صحيفة غربية: هل يصلح الأزهر الشريف نفسه فعلاً .. أم يحاول كسب الوقت؟
كشف تقرير نشره موقع "يوراسيا
ريفيو"، أنه عندما زار البابا فرانسيس الأول مصر عام 2017 لتحفيز الحوار بين
الأديان، كشفت وسائل الإعلام الدولية عن حقل ألغام ديني وجيو- سياسي كان الأزهر في
قلبه، باعتباره أحد أقدم وأعرق مقاعد التعليم الإسلامي في العالم. الأمر الذي أكسب
زيارة البابا أهمية إضافية وسط اتهامات كثيرة للأزهر بالمسؤولية عن خطاب ديني سني
محافظ جدًا، يحتمل أن يخلق بيئة مواتية لتوليد الأفكار المتطرفة، وجاءت زيارة
البابا في الوقت الذي أصبح فيه الأزهر ساحة معركة لصراعات إقليمية أوسع ومحاولات
لاستغلال الدين في معارك سياسية.
في الوقت نفسه، كان كفاح الأزهر
مستمرًا للحفاظ على مكانته العلمية وسط تنافس مؤسسات التعليم الإسلامي في المملكة
العربية السعودية وتركيا والأردن، وكذلك في الجامعات الغربية المرموقة، لكن يبدو
أنه ـ فعلاً ـ يحاول كسب الوقت.
موقع "يوراسيا ريفيو" أشار
أيضاً إلى أن وضع أرض المعركة تغير في السنوات الأخيرة، مع دخول دولة الإمارات
العربية المتحدة والتعديلات الفكرية التي طرأت على المشهد السعودي، والمتمثلة في
نبذ الأفكار الوهابية برعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجهود الرئيس عبد
الفتاح السيسي منذ عام 2015 لحمل الأزهر على مراجعة مناهجه التي يتهمها المنتقدون
برعاية التطرف.
في كلمة ألقاها أمام مؤتمر السلام في
الأزهر، حثّ بابا الفاتيكان جمهوره على "قول لا! حازمة وواضحة لكافة أشكال
العنف والانتقام والكراهية التي تُنفذ باسم الدين أو باسم الله".
وسلط البابا الضوء على المعارك المعقدة
المتعددة التي يخوضها كثيرون باسم الإسلام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتشمل
هذه المعارك الجهود السعودية لإبعاد المتطرفين الأكثر تشددًا عن ساحة الفتوى؛
ومقاومة الإصلاح من قبل المحافظين المتطرفين الذين لم يعودوا يعتمدون على دعم
المملكة؛ والاختلافات بين المملكة العربية السعودية وبعض أقرب حلفائها العرب، مصر
والإمارات العربية المتحدة، في مناهجهم تجاه المحافظين المتطرفين ومعارضة التطرف.
لفت موقع يوراسيا ريفيو إلى تصريحات
الرئيس السيسي التي أكد فيها أنه "من المستحيل أن يدفع هذا النوع من التفكير
العالم بأسره إلى أن يصبح مصدر قلق وخطر وقتل ودمار لدرجة أننا نستعدي العالم
بأسره، من غير المتصور أن يقتل 1.5 مليار مسلم السبعة مليارات الآخرين في العالم
حتى يتمكنوا وحدهم من الحكم".
وأضاف السيسي منذ عام 2015 بأنه سيتقدم
بالشكوى إلى الله، إذا فشل علماء الأزهر في التصرف بناءً على طلبه للإصلاح. وقال
السيسي "إن الله سبحانه وتعالى شاهد يوم القيامة فيما يتعلق بما أتحدث عنه
الآن".
بعد عدة أشهر من حديثه أمام جمع مصري
ألماني، أكد السيسي، وهو معروف بأنه مسلم ملتزم، في مقال نشر في عام 2006 أنه لا
يمكن فهم الديمقراطية دون فهم خلافة الإنسان في الأرض، وقال الرئيس: "إن الله
جعلني طبيبًا لتشخيص المرض، والمشكلة، جعلني هكذا حتى أتمكن من رؤية وفهم الحالة
الحقيقية للأمور، إنها نعمة من الله".
كان أهم العوامل التي بني على أساسها
موقف السيسي من الأزهر العنف الشديد الذي ارتكبه تنظيم داعش بدعوى القربى من
الله؛ فليس من الممكن تصور دعم الكراهية
وإراقة الدماء كوسيلة للقربى من الله، وليس من الممكن أن تتضمن المناهج الدراسية
مثل هذه الأفكار، التي يوافق عليها العلماء الإسلاميون الذين يرتدون العمائم،
فللأسف يأتي التطرف أساسًا من بعض الكتب التراثية القديمة في الفقه الإسلامي التي
تحولت إلى نصوص مقدسة.
إسلام البحيري من منتقدي الأزهر في الآونة الأخيرة، سُجن
بسبب آرائه، قبل أن يصدر قرار بالعفو عنه فيما بعد، كان البحيري اتهم الأزهر بأنه
"جزء من المشكلة وليس الحل. لا يمكن أن يصلح نفسه لأنه إذا فعل الإصلاح نفسه
فسيفقد كل سلطته، الأزهر يقاتل من أجل بقائه وليس من أجل الدين نفسه ... إنهم
يريدونك أن تتبع الدين وفقًا لفهمهم".
ولفت التحليل إلى الاختلافات في الرأي
بين المحافظين المتطرفين من أعضاء هيئة التدريس في الأزهر وأولئك الأكثر استعداداً
لتلبية مطالب الإصلاح، على سبيل المثال انتقدت الدكتورة سعاد صالح، الباحث في
الشريعة الإسلامية والفقه المقارن والرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر، العام
الماضي فتوى أصدرها المفتي شوقي علام والذي أعفي المنتخب المصري من الصيام خلال
شهر رمضان في الفترة التي تسبق كأس العالم 2018.
قالت السيدة صالح إن فقط أولئك الذين
يسافرون لأسباب ترضي الله مثل كسب المال لإطعام الأسرة أو الدراسة أو نشر كلمة
الله قد تم إعفاؤهم من الصوم. وقالت الباحثة إن كرة القدم لم تندرج في هذه الفئة،
وتعد هذه الخلافات في الرأي الفقهي أبرز الأمثلة على الصراع الذي يواجهه الأزهر من
أجل تحقيق التوازن بين كتب التراث وبين معطيات الواقع المعاصر. وطوال الوقت، يؤكد
الأزهر أنه قام بمراجعة مناهجه الدراسية وتنقيتها وأنه يتعاون مع وزارة التعليم لمراجعة الكتب
المدرسية، وعلى الدوام يواجه بانتقادات مؤداها أن التنقيحات تجميلية بالدرجة
الأولى، ولا تتطرق للمسائل الأعلى حساسية مثل التكفير والأفكار المشوهة عن فريضة
الجهاد.