الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"فاروق حسني يتذكر" (6- 6): مبارك وسّط حسين سالم لإقناعي برئاسة الحكومة.. ورفضت

الرئيس نيوز

حسين سالم جاءني بطائرة خاصة ليعرض عليّ الوزارة.. ومبارك لم يفاتحني في الأمر مباشرة

أنا من رشحت أنس الفقي لوزارة الإعلام.. وسوزان مبارك قالت عنه "ده تلميذي"

أن تبقى لنحو ربع قرن وزيرًا فإن الأمر مثير للتأمل والتحليل. ورغم أن الموضوع قد لا يخلو من تميز، فإنه أيضًا لا يعفي من مسؤولية ولو أدبية عن بعض القيم التي مثلتها تلك الفترة في ظل نظام سياسي ظل لنحو 30 عامًا في السلطة.

هو فاروق حسني، وزير الثقافة المصري في الفترة من 1987 إلى 2011، والذي تتراوح النظرة إليه ما بين الفنان المستنير المبدع في عيون محبيه، وراعي "الحظيرة" في نظر كل من اختلفوا معه ومع سياساته طوال سنوات.

كتاب "فاروق حسني يتذكر.. زمن من الثقافة"، الصادر عن دار نهضة مصر، 2018، وهو كتاب حوارات، حررته الصحفية انتصار دردير، يستعيد تفاصيل تلك الفترة التي شغل فيها الفنان الوزارة، وشهدت معارك وأحداث وتطورات ثقافية شتى.

"الرئيس نيوز" يعرض الكتاب الذي يمكن اعتباره مذكرات الوزير الأسبق، على عدة حلقات، نظرًا للمكانة الجدلية التي شغلها صاحبه في مسيرة الثقافة المصرية الرسمية طوال أكثر من عقدين.

*

في أغسطس 2010، وجد فاروق حسني نفسه في أزمة جديدة عندما اختفت لوحة "زهرة الخشخاش" للفنان الهولندي الأسطوري فان جوخ، من متحف محمد محمود خليل بالدقي.

كان الحدث، وإن بدا نخبويًا من حيث المتابعة والتأثير، واحدًا من الوقائع الكارثية التي توالت في السنوات الأخيرة من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، لذلك فإن اتهامات وشائعات كثيرة طالت مسئولين كبارا في الدولة آنذاك بالتورط في الحادث.

بعد 8 سنوات من الحادث لا زال فاروق حسني يشعر بالضيق عندما يتذكر الواقعة، محملا المسئولية للإهمال والتراخي من قبل المسئولين عن المتحف وقطاع الفنون التشكيلية بالوزارة.

وعندما سألته محررة الكتاب عن نظرته لسرقة اللوحة كفنان تشكيلي قال: "البحث عنها ليس مهمتي بل مهمة الإنتربول، وفي اعتقادي أن من استولى عليها ربما يكون شخصًا مريضا باقتناء اللوحات، وربما احتفظ بها في دولابه، لأنها لو ظهرت في أي مكان بالعالم سيعيدها الإنتربول لمصر".

ثم يكشف أنه عمل حتى قبل سنوات من افتتاح متحف محمود خليل على حماية اللوحة ومقتنيات أخرى. يروي: "لقد بقيت لوحات محمد محمود خليل – ومنها زهرة الخشخاش وغيرها الأكثر قيمة مادية وفنية – لسنوات داخل قصر عمرو إبراهيم بالزمالك، وكان قصرا مهجورا، وكنت أخشى على ما يضمه من ثورة فنية لا تقدر بثمن؛ لذا طلبت من الرئيس مبارك أن نستعيد القصر الذي كان يستغله الرئيس السادات ضمن مقر إقامته، فوافق على الفور، وبدأنا نعيد تخطيطه ليكون متحفا بمقاييس دولية".

ويستبعد "حسني" حدوث ما طرحته عليه محررة الكتاب من أن مسئولين كبارا في الدولة سهلوا لوفد إذاعي بريطاني تصوير ظهر اللوحة الذي يحوي معلومات مهمة عنها قبل ثلاثة أشهر من الحادث. ويقول: "لا أعتقد أن هذا حدث، وإلا كنت قد علمت به، ولا أحد يجرؤ على إعطاء تصريح بتسهيل السرقة".

كما أنه ينفي بهدوء شائعة ارتبطت بمبارك وزوجته تقول إن الرئيس الأسبق قال لوزير داخليته حبيب العادلي: "طالما أنكم مش عارفين تحافظوا على اللوحة، وبتتسرق منكم هاتوها لسوزان هي عايزاها". ويرد الوزير الأسبق على هذا قائلا: "هذا كلام لا يخرج إلا من مدمن فاقد لصوابه".

اسم سوزان مبارك يقودنا إلى اسم آخر من وجوه نظام مبارك في سنواته الأخيرة، هو أنس الفقي وزير الإعلام، الذي كان يعمل في وزارة الثقافة تحت رئاسة فاروق حسني، قبل أن يخلُف صفوت الشريف في "ماسبيرو".

