"هل ستضعون صورتي على الجنيه".. هكذا خدع "سالم الهرش" إسرائيل في قلب سيناء
كرّمت الحكومة المصرية، اليوم، ممثلة في وزارة الشباب والرياضة، اسم سالم الهرش، شيخ مشايخ سيناء في الستينيات، بإطلاق اسمه على مركز شباب "رابعة" بمحافظة شمال سيناء.
وسالم الهرش كان زعيم قبيلة البياضة، وأدى
خدمات جليلة للجيش المصري في حروب 1956 و1967 والاستنزاف، كما ساهم في دعم تنظيم
"سيناء العربية" الذي كان يقاتل إسرائيل بتدريب القوات المسلحة، ومنحه
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر نوط الامتياز من الدرجة الأولى.
ويعد الموقف الأشهر في تاريخ الرجل السيناوي
الراحل هو كلمته التاريخية في مؤتمر "الحسنة" بوسط سيناء عام 1968،
عندما رفض تدويل شبه الجزيرة معلنا أمام موشي ديان، وزير الدفاع لجيش الاحتلال
الإسرائيلي، أنها أرض مصرية إلى الأبد.
في السطور التالية نتعرف أكثر على تفاصيل موقف
"الهرش" من واقع الكتب التي تناولت الدور الوطني لقبائل سيناء بالتعاون
مع المخابرات المصرية:
في كتاب "الصفعة.. رواية من ملف المخابرات
العامة"، لعادل شاهين، يحكي بداية القصة، عندما قدم جهاز المخابرات العسكرية
الإسرائيلي "أمان" تقريرا سريا لموشي ديان تقريرا سريا بأن عناصر الجهاز
اتفقت مع رؤساء ومشايخ العشائر والقبائل والعوائل في سيناء على التجمع في منطقة
الحسنة في القطاع الأوسط من سيناء في شكل مؤتمر شعبي حاشد تدعى إليه وسائل الإعلام
العالمية والمحلية لتسجيل وقائع هذا المؤتمر.
كان الاتفاق على "أن يقوم مشايخ القبائل
الواحد تلو الآخر بالخطابة في الجموع المحتشدة من البدو ووسائل الإعلام مبررا
وموضحا أن شبه جزيرة سيناء منطقة غنية بكل عناصر ومقومات الحياة، فيمكن الزراعة في
الكثير من مناطقها من خلال الآبار، كما يمكن إقامة مجتمعات عصرية فيها، وكذا إقامة
مناطق صناعية لاستغلال ما بها من معادن وموارد أخرى، هذا بالإضافة إلى غنى هذه
المنطقة بالبترول". إلى أن ينتهي بإعلان المشايخ أنه آن
الأوان لتستقل سيناء عن مصر، على أن يكون الحكم لأهل سيناء، بحسب الخطة
الإسرائيلية.
وبعد خمسين عاما، خرجت حفيدة سلوى الهرش،
بتصريحات خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة في 28، أبريل 2018، نتوقف هنا ونذهب إلى شهادة حفيدته سلوى الهرش،
في كلمة إذ تقول أن جدها ذهب إلى رجال المخابرات الحربية آنذاك وأعلمهم بما عرضته
إسرائيل عليه، فقالوا له "جاريهم يا شيخ سالم.. اقبل".
كانت خطة المخابرات والشيخ سالم هي فضح وإحراج
إسرائيل أمام العالم، إذ أن الاحتلال رتب لتصوير المؤتمر المنتظر وأحضر مخرجا
إيطاليا محترفا، بغرض نقل كل ما سيحدث وإظهار القيادة المصرية في موقف الضعف وعدم
السيطرة على حدودها.
وهنا نذهب إلى كتاب "قبيلة التياها..
حضارة وتاريخ"، لأحمد محمد أبو نشار، والذي يمر على ما حدث في مؤتمر الحسنة
ويحكيه بالتفصيل.
يقول إن شيوخ سيناء أنابوا الشيخ سالم الهرش
عنه، لكنهم كانوا قد اختاروه بالفعل قبل المؤتمر المنظم في 26 أكتوبر 1968، كان كل
شيء معروفا للشيخ سالم الهرش وباقي شيوخ سيناء، إلا الإسرائيليين الذين كانوا
يعيشون في الوهم، حيث تظاهر الشيوخ باختياره أمام الإسرائيليين.
ويصف المؤلف الشيخ سالم الهرش قائلا: "كان
بليغا ويتمتع بطلاقة لسان وصوت جهوري متميز فقام بالتقدم إلى الميكروفون بخطى
ثابتة، ثم وقف في شموخ وكبرياء".
قدم شيخ مشايخ سيناء نفسه قائلا "أنا
الشيخ سالم علي الهرش، وأنا مفوض من زملائي بالتحدث إنابة عنهم، ثم أشار إليهم
قائلا: "هل توافقون؟! فصدرت من الجميع صيحة عالية: موافقون.. موافقون، ثم عاد
ليسألهم: غير الموافق يرفع يده، قلم يرفع أحد يده.
كان كل هذا جزء من الخطة لخداع الإسرائيليين،
وكأن ما يفعله ويقوله سالم الهرش وليد اللحظة وليس مرتبا من قبل.
ويتابع: "بدأ يتحدث عن أمجاد القبائل، كما
أخذ يسرد تاريخ كل قبيلة من قبائل سيناء بدءًا من الشمال والوسط والجنوب، وبدت
علامات القلق على القادة والضباط والجنود الإسرائيليين، واستغرق الشيخ في حديثه عن
القبائل وقتا طويلا، وهو يداور في كلامه بطريقة توحي بأنه يمهد لإعلان موافقتهم
على ما جاء بالوثيقة".
ثم دخل في صلب الموضوع قائلا بسخرية:
"أنتم تريدون سيناء دولية، يعني أنا الآن لو أعلنت سيناء كدولة ستضعون صورتي
على الجنيه السيناوي، فأجاب ديان بابتسامة مهللة وكأنه يقول بالطبع".
جاءت لحظة الصدمة إذن، إذ بدأت نبرات الشيخ
سالم تعلو ثم صاح بصوت جهوري: "إنني أشهد الله، وأشهد هذه الأرض المباركة
بأننا أبناء سيناء جميعا نرفض التدويل، كما أننا نرفض الاحتلال الإسرائيلي، وإن
إسرائيل ما هي إلا دولة احتلال وعدوان، وأن سيناء أرض مصرية منذ آلاف السنين،
وستظل مصرية إلى الأبد".
بدا الإسرائيليون في ذهول، كيف أحرجهم هذا
الشيخ السيناوي وخدعهم؟!
أكمل سالم الهرش حديثه في ثبات: "إننا
مواطنون مصريون نؤمن بوطنيتنا وقيادتنا في مصر ولن نفرص في أرضنا مهما كان الثمن،
أما مصلحتنا ومستقبلنا فنحن أدرى بهما وهما في أيدّ أمينة، نتولى أمرنا ولا يمكن
أن تكون هناك قوة شرعية غريها، ونحن هنا تحت أسر الاحتلال".
ثم ختم في إشارة إلى تبعيته وتبعية سيناء إلى
الوطن كله قائلا: "نحن جزء من كل هو الجمهورية العربية المتحدة وقائدنا
ورئيسنا هو الرئيس جمال عبد الناصر".
بعد انتهاء المؤتمر كان على المخابرات تنفيذ باقي الخطة، إذ هرّبت الشيخ سالم الهرش عبر العقبة إلى الأردن، وبعد ذلك استقبله الرئيس جمال عبدالناصر وأهداه نوط الامتياز من الدرجة الأولى.