"استعادة التوازن".. صندوق النقد الدولي يكشف عن مسار مصر بعد "برنامج الإصلاح"
نشر الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي تقريرًا قال فيه إن مصر قبل برنامج الإصلاح، نفذت مصر سياسات غير متناسقة للاقتصاد الكلي، ولكن بحلول عام 2016، ومع تراكم اختلالات كبيرة في أداء الاقتصاد المصري، كان للعجز الكبير في الميزانية والسياسة النقدية الفضفاضة وسعر الصرف الثابت أثر سلبي أدى لانخفاض كبير في احتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع معدلات التضخم وارتفاع مستويات الدين العام بشكل غير مستدام، وكان لابد اتخاذ قرارات صعبة لمواجهة انخفاض النمو وزيادة معدلات البطالة، وخاصة بين النساء والشباب.
ولفت تقرير الصندوق
إلى أن الأولوية العاجلة للبرنامج الذي أصرت الحكومة على تنفيذه انصبت على معالجة
هذه المشكلات واستعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتجنب تفاقم الأزمة.
على سبيل المثال، أدى
الانتقال إلى سعر صرف مرن للعملة المحلية إلى استعادة التوازن في سوق الصرف
الأجنبي، والقضاء على نقص النقد الأجنبي بشكل نهائي. إضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة
خطة طموحة مدتها ثلاث سنوات للحد من عجز الموازنة، والذي كان، بأكثر من 10 في
المائة من الناتج المحلي الإجمالي، من بين أعلى المعدلات في المنطقة. كما أنها
تشدد السياسة النقدية من خلال رفع أسعار الفائدة. كانت هذه تدابير حاسمة لخفض
الدين العام وحصته من الناتج المحلي الإجمالي والحد من التضخم.
ومن العناصر المهمة
الأخرى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، خفض دعم
الوقود واسع النطاق، والذي كان يشكل عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة للدولة،
وكان لهذا الدعم أثراً سلبيًا إضافيًا، حيث شجع على الاستهلاك المفرط وكان
الأغنياء يستفيدون منه أكثر بكثير من أولئك الذين يمتلكون سيارات عادية. وأدى
التخلص التدريجي من دعم الوقود إلى توفير مساحة أكبر في الميزانية للإنفاق
الاجتماعي الموجه بشكل أفضل، إضافة إلى المزيد من الاستثمار في الصحة والتعليم
والبنية التحتية العامة.
ولفت تقرير الصندوق
إلى أن الانتقال إلى نظام إنفاق اجتماعي حديث، يستلزم رفع مستوى برامج التحويلات
النقدية لمن هم في أمس الحاجة إليها. وأشار إلى أن توسعات برنامج تكافل وكرامة،
على سبيل المثال، شهدت تطورًا ملحوظًا، فقفز الرقم من حوالي 200000 اشرة مستفيدة
إلى 2.3 مليون اشرة مستفيدة، أو 10 ملايين شخص تم تحديدهم بعناية وتدقيق ممن
يحتاجون إلى المساعدة الاجتماعية. كانت هذه البرامج هي أنجع وسيلة لضمان ألا يتحمل
الفقراء تكاليف هذه التعديلات الاقتصادية. كانت السياسة الاجتماعية التي تتمحور
حول التكافل والكرامة ضرورية لتأمين الدعم العام للإصلاحات الأوسع التي تحتاجها
مصر لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد ووضع الأساس لنمو أعلى وأكثر شمولاً.
ما هي أهم إنجازات
البرنامج؟
حقق البرنامج هدفه
الرئيسي المتمثل في استقرار الاقتصاد الكلي، وهو شرط مسبق لجذب الاستثمار وزيادة
النمو وخلق فرص العمل. انخفض العجز في الحساب الجاري واحتياطيات النقد الأجنبي في
مستويات عالية على الإطلاق. انتعش النمو من حوالي 4 في المائة إلى 5.5 في المائة
الآن، ومن المتوقع أن يصل إلى 6 في المائة بحلول العام المقبل، بينما انخفضت
البطالة إلى أقل من 9 في المائة إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من 10 سنوات.
بدأ الدين العام في
الانخفاض وتراجع التضخم بشكل مطرد - على الطريق الصحيح للوصول إلى رقم واحد بحلول
العام المقبل. هذا يمهد الطريق لإصلاحات أوسع مثل تحسين مناخ الأعمال التي يمكن أن
تؤدي إلى زيادة الاستثمار في القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
ويرتبط الإنجاز الآخر
بالدوافع الأساسية للنمو والازدهار. على سبيل المثال، إصلاح دعم الوقود يصحح
الأسعار، لأنه عندما تبدأ الأسعار في عكس التكاليف بدقة، يتحسن الاقتصاد من خلال
تخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة. الحصول على أسعار نسبية لتعكس التكاليف يؤدي إلى
مزيد من الاستثمار الخاص في القطاعات التي تخلق المزيد من فرص العمل، بدلاً من
القطاعات كثيفة رأس المال التي تنتج وظائف قليلة نسبياً ولكنها تستفيد من دعم
الوقود. التغييرات الأخرى، بما في ذلك زيادة القدرة التنافسية، وإصلاح المشتريات
العامة، وزيادة شفافية الشركات المملوكة للدولة ستساعد على تحسين كفاءة وفعالية
الحكومة. ستعمل هذه الجهود أيضًا على تحديث الاقتصاد بحيث تصبح مصر لاعبًا أكبر في
النظام التجاري العالمي - مع إتاحة الفرصة للاستفادة من النمو العالمي وليس فقط
المحلي.
مع انتهاء برنامج
صندوق النقد الدولي، كيف ينبغي على مصر المضي قدمًا؟
أضاف تقرير الصندوق:
"نرى أولويتين تتحركان إلى الأمام. أولاً، تدعيم المكاسب التي تحققت بشق
الأنفس في تحقيق الاستقرار للاقتصاد. وثانياً، تسريع الإصلاحات لإطلاق إمكانات
الاقتصاد، وجعل القطاع الخاص محرك النمو.
في الممارسة العملية،
هذا يعني أن الوسادة الحالية لاحتياطيات النقد الأجنبي يتم الحفاظ عليها من خلال
الحفاظ على سعر صرف مرن. يجب أن يظل التضخم في تراجع مع الدين العام، مما سيخلق
مساحة أكبر للاستثمار في الصحة والتعليم والبنية التحتية العامة. الهدف الأوسع
لهذه الإصلاحات هو ضمان أن يصبح الاقتصاد أكثر توجهاً نحو السوق، حيث يصبح دور
الدولة أكثر تسهيلاً من كونه محركاً للنمو. في الواقع، تحتاج مصر إلى ما لا يقل عن
700000 وظيفة جديدة كل عام لاستيعاب شبابها وتزايد عدد السكان، وهذا يمكن أن يأتي
فقط بمشاركة فعالة من قبل القطاع الخاص.