منير مجاهد: مشروع "الضبعة" سينقل مصر لعصر جديد.. وقادرون على إنشاء محطات نووية آمنة (حوار)
قال الدكتور محمد منير مجاهد، النائب الأسبق لرئيس هيئة المحطات النووية، إن إنشاء مجموعة من المحطات النووية لا يوفر لمصر فقط الطاقة اللازمة لتنمية مستدامة ونظيفة، وإنما سيكون أيضا القاطرة لتحديث الصناعة وتطوير البحث العلمي وبناء الدولة القوية التي تستحق مصر أن تكونها.
وأضاف في حوار لـ"الرئيس نيوز"، أن المشروع النووي المصري سيعمل
على توفير الكهرباء اللازمة للتنمية بسعر اقتصادي منافس.
بداية، ما قوة تأمين مفاعل الضبعة النووي؟.. وهل يستطيع علماء مصر
الاستمرار في البرنامج النووي السلمي دون مساندة غربية؟
الإجابة باختصار هي نعم نستطيع أن ننشئ محطات نووية لتوليد الكهرباء
وتحلية مياه البحر، وأن نشغلها بطريقة آمنة كي ننطلق ونحتل المكان الذي نستحقه بين
الأمم، مهما حاول المشككون أن يهزوا ثقتنا بأنفسنا.
وهناك عناصر كثيرة للأمان في المشروع مثل التصميم الآمن الذي يستخدم مواد
ذات قدرة عالية على العمل في ظروف تشغيل محطة نووية، وتعدد أنظمة الأمان التي تؤدي
نفس الوظيفة، وافتراض أسوأ السيناريوهات واتخاذ الإجراءات اللازمة في تصميم المحطة
لمنع الحوادث، أو التقليل من مخاطرها أو
في أسوأ السيناريوهات إعداد خطة لإخلاء الموقع والتدريب عليها بصفة دورية ومستمرة.
من يشرف على مفاعل الضبعة ؟
الهيئة المستقلة للرقابة النووية لا بد أن نعرف أنها لا تتبع جهة التشغيل، وتتولى مراقبة التشغيل
الآمن وتمنح التصاريح اللازمة في كل مرحلة من مراحل التراخيص اللازمة لإنشاء المحطة بدءا من اختيار
الموقع الآمن وحتى تكهين المحطة بعد نهاية عمرها التشغيلي.
وفي مصر توجد مثل هذه الهيئة وهي "هيئة
الرقابة النووية والإشعاعية" التي لا تتبع وزارة الكهرباء عكس الهيئات
النووية الثلاث الأخرى، بل تتبع مباشرة رئيس الوزراء ولا يمكن دق مسمار في الموقع
دون الحصول على التصاريح اللازمة.
وأكد أن اختيار المكان تم بعد دراسات والقانون له دور واضح فى ذلك وينص
على هذا وبالتالي لم يكن الاختيار للمكان عشوائيا بل قائم على دراسة حيث حددت
المادة 13 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية الصادر
بالقانون رقم 7 لسنة 2010 ترخيص المنشآت النووية في مراحلها المختلفة طبقا لما
يلي:
أولا: إذن قبول اختيار الموقع: بالنسبة للمفاعلات النووية يصدر خلال سنة من
تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة. وقد حصلت هيئة
المحطات النووية على هذا الإذن في مارس 2019 بعد دراسة مستفيضة من جانب هيئة
الرقابة.
ثانيا: إذن الإنشاء: ويتطلب تقديم عدة وثائق ومستندات منها إذن قبول
اختيار الموقع، وبالنسبة للمفاعلات النووية يصدر خلال ثمانية عشر شهرا من تاريخ
تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة. ونحن حاليا في هذه
المرحلة ومن المتوقع إذا سارت الأمور على ما يرام الحصول على هذا الإذن في منتصف
عام 2020 وبعدها تبدأ إنشاءات المحطة النووية.
ثالثا: إذن إجراء اختبارات ما قبل التشغيل: بالنسبة لمفاعلات القوى
النووية يصدر خلال ستة أشهر من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات
والمستندات المطلوبة. وذلك بعد الانتهاء من كل أعمال التركيبات.
رابعا: إذن تحميل الوقود والوصول للحروجية: بالنسبة لمفاعلات القوى
النووية يصدر خلال شهرين من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات
والمستندات المطلوبة. بعد أن تؤكد اختبارات ما قبل التشغيل سلامة المعدات والأنظمة
المختلفة.
خامسا: ترخيص التشغيل: بالنسبة لمفاعلات القوى النووية يصدر خلال ستة أشهر
من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع البيانات والمستندات المطلوبة. ويتضمن هذا
الترخيص أيضا ترخيص كل العاملين على حدة في التشغيل والصيانة.
