهو ما حدث.

عيّن ثروت عكاشة سريعا "سعد" في وزارة الثقافة، فبدأ مشروعه في التوعية الجماهيرية، وبدأ من قرية "زنين" بالجيزة.

في جزء من تلك الفترة، التي تضمنت خطة خمسية ثقافية من 1960 إلى 1965، وضع سعد كامل برنامجا لبناء قصور ثقافة على مستوى محافظات مصر بحيث يكون هناك قصر في عاصمة كل محافظة، ليكون هو صاحب هذه الفكرة.

لم يسعف الوقت "كامل"، إذ خرج ثورت عكاشة من وزارة الثقافة عام 1962، فأطيح بـ"سعد" من الوزارة ونُقل للعمل بجريدة أخبار اليوم، ولكن بعد أربع سنوات استعان "عبد الناصر" بـ"عكاشة" مجددا وزيرا للثقافة عام 1966.

هنا كان على سعد كامل أن يستعد ليرى مشروعه متحققا، ففي 11 نوفمبر 1966 أصدر "عكاشة" قرارا وزاريا بإنشاء الإدارة العامة للثقافة الجماهيرية، وعيّن "كامل" مديرا عاما لها.

في ذلك الوقت، تأسست فرق مسرحية وغنائية وتم إنشاء مكتبات في قصور الثقافة، بل إن سعد كامل أقام حفلات خاصة بالأوبرا للمثقفين من العمال وساكني المحافظات للارتقاء بالذوق الفني للمجتمع المصري، وكان شيئا فريدا أن تسمع فكرة أن يشاهد العمال عرض باليه لفرقة "البولشوي" الروسية الشهيرة".