في ذكرى "الأسطورة".. حكايات إبراهيم الرفاعي والمجموعة "39 قتال" من البطولة إلى الشهادة
"كان يقاتل كي يؤمِّن النظرة الهادئة في العيون"..
هكذا عبر الروائي الراحل جمال الغيطاني بأسلوب بليغ عن مقاتل من طراز فريد في تاريخ الجيش المصري، وكأنه يقول إن كل بطولاته على الجبهة كانت لينعم المصريون بالأمان في بيوتهم، في إشارة إلى المعنى العميق للبطولة في أعلى تجلياتها الإنسانية.
إنه إبراهيم الرفاعي، أسطورة الصاعقة والعسكرية المصرية، المقاتل الفذ الذي تمر اليوم ذكرى استشهاده في 19 أكتوبر 1973، أي في اليوم الـ13 من معركة العبور.
وُلد إبراهيم الرفاعي في 27 يونيو 1931 في محافظة الدقهلية، وتخرج في الكلية الحربية عام 1954، وبعد تخرجه عمل بسلاح المشاة، ثم انضم إلى فرقة الصاعقة في منطقة أبو عجيلة، وحصل على أركان الحرب عام 1959.
اشترك "الرفاعي" في حروب العدوان الثلاثي 1956، واليمن 1962، أما خلال حرب الاستنزاف فقد كان صاحب عمليات قتالية خالدة، سجلها تاريخ العسكرية المصرية في سيناء.
كانت نكسة 1967 صدمة كبيرة لـ"الرفاعي" الذي لم يكن يطيق أن تطأ إسرائيل أرض سيناء، وهو على قيد الحياة، وفي هذه الفترة أصيب بقرحة حادة في المعدة، لكنه كان مصرًا على تنفيذ العمليات القتالية وهو في مقدمة رجاله.
يمكننا أن نعتبر "الرفاعي" بطل حرب الاستنزاف الأول في ميادين القتال، إذ تقرر تشكيل مجموعة من المقاتلين من رجال العمليات الخاصة المصرية لتنفيذ هجمات خلف خطوط العدو، ضمن خطة استنزاف العدو واستعادة الثقة.
كانت هذه المجموعة هي "المجموعة 39 قتال"، التي أدت عمليات في غاية الصعوبة، يمكننا أن نتصور أن "الرفاعي" عبر هو رجاله قناة السويس 70 مرة قبل حرب أكتوبر، نفذوا خلالها عمليات محددة بدرجة كفاءة وبطولة عالية.
من عملياته، بحسب ما أوردت "المجموعة 73 مؤرخين"، أنه نسف مع مجموعته قطاراً للجنود والضباط الإسرائيليين عند منطقة الشيخ زويد، ونسف مخازن الذخيرة التي خلفتها القوات المصرية إبان الانسحاب.
ويحكي الموقع أيضاً: "في مطلع عام 1968 نشرت إسرائيل مجموعة من صواريخ أرض – أرض لإجهاض أي عملية بناء للقوات المصرية. وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت متشددة في إخفاء هذه الصواريخ بكل وسائل التمويه والخداع، فإن وحدات الاستطلاع كشفت العديد منها على طول خط المواجهة".
وتضيف: "لم يكن الفريق أول عبد المنعم رياض في هذه الأثناء يعرف طعماً للنوم أو الراحة أو التأجيل أو الاسترخاء في معركته التي بدأها من أجل إعادة بناء القوات المسلحة المصرية، فأرسل على الفور إلى المقاتل الثائر إبراهيم الرفاعي".
كان الأمر العسكري من "رياض" كالتالي: "إسرائيل نشرت صواريخ في الضفة الشرقية، عايزين منها صواريخ يا رفاعي بأي ثمن لمعرفة مدى تأثيرها على الأفراد والمعدات في حالة استخدامها ضد جنودنا".
نفذ إبراهيم الرفاعي الأمر على خير ما يكون: "فعبر برجاله قناة السويس وبأسلوب الرفاعي السريع الصاعق استطاع أن يعود وليس بصاروخ واحد وإنما بثلاثة صواريخ".
ويروي الموقع أنه "صبيحة استشهاد الفريق عبد المنعم رياض طلب (الرئيس)عبد الناصر القيام برد فعل سريع وقوي ومدوي حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصري باستشهاد قائده.. فعبر الرفاعي القناة واحتل برجاله موقع المعدية 6 الذي أطلقت منه القذائف التي كانت سبباً في استشهاد الفريق رياض، وأباد كل من كان في الموقع من الضباط والجنود البالغ عددهم 44 عنصرا إسرائيلياً.. وقتل بعضهم بالسونكي فقط".
