الأربعاء 27 نوفمبر 2024 الموافق 25 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

رجال "الفترة الانتقالية".. 3 مدنيين استعان بهم "ضباط يوليو"

الرئيس نيوز

 

ـ سليمان حافظ.. رفض اصطحاب جمال سالم لمقابلة فاروق. و"حلف للملك بشرفه" فوقع وثيقة التنازل عن العرش

ـ علي ماهر.. شكل أول وزارة للثورة وتولى بها 3 وزارات.. وتأخير "الإصلاح الزراعي" أسرع بإقالته

ـ فتحي رضوان.. خرج من سجن الهايكستب إلى مجلس قيادة الثورة.. وحظى بتقدير واحترام عبد الناصر

 

يقوم الثوار بالثورة بينما يتولى الساسة والقانونيون المخضرمون تثبيتها في الحكم، فيما يسمى بـ"الفترة الانتقالية".

وبالنسبة لـ 23 يوليو"، فإن هناك عدداً من الأشخاص لعبوا أدوارًا مهمة في الساعات أو الأيام أو السنوات الأولى للثورة، ساهموا في أن تتحول من حركة مباركة إلى نظام يحكم ثم إلى ثورة مستقرة.

في السطور التالية يرصد "الرئيس نيوز" سيرة أبرز 3 رجال من خارج "الضباط الأحرار"، في "الفترة الانتقالية" لثورة يوليو، ما يمكن اعتبارهم "الظهير القانوني والتكنوقراطي والسياسي" للضباط الشباب.

 

سليمان حافظ.. حامل وثيقة التنازل

هو الرجل الذي ذهب منفردًا للملك فاروق وثيقة التنازل عن العرش في قصر رأس التين بالإسكندرية، يوم 26 يوليو 1952، في خطوة لم تكن سهلة على الكثيرين ليواجهوا حاكماً بأصعب قرار يتخذه في حياته.

كان سليمان حافظ إبان قيام ثورة يوليو وكيل مجلس الدولة، وهو منصب يتيح لصاحبه أن يصبح مستشارًا خاصًا لرئيس الحكومة، بغض النظر عن اسم رئيس الوزراء أو الحزب الذي يمثله.

بهذه الصفة الوظيفية كان "حافظ" أحد الساسة والقانونيين الذين تولوا المناقشات الخاصة بالفترة الانتقالية، وكيفية تسليم السلطة من الملك إلى الضباط الأحرار.

ويحكي سليمان حافظ في مذكراته "ذكرياتي مع الثورة"، كواليس تسليمه وثيقة التنازل للملك قائلا: "طلب جمال سالم أن يرافقني، ولكني أبيت إلا أن أؤدي هذه المهمة منفردا، فقد كنت حريصاً على أن تتم في يسر، وقد خشيت أن يكون في مصاحبة جمال لي ما يؤدي إلى تعقيد الأمور".

ثم يواصل القصة بعد أن دخل قصر رأس التين وانتظر فاروق: "لم يمض وقت طويل حتى رأيت فاروق يخرج متجها إلى المنضدة القائدة في وسط الصالة وهو عاري الرأس في حلة أميرال صيفية، وكان يسير مسرع الخطى، تأخذ بخناقه سعلة عصبية متواصلة. فاتجهت بدوري إلى المنضدة، والتقينا عندها حيث مد إلى يده فصافحته، ثم أخرجت الوثيقة التي كنت أجملها إليه من مظروفها وقدمتها إليه، فقرأها وسألني عن ديباجتها، فأخبرته أنها مستمدة من مقدمة الدستور، قم أعاد قراءتها متسائلا عما إذا كانت الصياغة على ما يجب أن تكون فأكدت له ذلك، فأخرج قلمه وقرأها مرة ثالثة كلمة كلمة، ثم قال: ألا يمكن أن تضاف بعد عبارة "بناء على إرادة الأمة" كلمة "وإرادتنا"؟".

