"المقايضة".. كلمة السر في إفراج بريطانيا المفاجئ عن شاحنة النفط الإيرانية
بعد نحو شهر ونصف الشهر من الشد والجذب
تارة بين لندن وحلفائها من جهة، وطهران من جهة أخرى، وتصاعد احتمالات الصدام بينهم
تارة أخرى، أتاحت المحكمة العليا في جبل طارق، لناقلة النفط الإيرانية المحتجزة
منذ مطلع يوليو الماضي بالمغادرة، بعد توقيفها للاشتباه بسعيها لتسليم حمولتها إلى
سورية، فيما طالبت الولايات المتحدة بتمديد احتجاز الشاحنة؛ لكونها مرتبطة بالحرس
الثوري الإيراني الذي تصنفه أمريكا منظمة إرهابية.
نقلت رويترز عن أحد صحافييها في جبل
طارق: "السفينة تحركت على ما يبدو وأخرجت دخاناً كثيفًا من مدخنتها مقارنة
بالأيام السابقة، لكن لم يتضح هل كانت الناقلة تتحرك بالفعل أم لا". ولفتت
الوكالة الدولية إلى أن بيانات "ريفينيتيف" – شركة تصدر معلومات عن
الجرائم المالية - لم تظهر أن السفينة تحركت.
بدوره، قال رئيس وزراء "جبل
طارق"، فابيان بيكاردو، لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي):
"الشاحنة بوسعها المغادرة بمجرد ترتيب الأمور اللوجيستية اللازمة لإبحار
سفينة بهذا الحجم إلى وجهتها المقبلة، من الممكن أن يكون ذلك اليوم أو غدا".
مؤكدًا أن الطلب الأمريكي، متروك لقرار المحكمة العليا في جبل طارق.
بينما تعتبر السلطات الإيرانية الإجراء
انتصارًا لدبلوماسيتها، وأنها لم تقدم أي ضمانات للإفراج عن الشاحنة، قال فابيان
بيكاردو إنه تلقى وعداً مكتوباً من طهران بعدم إرسال الشحنة وحجمها 2.1 مليون
برميل نفط إلى سورية، وأنها ملتزمة بالحظر الأوروبي.
إجراء مفاجئ
تعد الخطوة المفاجئة لسلطات جبل طارق
مثيرة للدهشة؛ ولا يمكن التعاطي معها إلا في سياق حرب تكسير العظام المشتعلة في
المنطقة حاليًا، بين أميركا وبريطانيا وحلفائهما من جهة، وإيران وحلفائها من جهة
أخرى. فبينما يريد المعسكر الغربي بقيادة واشنطن كبح جماح طهران في المنطقة،
وإيقافها عن سياسة الابتزاز التي تتبعها بورقة ملف الملاحة في مضيق هرمز، يدرك
الجميع التداعيات الخطرة جراء اشتعال المواجهات في مياه الخليج.
من جانبها، تدرك إيران مدى أهمية ورقة
الملاحة في مضيق هرمز، وكيف أنه ممر رئيس لعبور الطاقة إلى أوروبا؛ إذ يعبر من
المضيق يوميًا نحو 20 مليون برميل من النفط، تم استخراجها من الخليج، 80% منهم
يذهب إلى الدول الآسيوية، فيما يتم نقل الباقي إلى دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
وتتهم واشنطن طهران بممارسة أعمال
عدائية من شأنها إشعال التوتر في المضيق ذي الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية،
فضلًا عن إتهام إيران بزرع ألغام بحرية في المضيق ما ترتب عليه استهداف ناقلة نفط
أوروبية كانت تعبر المضيق خلال يوليو الماضي ما ألحق بها أضرار بالغة.
