محمد فؤاد يكتب: "الطناش" أسلوب حياة
العلاقة بين المسئولين والشعب قائمة في جزء كبير منها على الاستماع إلى أوجاعه وشكواه وبحث حلها سريعا، إلا أن المتابع للمشهد في الفترة الأخيرة، يجد أن فكرة "الطناش"، تسربت بشكل ما إلى أجهزة الدولة، حتى أصبحت فلسفة أصلية في تعاملاتها.
هذا الطناش يمكن تفهمه إذا كنّا على اقتناع بأن هؤلاء الأشخاص الذين يديرون الدولة ومؤسساتها، هم الأدرى بمصالح الشعب وتطلعاته، واستطاعوا إثبات ذلك بوقائع تجعل الشعب على قناعة تامة بذلك، إلا أن الواقع الفعلي يؤكد أن أولويات النخبة الإدارية، ليست بالضرورة هي أولويات الشعب.
والأخطر من ذلك ممارسة الحكومة هذه الفلسفة في تعاملاتها مع مجلس النواب، فهي ترد على ما تريد الرد عليه وتتجاهل ما لا ترغب، وتنفذ التوصيات التي تريد تنفيذها وتطنش خلاف ذلك، وتستجيب لمطالب النواب الخدمية حينما تتوافق مع خطتها أما ما دون ذلك مصيره "الزبالة" كما تحدث وزير الإدارة المحلية الأسبق أبو بكر الجندي.
أزمة الجندي وقتها — والتي كانت سببا مباشرا في تركه الوزارة — أنه صرح بذلك علنا، رغم أن الجميع يعلم أن ذلك يحدث في جميع الوزارات دون استثناء، ودون مبررات قد يمكن تفهمها من قبل النواب الذين نقلوا مطالب الأهالي.
أعلم أن مجلس النواب ودوره الدستوري يؤهله إلى اتخاذ موقف حاسم من ذلك، إلا أنه مع كل محاولة من قبل المجلس وتهديدات رئيسه الدكتور علي عبد العال، بشأن حضور الوزراء والاستجابة لمطالب النواب والرد عليهم، تقابلها الحكومة بالطناش فقط.
فنسبة الرد من قبل الحكومة، على طلبات الإحاطة
والأسئلة والبيانات وغيرها من الأدوات الرقابية التي يتيحها القانون والدستور
لنواب البرلمان، لا تجاوز 30% فقط مما يتم تقديمه، كما هو الحال مع مشروعات
القوانين المقدمة من الزملاء النواب وكذلك الاقتراحات التي تم مناقشتها في اللجان
المعنية وتم الموافقة عليها وإحالتها للوزارة المعنية لتنفيذها.
الأمر الواضح تماما هو الموقف من الاستجوابات المقدمة، والتي تتضمن قضايا جوهرية في استراتيجية عملها، قد ترقى إلى درجة سحب الثقة من الوزير المختص إن ثبتت، حيث أن لا البرلمان يدرجها للمناقشة، ولا تحاول الحكومة الرد.
وفي هذه الإشكالية، يتحمل المجلس مسئولية كبيرة بالتفريط في حقه الدستوري والقانوني في مسائلة الحكومة واستجوابها، خاصة وأن العديد من الاستجوابات المقدمة من النواب تتضمن موضوعات جوهرية لا بد من مناقشتها.
وعلى المستوى الشخصي، تقدمت بخمسة استجوابات، لرئيس الوزراء بخصوص ضعف ردود الحكومة، ولوزيرة التضامن بشأن قانون ذوي الإعاقة وعدم تفعيله، وآخر موجه لوزير الشباب والرياضة بخصوص فساد اتحادات اللجنة الأوليمبية، ثم لوزير الإسكان بشأن البنية التحتية وعطش محافظة الجيزة، وأخيرا لوزير التعليم بشأن تكليف الدولة مليارات في خطة التطوير دون نجاحها.
بل أن هناك ملفات بعينها عليها العديد من علامات الاستفهام وشبهات الفساد لا يتم الرد عليها من قريب أو بعيد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مخالفات اللجنة الأولمبية وأزمات الصناديق الخاصة والمعينين عليها، وعلاوات أصحاب المعاش وغير ذلك الكثير.
أصبح الطناش منظومة متكاملة حتى وصل إلى الأجهزة الرقابية التي لا تدلي بدلوها في أمور انتشرت بشكل كبير وتناقلت على ألسن المواطنين ونواب البرلمان ووصلت إلى الصحف ووسائل الإعلام المحلية والدولية.
واحقاقا للحق، فهناك نوع من الحرية مكفولة للجميع في الحديث وإثارة قضايا شائكة ومنافذ للتعبير عنها وإن كانت ضيقة، إلا أن مسألة الرد عليها ومناقشتها ليس في حسبان الحكومة.. وبأسلوب الراحل خالد صالح في فيلم عمارة يعقوبيان: "تتكلم براحتك إنما نرد على كلامك و نعمل بيه إيه فدي بتاعتنا احنا".
هذا الأمر تفسير مشوه للحرية وسقفها، حيث أنها ليست فقط قائمة على حرية التعبير والرأي ولكنها تمتد إلى ضرورة الرد، فلسنا في مكلمة حتى نصدر فكرة الحرية وانطباع المعارضة، بل أنه تجاوز واضح للحقوق والقواعد، وله تبعات خطيرة تزيد الانفصال عن الشارع بل تزيد المهتم بالشأن العام عزوفا عن المشاركة.