الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"فاروق حسني يتذكر" (5- 6): أنفقت 9 ملايين على حملة "اليونسكو".. ثم اكتشفت أننا لهثنا وراء "قيمة كاذبة"

الرئيس نيوز

جلست في منزلي بعد حريق قصر ثقافة بني سويف.. ومبارك قال لي: "ليست مسئوليتك"

كنت أدافع عن سوزان مبارك في أزمة الحجاب.. وأحمد عز قاد حملة "حكومية" ضدي في البرلمان

جمال مبارك هاتفني على غير العادة بعد خسارة معركة اليونسكو.. وساويرس قال لي: "اللي إنت عاوزه"

أن تبقى لنحو ربع قرن وزيرًا فإن الأمر مثير للتأمل والتحليل. ورغم أن الموضوع قد لا يخلو من تميز، فإنه أيضًا لا يعفي من مسؤولية ولو أدبية عن بعض القيم التي مثلتها تلك الفترة في ظل نظام سياسي ظل لنحو 30 عامًا في السلطة.

هو فاروق حسني، وزير الثقافة المصري في الفترة من 1987 إلى 2011، والذي تتراوح النظرة إليه ما بين الفنان المستنير المبدع في عيون محبيه، وراعي "الحظيرة" في نظر كل من اختلفوا معه ومع سياساته طوال سنوات.

كتاب "فاروق حسني يتذكر.. زمن من الثقافة"، الصادر عن دار نهضة مصر، 2018، وهو كتاب حوارات، حررته الصحفية انتصار دردير، يستعيد تفاصيل تلك الفترة التي شغل فيها الفنان الوزارة، وشهدت معارك وأحداث وتطورات ثقافية شتى.

"الرئيس نيوز" يعرض الكتاب الذي يمكن اعتباره مذكرات الوزير الأسبق، على عدة حلقات، نظرًا للمكانة الجدلية التي شغلها صاحبه في مسيرة الثقافة المصرية الرسمية طوال أكثر من عقدين.

*

في 5 سبتمبر 2005، وقعت كارثة حريق قصر ثقافة بني سويف، وراح 50 شخصًا كانوا ضحية الإهمال، في واقعة هزت الوسط الفني والثقافي المصري آنذاك.

اتجهت الأنظار بالطبع إلى فاروق حسني، الوزير الذي كان يتغنى بإقامة وتطوير العديد من قصور الثقافة على مستوى الجمهورية، محملة إياه المسئولية عن الحادث، فسارع "حسني" بتقديم استقالته للحكومة وجلس في المنزل "حزينا غاضبًا".

يكشف الوزير الأسبق في الكتاب كواليس ما بعد الاستقالة وكيف تراجع عنها. يقول: "حدثني الرئيس مبارك مرتين بعد تقديمي استقالتي وقال لي: ليست مسئوليتك، بل مسئولية من سمح بإقامة العرض في هذا المكان. لكنني تمسكت بالاستقالة وجلست في بيتي، كنت غاضبا وحزينا من كل شيء".

وذهب إليه وزير النقل آنذاك د. عصام شرف، الذي سيصبح رئيسًا للوزراء بعد ثورة 25 يناير، وقال له: "كيف تستقيل؟ أنت لست مسئولا، هل لديك علم بكل ما جري؟! إنها مسئولية من هم دونك"، فرد فاروق حسني: "إنني أشعر بضيق نفسي لا يحله إلا الخلاص".

بعد ذلك جاء إليه أنس الفقي، وزير الإعلام. يحكي الوزير الأسبق: "بدا لي أنه لم يأت من تلقاء نفسه، بل كان يحمل رسالة من الرئاسة وقال لي: عليك بسحب الاستقالة. قلت: لن أسحبها. فعاد يقول: إن في تقديمك للاستقالة إحراجا للدولة. قلت: بالعكس؛ إنني أعفيها من الحرج، وأحمِّل نفسي المسئولية".

لكن مجموعة من المثقفين أصدروا بيانا طالبوا فيه الوزير بالبقاء في المنصب، وناشدوا مبارك بعدم قبول استقالته. يروي فاروق حسني: "كان الرئيس وقتها في الإسكندرية، واتصل بي وقال: اذهب للقاء رئيس الوزراء، فأخبرته أني أعتذر عن عدم الاستمرار وأتحمل مسئولية ما حدث، رد الرئيس: لا إنها ليست مسئوليتك المباشرة، بل تقع على المحافظ ومسئولي القصر".

هكذا عاد فاروق حسني من إحدى "استقالاته" من منصبه، لكن الكارثة كانت "أكبر حادث هزني وأكبر مأساة عشتها، وشعرت أن كل ما حققته للثقافة ضاع"؟

إذا انتقلنا لأزمة أخرى عايشها الوزير الأسبق، سنجد بالطبع أزمة الحجاب، عندما نشرت له الصحف تصريحات أعلن فيها اعتراضه على الحجاب. امتدت المشكلة إلى مجلس الشعب الذي طلب استجواب الوزير، وهناك فوجئ "حسني" بموقف مضاد من الحزب الوطني.