تهدد إيران بإغلاق المضيق، إذا ما
تعرضت لأية عمليات عدائية من الغرب أو الولايات المتحدة، ولا تملك إيران سلطة
إغلاق الممر البحري، إذ يعتبر المضيق وفق قانون الملاحة البحرية، "ممرًا
دوليًا"؛ تشترك الجمهورية الإسلامية وسلطنة عمان في إدارته، لذلك هو ليس
ممرًا تديره طهران وحدها حتى تملك قرار إغلاقه.
ويقع مضيق هرمز في منطقة الخليج العربي
فاصلًا ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط
الهندي من جهة أخرى، وتطل عليه من الشمال إيران وتحديدًا محافظة "بندر
عباس"، ومن الجنوب سلطنة عمان وتحديدًا محافظة "مسندم".
اللافت للانتباه، أنه على الرغم من أن
بريطانيا هي من بادرت بالتصعيد بتوقيف الشاحنة "جريس 1" في 4 يوليو، في
منطقة "جبل طارق"، الخاضعة لإدارتها، بمساعدة مفرزة من البحرية الملكية
البريطانية، إلا أن لندن المعروفة بحساباتها البرجماتية في سياستها الخارجية، كان
لابد أن لها أهدافًا تريد تحقيقها جراء تلك الخطوات. لكن يبدو أن ردة الفعل
الإيرانية كانت سببًا في عرقلة الخطط الإنجليزية المتفق عليها بلا شك مع واشنطن.
يبدو أن تباينات في الرؤى بين أميركا
وبريطانيا، ساهمت كذلك في عرقلة المخطط الغربي الرامي تنفيذه جراء خطوة توقيف
الشاحنة الإيرانية، فبينما سارعت الولايات المتحدة في الدعوة إلى تشكيل قوات لحفظ
أمن مياه الخليج، تحت قيادتها، رفضت لندن المقترح، وتحفظت على أن تكون جزء من قوات
تقودها واشنطن في الخليج، واشترطت على أن يكون حلف الناتو، من يتولى تلك المهمة
وليست اميركا.
خبير
الشؤون الدولية، الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أحمد السيد أحمد:
قال في تصريحات لـ"الرئيس نيوز": "القرار البريطاني لا يمكن تفهمه
إلا في سياق المقايضة مع الحكومة الإيرانية التي تحتجز حتى الآن سفينة إنجليزية
كانت تعبر "مضيق هرمز" بزعم أنها لم تلتزم بقواعد الملاحة البحرية، كما
أنه جزء من حملة ضغوط في الداخل البريطاني يرفض التماهي مع الإدارة الأمريكية في
مواقفها ضد إيران". وتابع: "يبدو أن رئيس الحكومة البريطانية الجديد
يوريس جونسون يريد إنهاء الأزمة مع حفظ ماء وجه بلاده".
ولفت خبير العلاقات الدولية إلى أن
لندن لم تكن تتوقع ردة الفعل الإيرانية العنيفة إزاء احتجاز سفينة "جريس
1"، وأن تعامل حكومة طهران أربك بلا شك الإدارة الإنجليزية. وقال: "لندن
رفضت ضمنيًا التعامل الأمريكي مع الأزمة، ورفضت الدخول في تحالفها العسكري الذي
دعا إليه وزير الخارجية مايك بومبيو، خاصة مع رفض فرنسا وألمانيا الدخول في
التحالف العسكري الأمريكي واستشعار بريطانيا أنها ستتورط وحدها مع أمريكا في
مواجهات ضد طهران لا يقدر أحد على توقع نتائجها".
وعن الأسباب الحقيقية لخطوة احتجاز
السفينة الإيرانية، قال خبير العلاقات الدولية: "لندن تتفق تمامًا مع واشنطن
في ضرورة لجم الانشطة الإيرانية في المنطقة، وأن رغبة بريطانيا في الحفاظ على
مخرجات الاتفاق النووي الذي ترفضه أمريكا لا يعني موافقتها على سياسات إيران
العدائية". وتابع: "بريطانيا تتفق أيضًا مع أمريكا في ضرورة استمرار
الضغط على طهران بتحجيم صادراتها النفطية".