الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

النائب محمد فؤاد يكتب:"الدوجماتية" في مسائل الأحوال

الرئيس نيوز

 


تحدَّثت كثيراً عن مؤسسة الأزهر الشريف، خاصة بعد اقتحامها قضية الأحوال الشخصية، إلا أنه لم يجمع لقاء مباشر بيني وبين أحد قادة هذه المؤسسة؛ حتى أقيس عن حق مدى وعيهم وتطور عقليتهم فيما يخص هذه القضية تحديداً، فالتعامل المباشر هو السبيل الأمثل لمعرفة الطرف الآخر بالطبع.

ظل هذا الأمر، إلى أن شاءت الأقدار أن التقى الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو لجنة إعداد مقترح الأزهر في شأن الأحوال الشخصية، الأسبوع الماضي في حلقة "برنامج 90 دقيقة" مع الإعلامي د. محمد الباز، فبعد حديث طويل معه سواء أمام الشاشة أو خلفها، اقتنعت تماماً أن ما أكنه من نقد لسياسات هذه المؤسسة وقادتها لا يمثل إلا جزءاً ضئيلاً جداً مما تستحق.

ناقشت الرجل في مسائل الأحوال، ولم أجد منه إلا تشبثاً شديداً برأيه رغم أن المنطق والحق يقول عكس ما ادعى به الأزهر، بل أن صميم الفقه الإسلامي ينافي بعضاً من مواد مقترح الأزهر، ورغم ذلك يتمسك به ويدعي أنه الأفضل بهدف الحفاظ على مكتسبات المرأة تحت مسمى أن تقدم المجتمعات يقاس بمدى الاحترام للمرأة.

لا أعلم في الحقيقة، من هي المرأة التي يبحث الأزهر عن انصافها، وقد سبق وتحدث شيخ الأزهر نفسه عن ضوابط ضربها أو ضرورة كسر كبريائها، بل وضع في مقترحه ما من شأنه أن يتيح للوالي تطليق البالغة، ورغم ذلك تجاهر المؤسسة وقادتها بأنها تحترم مكتسبات المرأة!

هل من الإنصاف أن يمثل الأزهر في لجنته لوضع مقترحه امرأة واحدة من أصل عشرة أعضاء، رغم أن المرأة نصف المجتمع وكذلك معنية بنسبة متساوية مع الرجل في تطبيق القانون؟، بل رفض تمثيل المرأة بهيئة كبار العلماء على سند من أن النساء ليس لديهن العلم الكافٍ لذلك!.

استغرب تماماً الإصرار من قبل المؤسسة على فكرة دعم المرأة، على غير الحقيقة، خاصة أن عدداً من النساء أعلن في وقفة بشأن القانون، رفض مقترح الأزهر وأكدن أنه ضد المرأة وينال من حريتها.

الدكتور النجار  – الذي أكن له كل الاحترام- تحدث أن الأزهر بدأ في إعداد مقترحه قبل تقدمي أو أحد من النواب الزملاء بأي من المقترحات، وذلك بالتناقض التام مع الحقيقة، حيث أنني تقدمت بمقترح قانوني قبل إعلان تشكيل لجنة الأزهر لإعداد مقترحه بحوالي 8 أشهر، وأيضاً النائبة سهير الحادي سبقته بحوالي عام ونصف كاملة.

 

وكلما ضغطت عليه في المناقشة وتحدثت عن نقاط جوهرية في مقترحه، حاول التهرب وعدم المواجهة، لأنه يعلم أن الرد على هذه النقاط يفسد تماماً ما يحاول ادعاءه من استهداف إصلاح المجتمع وتطبيق صحيح الدين في مسائل الأحوال الشخصية.

خرجت من الحلقة على قناعة تامة، بأن ممثلي وقادة الأزهر في تدخلاتهم يتعاملون على أنهم يلقون خطباً من فوق منابر المساجد، هم فقط من لديهم الكلمة ولا يستطيع أحد أن يرد عليه وإن حاول فمصيره قد يصل إلى التكفير.

ناهيك عن عدم دراسته الدقيقة لمقترح الأزهر والتي سببت ترديده أخطاء في مواده مؤسسته، خاصة فيما يخص ترتيب الحضانة، وكأنه "شاهد ما شافش حاجة".

كما اتضح أنه لم يتعرض قط لما يدور في الشارع بشأن أزمة القانون الحالي، ولم ير أثناء وضع مقترح مؤسسته، ما طرحته وغيري من النواب في مشروعاتنا، وذلك ما ذكره لي صراحة في نهاية الحلقة حين قال حرفياً: "هو فيه حد عنده وقت يقرى كل ده".

بكل أسف ابتعدنا عن المضمون فوجدت نفسي أمام شخص تارة يصدر الترهيب بالوصاية الدينية وتارة أخرى يدعي الترغيب بحماية المرأة وحقوقها بينما واقع الأمر لا علاقة له بكلاهما.

فالطريقة التي تحدث بها الرجل، أظهرت عن حق أن المؤسسة التي ينتمي إليها هي "دوجما"، وهي كلمة ذات دلالة عن السلطوية وعدم قبول الجدال أو التشكيك، فرأيها هو الأوحد والصواب في نظرها بل أنها تعتقد أن العصمة من الخطأ أحد صفاتها، على عكس الحقيقة بالطبع.

هذه بالطبع هي السمة الغالبة على قادة المؤسسة، بما حولها من منبر للعلم إلى "دوجما"، تتسم بالجمود الفكري الشديد ورفض الآخر، بل للانفعال على المعارضين والشعور بارتباك وقت المواجهة ناتج عن شعوره بعد المنطقية في الغالب، الأمر الذي يستطيع أي مشاهد للحلقة التأكد منه.

لست متخصصاً في الأمور الدينية حتى أقيّم مدى نجاح المؤسسة في تجديد الخطاب الديني، وقدرتها على تقديم خطاب متزن يناسب قضايا العصر، إلا أن فشلها في هذا الأمر لا أظنه خفياً على أي متابع لدور المؤسسة الشريفة، فلا تزال قابعة في منحدر التراث الذي لم يعد مناسباً لمجتمعنا تحت أي شكل.

أما فيما يخص قضية الأحوال وتدخلها في هذا الأمر، فحدث ولا حرج، حيث أن المؤسسة الشريفة ارتضت لنفسها أن تتدخل في ملف لا يخصها في غالبيته، وقدمت علاجاً من وجهة نظرها يمثل في الواقع سمّا، حتى تقتل المجتمع الذي يعاني من أصله، بل أنها تتحدث بمنطق يخالف أصل ما تعتقد، وتؤمن به فيما يخص دعم المرأة والوقوف بجانبها.

 وربما السؤال الذي يحسم كل جدل.. إن كان قانون الأزهر داعماً للمرأة والأسرة بحق، فلماذا تخلى عنه المجلس القومي للمرأة وجموع المهتمين بقضايا الأحوال الشخصية، فوجدت المؤسسة نفسها وحيدة تحمل طرحاً لا تستطيع تقديمه قانونياً ولا تجد له متحمساً واحداً من أصحاب القضية.