ويستكمل سليمان حافظ حواره مع الملك، والذي اتسم بالرد الجاهز والواضح: "قلت: إن الصياغة في صورة أمر ملكي تنطوي على هذا المعنى. قال: فما الضرر إذن من الإضافة؟ قلت إننا لم ننته إلى صياغة الوثيقة على صورتها هذه إلا بصعوبة، لا تسمح بإدخال أي تعديل. قال إذن لقد كانت هناك وثيقة أخرى. قلت: نعم. فسألني عنها فأجبته بأنني لم أطلع عليها. قال: لعلك لا تريد ذكر شيء عنها لما قد يكون فيها من معان تجرح شعوري.. فأكدت له بشرفي أنني لم أطلع عليها. وعندئذ ذيل فاروق الوثيقة بتوقيعه".

 

علي ماهر.. رجل الملكية يشكل "حكومة العهد الجديد"

رغم غرتبه الأمر، فإنه في أوقات الثورات يجري الاستعانة بوجوه من العصر القديم لـ"تسيير الأمور"، نظراً لخبرتهم السياسية والإدارية بدولاب الدولة.

وفي حالة ثورة يوليو، كان علي ماهر هو رئيس الحكومة لحظة قيامها، لكن الرجل كان أكثر من مجرد رئيس وزراء هبت الحركة وهو في المنصب، إذ أن له تاريخ طويل مع الحكم الملكي في مصر، بداية من عمله مستشارًا خاصًا للملك فؤاد، قبل أن يتولى رعاية ابنه فاروق، الذي سيصبح ملكا بعد ذلك طوال 16 سنة.

لذلك، كان الأمر صعباً على "ماهر باشا" عندما كان شاهدًا على خروج ضباط يوليو على "مليكه"، من ناحية شخصية على الأقل، لكن الرجل السياسي المخضرم تعامل مع الأمر إجرائيًا بسرعة لافتة.

في اليوم التالي لقيام الثورة، 24 يوليو، تلقى علي ماهر تكليفًا بتشكيل وزارة جديدة، فوافق وبدأ في إجراءات التشكيل، و

ويكشف سليمان حافظ، الذي كان حلقة الوصل أيضاً بين الضباط وعلي ماهر، كواليس هذه الوزارة فيقول: "شكل علي ماهر وزارته على عجل إثر حركة الجيش وبناء على طلب زعمائها، ولم يكن يتوقع أن تتطور الحركة إلى انقلاب يطيح بفاروق عن العرش. وكان من بين أعضاء الوزارة عدد من صحبه المقربين إليه يلون من مناصبها الوزارات الكبيرة. ولم يستطع في عجلته أن يشغل جميع المناصب الوزارية، ومن ثم اضطلع بأعباء أخطر الوزارات شأنا، فخص نفسه بوزارات الداخلية والحربية والخارجية إلى جانب منصب الرياسة".

كانت العلاقة بين علي ماهر و"الحركة المباركة" باردة وبروتوكولية إلى أبعد حد، إذ لم تكن هناك مناقشات مباشرة بينه وبين الضباط، وكان "حافظ" هو الذي يتولى التواصل بينهما وعرض طلبات الثوار على رئيس الحكومة ثم عرض الرد عليهم، وهكذا.

شيئًا فشيئًا بدأت "الملاحظات" تظهر على أداء علي ماهر، وسليمان حافظ ينقلها إلى "صاحب المقام الرفيع"، وأغلبها متعلقة بضرورة إجراء تعديل وزاري على التشكيل، لكن تجاوب علي ماهر بدا بطيئًا، وما زاد الطين بلة هو تأخير إصدار قوانين الإصلاح الزراعي.

وفي 7 سبتمبر بدا أن صبر الضباط الشبان نفذ على الرجل، فأرسلوا منهم أنور السادات وجمال سالم، إلى علي ماهر، وطلبوا منه تقديم استقالته فاستقال، وكان هذا بناءً على اقتراح الاسم الثالث من أعمدة الفترة الانتقالية وصاحب التاريخ الأطوال مع ضباط يوليو.. فتحي رضوان.

 

فتحي رضوان.. من سجن الهايكستب إلى "قيادة الثورة"

في الليلة التي قامت فيها ثورة يوليو كان المحامي والسياسي فتحي رضوان قابعًا في سجن الهايكستب، معتقلا منذ حريق القاهرة في شهر يناير 1952، لكنه أفرج عنه على الفور بقرار من ضباط الثورة.