سادسا: ترخيص الخروج من الخدمة بمرحلتيه (الإيقاف – التفكيك): بالنسبة
لمفاعلات القوى النووية يصدر خلال سنة من تاريخ تقديم طلب الإذن مستوفيا جميع
البيانات والمستندات المطلوبة. وسيكون هذا بعد ستين عاما من بدء تشغيل المحطة.
لعلك تلاحظين التفصيل الشديد للإجراءات والدقة المتبعة من قبل هيئة
الرقابة النووية والإشعاعية للتأكد من أمان المحطة وعدم وجود أي مخاطر على
العاملين بها، أو على السكان في المناطق المحيطة بالمحطة، أو على مصر كلها.
من ناحية أخرى نظرا لحساسية الرأي العام بالنسبة للطاقة النووية عامة
وتأثر مشروعات إنشاء محطات نووية بأي حوادث نووية حتى لو لم ينجم عنها خسائر في
الأرواح فلن تسمح أي شركة بأن يستخدم مفاعلاتها أناس يفتقدون للكفاءة لأن أي حادثة
تنجم عن ذلك ستشوه صورتهم وقد تعني خروجهم من السوق.
هل تمتلك مصر أدوات تؤهلها لتكون ندا قويا لمراكز القوة في الشرق الأوسط ؟
لقد بدأت مصر برنامجها للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية منذ عام 1955
حينما تشكلت لجنة الطاقة الذرية برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا. وهذا
البرنامج يسيربشكل جيد ويتطور باستثناء برنامج إنشاء محطات قوى نووية لتوليد
الكهرباء وتحلية ماء البحر الذي تعثر لأسباب خارجية وداخلية لا مجال للحديث عنها
الآن.
ومنذ فكرت مصر في إنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية ماء البحر عام
1964 وحتى الآن لم يكن مطروحا في أي وقت أن يتولى تشغيل وصيانة المحطة النووية غير
المصريين، وحتى في الاستخدامات السلمية الأخرى للطاقة الذرية فقد كان دائما
المشغلين والقائمين على أعمال الصيانة مصريون سواء بالنسبة للمفاعلين البحثيين، أو
بالنسبة لتكنولوجيا الإشعاع كوحدة التشعيع الجامي المستخدمة لتعقيم شحنات التصدير
من الخضروات والحبوب أو تعقيم الأدوات الطبية، وكذلك بالنسبة للنظائر المشعة
المستخدمة في الصناعة والزراعة والصحة وخاصة في مجال اكتشاف مرض السرطان وفي
علاجه.
بالنسبة لبرنامج المحطات النووية فعلينا أن نتذكر أن تنفيذ المحطة النووية
يستغرق نحو سبع سنوات بما فيها الفترات اللازمة للحصول على التصاريح اللازمة في كل
مرحلة من مراحل التنفيذ وصولا إلى تصريح التشغيل والذي يلزمه ليس فقط التأكد من
سلامة المعدات والأنظمة المختلفة وخاصة أنظمة الأمان، ولكن لابد أيضا من حصول المشغلين
والقائمين بأعمال الصيانة على رخصة تجدد سنويا وبدون هذا لا يمكن تشغيل المحطة
النووية.
في المرحلة الحالية المطلوب مهندسين وفنيين قادرين على الإشراف على
الإنشاءات والتركيبات الهندسية طبقا للمواصفات ومصر تمتلك خبرات هام في هذا المجال
فقد قامت وزارة الكهرباء بالإشراف على تنفيذ محطات كهرباء عملاقة لا تقل حجما عن
المحطة النووية وهذه الخبرات متاحة بالوزارة ويمكن الاستفادة بها مع تدريب مهندسين
شباب بواسطة هؤلاء المهندسين ليشاركوا في الإشراف على التنفيذ ثم القيام بالإشراف
على التنفيذ بالكامل في الوحدة الثانية والثالثة والرابعة.
طبعا مطلوب عمال وفنيين ومهندسين لتشغيل المحطة وصيانتها ولكن هذا الأمر
مطلوب أن يكون متوفرا عام 2026 عند بداية تشغيل المحطة الأولى وفي التعاقد مع
الجانب الروسي يوجد برنامج زمني تفصيلي لتدريب هؤلاء في روسيا على محطات مماثلة
لما ستحصل عليه مصر، بالإضافة لتدريبهم على مماثل للمحطة النووية (مثل المستخدم
مثلا في تدريب الطيارين) بما يمكنهم من مواجهة أي موقف طارئ. وأعتقد أنه يوجد
بالفعل أعداد كبيرة من المهندسين في روسيا للتدريب على ما نحتاجه في المرحلة
الحالية والمراحل التالية.
