الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

محمد عبدالعزيز يكتب: وصفة السيناتور مكارثي!

الرئيس نيوز


 

كان العام 1950 ميلادية عام انتشار وباء «المكارثية»، حين ألقى السيناتور الأمريكي جوزيف مكارثي، عضو مجلس الشيوخ عن "الحزب الجمهوري" كلمة أمام إحدى المنظمات النسائية، مؤكدًا أن لديه قائمة تضم أكثر من 200 أمريكي، وصفهم بأنهم شبكة تجسس لصالح الشيوعية! ثم تحولت المكارثية إلى جنون في وصف كل مخالف للحكومة الأمريكية في الرأي بأنه «عميل»، و«طابور خامس»، يعمل لصالح «خطر الشيوعية»، وتحولت كل الآراء الإصلاحية المطالبة بإصلاحات اقتصادية أو سياسية إلى أنها تعرقل مجهود الحكومة الأمريكية وهي تحارب «خطر الشيوعية»!

بالطبع تم اتهام كل مخالف للرأي في وطنيته وشرفه دون أي دليل، بل أصبح مجرد مخالفة أفكار مكارثي المجنونة نفسها في تشويه المخالفين في الرأي اتهامًا واضحًا بعدم الوطنية والطابور الخامس للشيوعية! وتسارعت الأحداث بأنْ حققت المباحث الفيدرالية مع أكثر من 3 آلاف موظف في وزارة الخارجية الأمريكية، أغلبهم من المتخصصين في شؤون الاتحاد السوفييتي، بدعوى أنهم يقدمون تحليلات موضوعية لخطر الشيوعية لا تتناسب مع الهستيريا التي أطلقها السيناتور مكارثي، ثم تطورت الحملة المجنونة بأن طالت شخصيات عامة وأدباء وصحفيين وفنانين تم استدعاؤهم للتحقيق معهم في لجنة مكارثي بمجلس الشيوخ أو لجنة الممارسات غير الأمريكية في مجلس النواب. ثم انتشر الوباء في كل المجتمع الأمريكي حتى أصبح «الخوف» عنوان المرحلة، الخوف من عملاء الشيوعية، أو الخوف من المكارثيين، لأنهم قد يتهمون أي مواطن قال رأيًا مختلفًا بأنه طابور خامس، ثم أثبتت التحقيقات لاحقًا أن المباحث الفيدرالية الأمريكية قد لعبت دورًا مشبوهًا في الحملة، كُشف عنه الستار بعد الحملة بـ20 عامًا، حيث ثبت أنها سربت وثائق أغلبها ملفق للخوض في سمعة وشرف ووطنية كثير من الشخصيات العامة، لمجرد أن آراءهم مخالفة للحكومة الأمريكية. وقد اتهمت المكارثية رموزًا بارزة بالخيانة، منهم مثلا مارتن لوثر كينج، وألبرت أينشتاين، وأرثر ميللر، وشارلى شابلن، وكان ضحيتها أنْ حُبس أكثر من 200 شخص في السجون، وأكثر من 10 آلاف شخص تم طردهم من وظائفهم والتنكيل بهم، وكل ذلك بتهم ملفقة طبعًا، وتم منع كتب أكثر من 400 كاتب وصحفي أوروبي. اللافت للنظر أن المكارثية كان لها أنصار يكادون يشكلون أغلبية المجتمع الأمريكي الذى صدق أن كل رأى معارض «عميل» أو «طابور خامس»! وسط كل ذلك الجنون واجه التيار الإصلاحي أفكار مكارثي بحملة مضادة، وتمكن صوت العقل من الانتصار ففي النهاية، حين بدأ إدوارد مارو الإعلامي الشهير مواجهة حملة مكارثي بقوة، وانضم إليه الأديب أرثر ميللر، ثم دارت الدائرة على مكارثي، وقدم إلى المحاكمة بتهم الفساد والتزوير، ثم أدمن الخمر والمخدرات ومات بسبب ذلك، بعد أن تخلص المجتمع الأمريكي من وباء «المكارثية». مات مكارثي وبقى «وباء المكارثية» يستخدم كوَصْفة استبدادية لكبت أي رأى معارض إصلاحي باتهامات في الشرف والوطنية.