قبل ثورة يوليو اشتغل "رضوان" بالسياسة لنحو 20 عاما، إذ بدأ في حزب مصر الفتاة عام 1933، قبل أن ينضم للحزب الوطني الذي انشق عنه سنة 1944 ليؤسس "الحزب الوطني الجديد" على مبادئ مصطفى كامل ومحمد فريد.

كان فتحي رضوان مؤمناً بمبدأ "لا مفاوضات إلا بعد الجلاء"، وكان معارضا للملك فاروق الذي كانت تصله شخصيا أخبار "رضوان"، لدرجة أن "فاروق" لم ينس خلافه معه حتى بعد خروجه من مصر وإقامته في إيطاليا، ملكًا مطرودًا.

لم يكن فتحي رضوان يتذكر أنه التقى من أعضاء مجلس قيادة الثورة قبل 23 يوليو إلا أنور السادات، إذ ترافع عنه في قضية اغتيال أمين عثمان الشهيرة، عام 1944.

وفي كتابه "72 شهراً مع عبد الناصر" يحكي رضوان تفاصيل أول اجتماع له مع أعضاء مجلس قيادة الثورة في كوبري القبة، بعد أن التقى عبد الحكيم عامر وجمال سالم منفردين، وكيف أخذ يتأمل تلاحق الأحداث في مصر بين يوم وليلة.

يقول: "فيما أنا أدير هذه الذكريات في رأسي، إذ بشاب يرتدي ملابس طيار يقف أمامي ويحيينى بحرارة. ذكر لي اسمه وذكرني بأنه حضر اجتماعاً من اجتماعات حزبنا الحزب الوطني القديم، وأننا ذهبنا سويا بعد الاجتماع إلى دار جريدة الأخبار. استمعت لكل هذا ولم أكن أدري أنه أحد أعضاء مجلس القيادة حتى دخلت الى الحجرة التى اجتمع فيها أعضاء هذا المجلس ففوجئت بهذا الشاب جالسا مع زملائه أعضاء المجلس أنه عبد اللطيف البغدادي".

ثم فوجئ بأن يوسف صديق، عضو المجلس البارز، كان زميله في المدرسة الثانوية ببني سويف.

وفي إشارة إلى تواصل أجيال الحركة الوطنية المصرية، يقول فتحي رضوان: "اكتمل المجلس ورأيت نفسي بينهم، ورأيتهم جالسين مستعدين لسماع كلامي. أحسست بسعادة عميقة، فأنا مع الشبان الذين صنعوا الثورة، شبان صغار لا يكفون عن مداعبة بعضهم بعضا فتفيض وجوههم بِشرا، وتعلو هذ الوجوه إشراقة الشباب والفرح بالنجاح والثقة بالنفس".

ويضيف عن الضباط الشباب: "لقد ذكروني بالشباب الذي كان يؤلف اجتماعات الحزب الوطني الجديد واجتماعات مصر الفتاة من قبل. لقد سمِعونا سنوات كادت تكمل العشرين عاما من سنة 1933 حتى سنة 1952. وما كنا نظنه كلاما يذهب في الهواء ثبت أنه أثمر، فهؤلاء الشبان صدقوه وقرروا أن يحولوه الى واقع وحقيقة".

كان فتحي رضوان بمثابة المستشار الأول للثورة ولجمال عبد الناصر على وجه التحديد، وكان الضابط الذي قاد الحركة يكن له احتراما وتقديرًا لافتًا. ظهر هذا مثلًا في موافقة "ناصر" على تعيين أحمد حسن الباقوري وزيرًا للأوقاف في أول حكومة للثورة بناء على ترشيح "رضوان" رغم تفضيله لحسن عشماوي، الذي كان يعرفه شخصيًا.

كما أن "رضوان" هو من اقترح على مجلس قيادة الثورة إقالة على ماهر من الحكومة لأنه صاحب "عقلية ملكية"، ورشح لهم سليمان حافظ لرئاسة الحكومة، ووافقوا لولا رفض الأخير المنصب.

على مستوى المناصب، شغل فتحي رضوان منصب وزير الدولة في وزارة محمد نجيب ثم وزارة الإرشاد القومي التي أسسها، وخرج منها عام 1958، بسبب خلاف مع عبد الناصر، لكنه ظل مهتما وفاعلا في الشأن العام حتى الثمانينيات.