ميركل.. البطة العرجاء في 2019: الأزمة الألمانية تدخل حقبة الحركة البطيئة
ربما يكون نوربرت والتر بورجانز وساسكيا إيسكين، الزعيمين الجديدين لحزب الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا، على وشك أن يقدما خدماتهما إلى ألمانيا، بل وإلى أوروبا. هذا ليس بفضل أي صفات متأصلة لديهم؛ فكلاهما يساري ويشبهان بشكل ما جيريمي كوربين في بريطانيا، رغم أنها ليس متهورين كنهج حزب العمال، فبدلاً من ذلك لا يرغبان في إخراج حزبهما من ائتلافه مع كتلة يمين الوسط التي تتزعمها المستشارة أنجيلا ميركل، وهو احتمال أثار أزمة حكومية كاملة، ولكن وكالة بلومبيرج الأمريكية، رجحت أي شيء يحرك المياه الراكدة في ألمانيا من شأنه يقدم بصيص أمل.
كانت الحكومة الحالية لأكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي متواضعة بشكل لا يُطاق، وهي في حاجة ماسة إلى التغيير. وأي من التحديات الكبرى التي تواجه أوروبا اليوم تقريبًا، سوف تتطلب قدرًا لا بأس به من المرونة والاتساق والقدرة على الفعل من قبل القيادة الألمانية أمر بالغ الضرورة، وتلك المرونة والاتساق والقدرة عوامل غائبة على مدار العام 2019.
تعد منطقة اليورو عرضةً لخطر الركود، وألمانيا هي الاقتصاد الذي يمكن أن يساعد أكثر من غيرها، مع حافز مالي كبير، بدلاً من ذلك تتمسك بإصرار بصنم الميزانيات المتوازنة وتنقصها الجرأة في إحداث تغييرات جذرية. كما أن اتحاد العملات معرض لأزمة أخرى تهدد اليورو ما لم يتم تعزيزه من خلال اتحاد مصرفي متكامل، بما في ذلك نظام تأمين ودائع مشترك لمقرضي المنطقة. لكن ألمانيا في 2019 تتجاهل التحدث عن أي شيء جوهري.
في زمن الاضطرابات الجيوسياسية، يجب على أوروبا أيضاً إعادة التفكير في استعدادها العسكري وتحالفاتها. ومع ذلك، تواصل برلين تحدي نداءات حلفائها في حلف الناتو بإنفاق المزيد على جيشها، الذي لم يعد مستعدًا للمساعدة في حماية أوروبا الشرقية ضد روسيا، إذا وصل الأمر إلى ذلك.
لقد حاولت الحكومة صياغة خطة للتصدي لتغير المناخ مؤخرًا، وهو ما يفوق ما تقوله معظم الدول الغربية. لكن المساهمة الألمانية التي وعدت بها برلين تشق طريقها بصعوبة خلال النظام التشريعي الصارم.
لكن سجل السياسة الداخلية لإدارة ميركل يعد الأسوأ في 2019؛ فقد حدث آخر إصلاح اقتصادي كبير في ألمانيا في عهد سلفها المستشار السابق جيرهارد شرودر، وعلى مدار 14 عاماً من حكمها، لم تحاول أو تجرب أي إصلاح جديد أو جريء على نطاق كبير، لقد تأخر الإصلاح الضريبي لفترة طويلة، خاصة أن البلدان الأخرى خفضت معدلات ضرائب الشركات.
ثم هناك قانون الهجرة، والذي سيستفيد من نهج قائم على النقاط مثل كندا للتخفيف من نقص العمالة الماهرة في ألمانيا. لكن خزائن ميركل، التي شملت ثلاث منها الحزب الديمقراطي الاشتراكي، كانت مجرد عبث وكان كل ما قيل عن التحديث الرقمي الذي يتسم به الاقتصاد الألماني كلام بلا إجراءات فعلية. وأفضل ما يمكن قوله عن الائتلاف الحالي هو أنه نجا من أزمة اللاجئين في الفترة 2015-2016 واستعاد الاستقرار في وقت لاحق.