يحكي "حسني" أنه اختار أنس الفقي مسئولا عن قطاع الثقافة الجماهيرية، ثم أخبر سوزان مبارك باختياره فأثنت عليه وقالت إنه قرار موفق، وأضافت أن الفقي "تلميذها".

ويسجل الوزير الأسبق أنه لم يكن يعلم بالعلاقة الوثيقة لأنس الفقي بحرم الرئيس وأنه سبق وعمل معها، مضيفا: "بعد فترة تم ترشيحه لوزارة الشباب، ولم يكن ذلك أمرا مفاجئًا لي".

كيف اُختير لحقبة الإعلام إذن؟ يروي فاروق حسني: "بعدها ومع التغييرات الوزارية التي ترك فيها صفوت الشريف وزارة الإعلام وتولى رئاسة مجلس الشورى (...) سألني زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية: من ترشحه للإعلام؟ قلت: أنس الفقي".

كواليس أخرى يكشفها "حسني" متعلقة بترشحيه هو نفسه لرئاسة الحكومة بعد الدكتور عاطف عبيد في 2004، وكيف كان يلعب رجل الأعمال حسين سالم أدوارًا غير رسمية في الدولة في نظام صديقه حسني مبارك.

يروي: " في أحد الأيام كنت في طريق عودتي من الإسكندرية، ففوجئت برجل الأعمال حسين سالم يتصل بي ويسألني في لهفة: إنت فين؟ قلت: في الطريق الصحراوي عائدا إلى القاهرة، فقال لي: هاخد طيارة وأجيلك بيتك، وكان وقتها في شرم الشيخ، قلت: أمامي ساعتان، قال: اتفقنا".

يستكمل الوزير الأسبق: "بمجرد عودتي للبيت وصل، ودخل حجرة وأغلق الباب، وفوجئت باتصال من الرئيس مبارك يسألني: هل جاءك حسين سالم؟ قلت: نعم، هل تريد سيادتكم التحدث إليه؟ فقال: لا خلاص، ووجدت حسين سالم يقول لي: انت أصلح من يتولى رئاسة الوزارة، فلديك تصورات كبيرة والرئيس يثق بك. قلت: لا، لن أستطيع".

يرى فاروق حسني – رغم اقتناعه بأن قادر على تولي مسئولية المنصب – أنه سيكون مجرد منفذ، وهو أمر ضد طبيعته، مكتفنا بموقعه كوزير ثقافة "أضع الرؤى وأنفذها والحمد لله لم أخفق في شيء"، بحسب تعبيره.

ويواصل روايته: "اندهش حسين سالم من موقفي، وحاول بشتى الطرق أن يثنيني عن رأيي، وكنت متمسكا به، ولم يكن ذلك إلا بطلب من الرئيس مبارك، برغم أنه لم يحدثني بنفسه في ذلك الأمر".

وثمة سؤال مهم تطرحه محررة الكتاب على فاروق حسني يتعلق بطول الفترة التي ظل فيها وزيرًا للثقافة، والتي تزيد عن 23 سنة متصلة. تسأله انتصار دردير في فصل بعنوان "السياسي والفنان"، كيف استطاع الحفاظ على منصبه طوال تلك الفترة؟ كيف "لعب سياسة" بمعنى أدق؟

لا يعطي الوزير الأسبق جوابًا متوقعا، بل يأخذ في الكلام عن التسامح مع الأعداء وعدم الانجراف للمعارك، وكيف أنه كان يواجه "الجاهل والحاقد، ومن يريد الصعود على أكتافه" بشيء بسيط هو "تلمس العذر".

لا يقنع جواب فاروق حسني، أو لنقل إنه لا يشبع فضول الباحث أو المتوقع لكواليس المعارك التي تحدث عنها كثيرا في الكتاب، وإن كان الجواب غير مستعبد بمنطق الأمور.

لكن اللافت والغريب أن الوزير الأسبق طوال صفحات الكتاب بدا أنه حريص على "صورة ملائكية" له تتنافى بالطبع مع عالم البشر، وإن كان من السهل أن تضبط – عبر الكتاب - انفعاله غير المبرر في مرات لا تتطلب انفعالا، وهدوئه غير المفهوم في مواقف تتوقع منه فيها غضبًا.

23 سنة في منصبه جعلت من فاروق حسني وزير الثقافة الأكثر جدلًا على الأقل بحكم الملفات التي تولاها طوال هذه السنوات، وهي فترة أتاحت له تنفيذ أشياء كثيرة ووضعته أيضا في مرمى اتهامات ومعارك عديدة، خرج منها "منتصرا" كما يقول في الكتاب.

لكن الفترة الطويلة لفاروق حسني ربما جعلته شريكا في المسئولية عن "التيبس" الذي أصاب شرايين السلطة في مصر طوال 30 سنة، وهي مسئولية أدبية على الأقل لا يمكن التنصل منها، لأن الوزير رجل سياسة يتحمل بناء على ذلك أخطاءً أكبر من حدوده، حتى وإن كان فنانًا عمل في الشأن العام وكأنه في مرسم.