في معركة العبور، 6 أكتوبر 1973، جاءت اللحظة التي كان ينتظرها "الرفاعي"، لكن دوره فيها كان على قدر كبير من الصعوبة والجدية.
يقول موقع "المجموعة 73 مؤرخين": "في صباح 6 أكتوبر هاجم الرفاعي محطة بترول بلاعيم لتكون أول عملية مصرية في عمق إسرائيل. ثم مطار شرم الشيخ صباح مساء السابع من أكتوبر. ثم رأس محمد، وشرم الشيخ نفسها طوال يوم 8 أكتوبر. ثم شرم الشيخ للمرة الثالثة في 9 أكتوبر. ثم مطار الطور الإسرائيلي في 10 أكتوبر، واستطاع في هذا اليوم قتل جميع الطيارين الإسرائيليين الموجودين في المطار. ثم قام بدك مطار الطور مرة ثانية في 14 أكتوبر. ثم آبار البترول في الطور يوم 15 و16 أكتوبر".
في يوم استشهاد "الرفاعي"، كان عليه أن يقوم بعملية خطيرة للغاية لوقف زحف العدو الإسرائيلي في ثغرة الدفرسوار، وقيل إنه لم يكن مقتنعاً بجدوى العملية، لكنه كمقاتل منضبط لا يمكن لمثله أن يخالف أوامر، أقدم على تنفيذها في النهاية بفدائية.
ينقل الموقع" عن علي أبو الحسن، أحد رجال مجموعة "الرفاعي" التالي: "فوجئنا أن هناك سلاحاً يتم صرفه لنا.. وكله مضاد للدبابات.. وكانت الأوامر أن نعود إلى الإسماعيلية لتدمير المعبر الذي أقامه العدو.. ودخلنا الإسماعيلية ورأينا الأهوال مما كان يفعله الاسرائليون بجنودنا من الذبح وفتح البطون، والعبور فوق الجثث بالدبابات. وكان العائدون من الثغرة يسألون سؤالاً واحداً: أنتم رايحيين فين؟؟ فقد تحولت هذه المنطقة إلى ما يشبه الجحيم".
يواصل المقاتل أن "الرفاعي" صرخ فيهم قائلاً "الرجل بدبابة يا أولاد"، واستطاعت "المجموعة 39 قتال" أن تفجر المعبر وأن توقف الزحف الإسرائيلي، رغم أنهم كانوا رجالاً بأسلحة محمولة في مواجهة دبابات.
في اليوم التالي، 19 أكتوبر، أمر "الرفاعي" رجاله أن يستعدوا لمعركة شرسة في محاولة منه لتدمير قوات العدو، وقسم رجاله إلى ثلاث مجموعات، لكل منها هدف.
ويسرد أحد أفراد مجموعة "الرفاعي" المشهد قائلاً: "صعد أربعة منا فوق قواعد الصواريخ.. وكان الرفاعي من ضمننا وبدأنا في ضرب دبابات العدو.. وبدأوا هم يبحثون عن قائدهم حتى لاحظوا أن الرفاعي يعلق برقبته ثلاث أجهزة اتصال.. فعرفوا أنه القائد وأخرجوا مجموعة كاملة من المدفعية لضرب الموقع الذي يقف فيه الرفاعي.. ولكننا رأيناهم فقفزنا من فوق قاعدة الصواريخ ولكن الرفاعي لم يقفز.. فحاولت أن أسحب يده ليقفز.. ولكنه زغدني ورفض أن يقفز.. وظل يضرب بشراشه حتى أصابته شظية أغرقت جسده بالدم".
ويتابع: "طلبنا سيارة عن طريق اللاسلكي... ووضعنا الرفاعي فيها ولكن السيارة غرزت في الرمال.. فنزل السائق وزميله لدفعها وركبت أنا وقدت السيارة... وكان الرفاعي عادة ما يرتدي حذاءً ذي ألوان مختلفة عن بقية المجموعة وعندما رأى زملاؤنا حذاءه أبلغوا باللاسلكي أن الرفاعي أصيب.. وسمعهم اليهود وعرفوا الخبر.. وكانت فرحتهم لا توصف حتى أنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالاً بإصابة الرفاعي".
استشهد "الرفاعي" وهو يقاتل كما كان يتمنى دائماً، ورغم مرور 46 سنة على هذه اللحظة لكنه يظل أسطورة حية لمعنى كلمة مقاتل يدافع عن أرض الوطن و"يؤمِّن النظرة الهادئة في العيون".