وبحسب ما يحكيه "حسني" فإن أحمد عز، عضو المجلس وأمين التنظيم بالحزب الوطني كان وراء الحملة "الحكومية" ضده في البرلمان.

يروي: "هذا ما قاله لي رئيس مجلس الشعب، فبعد الجلسة العاصفة التي كال فيها الجميع اتهامات عديدة لشخصي قلت للدكتور فتحي سرور عندما اتصل بي تليفونيا فعاتبته: هل هذا معقول يا دكتور؟! لم أتوقع ذلك من الحزب والحكومة. فقال لي: لقد فوجئت بالنائب أحمد عز يرسل لي ورقة تتضمن أسماء النواب الذين سيتحدثون أثناء الجلسة، وفوجئت بهم يهاجمونك جميعا بمن فيهم د. ذكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية والدكتور كمال الشاذلي وزير شئون مجلسي الشعب والشورى، وطلب عز أن أستكمل سماع بقية من أرفق أسماءهم من أعضاء الحزب الوطني".

كيف كانت علاقته بأحمد عز إذن؟ يجيب: "لم يكن بيني وبين أحمد عز علاقة؛ بل فوجئت به يزورني في البيت ويطلب مني أن أعتذر للمجلس عما بدر مني، ورفضت وقلت له: أنا لم أخطئ حتى أعتذر، أنتم من أخطأتم في حقي وفي غيابي".

أما موقف سوزان مبارك، قرينة رئيس الجمهورية، من أزمة الحجاب، فيكشف عنه قائلا: "علمت من صديقة مقربة لها أنها كانت غاضبة بشدة، وقالت تعليقا على ذلك: ليس هذا وقته، فقلت لصديقتها إنني كنت أدافع عنها. لأنني كنت أدافع عن غير المحجبات وهي واحدة منهن، والحقيقة أنها لم تتحدث معي في هذا الموضوع بالمرة".

في العام 2009، رشحت مصر فاروق حسني لرئاسة منظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو"، لكنه خسرها بعد معركة شرسة من عدة جولات، أبدى فيها تفوقا لافتا قبل أن تنقلب الكفة ضده في الأمتار الأخيرة من السباق.

كانت معركة عبأت لها الدولة إمكانيات دبلوماسية ومادية كبيرة لإنجاح وزير ثقافتها، لكن الجدل ثار حول الإنفاق الحكومي على الحملة المصرية. هذه نقطة يرد عليها فاروق حسني قائلا: "الدولة رصدت للحملة 27 مليون جنيه، ولم تكن كبيرة في مواجهة الإنفاق الضخم لمرشحي الدول الأخرى، ومع ذلك لم يتجاوز ما أنفقته منها تسعة ملايين جنيه فقط، على تذاكر السفر والإقامة لفريق الحملة، وأعدت بقية المبلغ للخزانة العامة".

ويلفت إلى أنه لم يحصل على دعم من رجال أعمال أو من جهات غير حكومية، ثم يكشف أن بعض هؤلاء عرضوا المساعدة بالفعل: "نجيب ساويرس قال لي: اللي إنت عاوزه، ومحمد أبو العينين قال: طائرتي الخاصة تحت أمرك في أي وقت".

بعد انتهاء المعركة، قرر فاروق حسني الاستقالة أيضا، ثم تراجع عنها بعد اتصالات يبدأها عادة رئيس الجمهورية. يروي الوزير الأسبق: "عقب إعلان نتيجة الانتخابات مباشرة اتصل بي الرئيس مبارك وقال: لقد شرفتنا وبذلت جهدا كبيرا، وحدثني – على غير العادة – جمال مبارك وقال لي: هذه نتيجة مشرفة للغاية"، ثم يشير إلى أن سوزان مبارك كانت ضد ترشحه من البداية، وقالت له ذلك صراحة.

اللافت في تجربة فاروق حسني مع الترشح لـ"اليونسكو" هو ما اكتشفه بعد نحو 10 سنوات على الحملة. يقول بعد كل هذا اللغط والمعارك البدلوماسية والإنفاق، في ما يشبه المراجعة: "الشيء الذي أدركته مؤخرا أننا كنا نلهث وراء قيمة كاذبة، لأنها منظمة مفلسة، وتعتمد على دعمها – ومن ثم توجهاتها – على أمريكا واليابان وألمانيا، لم تعد المنظمة كما كانت وقت إنشائها، وبعد تجربتي اكتشفت أنها لا تستحق الجري وراءها".