ما تعليقك على وفاة عالم مصري في المغرب؟.. وهل علماء مصر مستهدفون؟
طبعا يجب على الأجهزة المعنية اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية علماء
مصر سواء في المجال النووي أو غيره من أي أعمال عدائية. وأظنهم يفعلون هذا بالفعل
رغم انشغالهم بمكافحة الإرهاب.
في الحقيقة بالنسبة لما يقال عن اغتيال الدكتور أبو بكر رمضان الذي كنت
أعرفه رحمه الله شخصيا فأنا أعتقد كما قال المغاربة ‘نه توفي بأزمة قلبية واستبعد
تماما "اغتياله".
الدكتور أبو بكر من سني يعني على
المعاش وهو يعمل أستاذ متفرغ بهيئة الرقابة النووية والإشعاعية (مستشار) أي ليس له
أي منصب إداري أو تنظيمي.
قبل إحالته للمعاش كان رئيس شبكة الرصد الإشعاعي وهي شبكة تربط مجموعة
كبيرة من الأجهزة على الحدود وفي داخل مصر هدفها القياس المستمر للخلفية الإشعاعية
ورصد أي زيادة فيها وتحديد الاتجاه الوارد منه المواد المشعة في الجو أو مصادر
المياه. وهو أمر لا يشكل تهديدا لأحد ومن ثم لا يوجد ما يدعو لاستهدافه.
الصهيونية عدو لنا لا شك في هذا ولكن علينا أن نتذكر القصة التي درسناها
في مدارسنا عن الطفل الذي اعتاد أن يصرخ قائلا: "الذئب الذئب على سبيل المزاح
وحينما ظهر الذئب وأخذ يصرخ محذرا لم يصدقه أحد".
ماذا ننتظر من هذا الصرح العظيم "المفاعل النووى"؟
النتيجة الرئيسية هي توفير الكهرباء اللازمة للتنمية بسعر اقتصادي منافس،
ولكن هناك عدد من النتائج الهامة، منها الحفاظ على موارد الطاقة البترولية (الزيت
والغاز الطبيعي) وهي موارد ناضبة وغير متجددة ولذا يجب التعامل معها بحرص وحكمة
حتى لا نحرم الأجيال القادمة من مصادر هامة للتنمية المستدامة والمستقلة، استخدام
زيت البترول والغاز الطبيعي كمادة خام لا بديل لها في الصناعات البتروكيميائية
وصناعة الأسمدة بدلا من حرقها لتوليد الكهرباء، مما يعظم القيمة المضافة، و تخفيض
معدلات استيراد المنتجات البترولية لكافة الاستخدامات التي تتزايد عاما بعد عام
رغم التوسع في استخدام الغاز الطبيعي، والتي أصبحت مصر مستورد صاف لها في السنوات
الأخيرة والتي يعد قطاع النقل من أكبر مستهلكيها، وذلك من خلال كهربة خطوط
القطارات في مصر واستخدام الكهرباء النووية.
فضلا عن إحداث طفرة في الصناعة المصرية تزيد من قدرتها التنافسية وتخرج
مصر من الأزمة الخانقة التي تعبشها من خلال برنامج مخطط لإنشاء محطات نووية لتوليد
الكهرباء وتحلية مياه البحر يتصاعد بنسب التصنيع المحلي في كل محطة وصولا إلى
التصنيع الكامل لهذه المحطات - كما فعلت الهند وكوريا الجنوبية.
وخلق طلب مجتمعي على البحث العلمي وهي المشكلة الرئيسية التي يعاني منها البحث العلمي في مصر وفي العديد من البلدان النامية، أي غياب الطلب المجتمعي على البحوث والتطوير في هذه الدول التي تكتفي باستيراد التكنولوجيا وحلول مشاكلها من الدول المنتجة لها، حيث يمكن لبرنامج المحطات النووية أن يكون بؤرة للبحث العلمي والتطوير فالتكنولوجيا النووية ليست فقط الفيزياء النووية ولكنها وثيقة الصلة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتكنولوجيا المواد الجديدة والهندسة المدنية والميكانيكية والكهربية وبعلوم البيئة وغيرها.
وتطوير منطقة الضبعة كما فعل السد العالي في أسوان ومجمع الألومونيوم في
نجع حمادي، عن طريق النهوض بالتعليم والصحة والثقافة، وخلق صناعات مغذية للمحطة
النووية وتطوير الخدمات كالسوبرماركت ووالمنشآت الترفيهية والحدائق ... الخ.
وأخيرا الحشد الوطني والقومي الذي يمكن أن تؤدي إليه معركة تنفيذ هذا البرنامج في وجه المعارضة الإسرائيلية – الأمريكية مثلما فعلت معركة إنشاء السد العالي في منتصف القرن الماضي.