أوقفت معظم المشروعات التي تمت الموافقة عليها عندما جدد أطراف الائتلاف الحاكم على مضض شراكتهم الحاكمة في أوائل عام 2018. لكن هذه كانت قائمة مخيبة للآمال وقّع عليها شركاء الائتلاف الذين يبغضون بعضهم بعضاً بشكل علني.
النتيجة هي أن ميركل، التي جعلت من نفسها بطة عرجاء بإعلانها عدم ترشيح نفسها مرة أخرى، فقدت دورها القيادي، وبذلك فقدت ألمانيا رادتها، ولو جزئيًا، وقد ترك ذلك فراغًا في قلب أوروبا، وهو ما يحاول رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون ملئه. لقد كان يطرح الأسئلة الكبيرة حول مستقبل الاتحاد الأوروبي، ويتوقع الدعم، أو على الأقل من الرد المتجاوب من قبل ألمانيا. ولكن الصمت في برلين كان يصم الآذان.
في خيبة أمل، بدأ ماكرون تحمل مخاطر أكبر من أي وقت مضى، بما في ذلك التفكير في التحالفات العسكرية الأوروبية الجديدة، والعلاقة الجديدة مع روسيا، والتصميم الاقتصادي الجديد لمنطقة اليورو، ووقف توسيع الاتحاد الأوروبي. الألمان لا يعرفون ماذا يقولون وكيف يردون أو يتجاوبون مع مثل هذه المغامرات. بسبب الاشتباه في أجندة ديجولية جديدة خفية، وخشية استيلاء فرنسا على زمام الأمور في أوروبا الغربية، اتخذت ألمانيا موقفًا حذرًا تجاه ماكرون، وربنا تتحول في 2020 إلى إفساد خطط الرئيس الفرنسي.
ويرى "أندرياس كلوث" محلل بلومبيرج أن برلين تكره الأزمات السياسية، وأن كبوتها ستأتي من حيث تكره، وهي كراهية يأتي من خوف ثقافي من "عدم الاستقرار" الذي يعود إلى جمهورية فايمار الفوضوية (أو بالأحرى، ما حدث بعد فشلها). لكن هذه المخاوف مبالغ فيها.
بالنظر في السيناريوهات الرئيسية. أولاً، يتعين على الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن يقرر ما يجب فعله حيال الائتلاف. سوف يطلبون بلا شك اتجاهًا جديدًا من ميركل، بما في ذلك زيادة الحد الأدنى للأجور وغيرها من المطالبات اليسارية. لن يكون أمام المحافظين (الذين يكافحون في صناديق الاقتراع) خيار سوى الوقوف بحزم وقول لا.
قد يحاول الحزب الديمقراطي الاشتراكي الانسحاب من الحكومة. ربما تطلب ميركل في هذه الحالة تصويت الثقة في البرلمان. في ألمانيا، لا يمكن التصويت على المستشار إلا إذا انتخب البرلمان في وقت واحد آخر جديد. لذلك فإن ميركل أو الخلف سيكون لهما فرصة جيدة للبقاء في السلطة كحكومة أقلية. هذه الفكرة هي لعنة على الألمان (فايمار، مرة أخرى)، لكن الدنمارك المجاورة ودول أخرى تثبت أن حكومة الأقلية يمكنها أن تعمل. سيتعين على ميركل أو خليفتها أن تسعى للحصول على دعم كل قضية على حدة من حزب الخضر أو الديمقراطيين الأحرار المؤيدين للأعمال. سيتطلب ذلك على الأقل نقاشًا مفتوحًا، والذي سيكون بمثابة نعمة للديمقراطية الألمانية بعد سنوات من الجمود البرلماني.
إذا فشلت حكومة الأقلية، فإن الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير سيدعو إلى انتخابات جديدة.