الصين "ترعب" إسرائيل.. استراتيجية "النوايا السياسية" تربك مخططات الاحتلال
تساءلت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في عددها الصادر اليوم: ماذا تريد الصين في مصر؟ أو السعودية؟ أو إيران أو باكستان؟ فهذا الشهر، ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية أن السعوديين يخططون لتطوير برنامج صاروخي بمساعدة التكنولوجيا الصينية.
لم يكن هذا هو التقرير
الأول عن الخطط السعودية - في أكتوبر نشرت صحيفة واشنطن بوست صوراً لمصنع صواريخ
بالقرب من الرياض. الأمر الذي لم يواجه إلا بتقطيب الجبين، تعبيرًا عن الدهشة من
قبل الكونجرس، الذي طالب البيت الأبيض بالرد على أسئلة حول المشروع وسط شكوك بأن
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يشارك هذه المعلومات الاستخباراتية مع المشرعين.
وقبل ذلك بأسابيع،
اندلعت عاصفة في الكونجرس بشأن قرار ترامب بتزويد الرياض بالتكنولوجيا النووية
للأغراض السلمية وتجاوز الكونجرس عن طريق بيع أسلحة تزيد قيمتها على 8 مليارات
دولار للسعوديين على الرغم من معارضة المشرعين. وقال ترامب إن هناك حالة طوارئ
بسبب التطورات المتعلقة بإيران، وهو وضع يمنحه سلطة التحايل على الكونجرس.
ربما كان هذا التفسير كافياً، لكن المملكة العربية السعودية، وهي حليفة لواشنطن، لديها أيضًا تحالف استراتيجي كامل مع الصين - وهو وضع مساوٍ لمكانة إيران، حيث استثمرت الصين حوالي 27 مليار دولار بين عامي 2005 و 2018 والتي وصلت تجارتها مع بكين إلى مبلغ مماثل في عام 2017. وهكذا، في حين أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل تحاول تضييق النفوذ الإيراني في المنطقة، لا يوجد بلد في الشرق الأوسط لا تشارك الصين في اقتصاده أو صناعته؛ إن الصين اليوم صارت لاعبًا مهمًا في إسرائيل وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر.
منذ أن تبنت الصين مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، بهدف تأمين سيطرة اقتصادية على المناطق وصولاً إلى البحر المتوسط، قسمت الشرق الأوسط (وشرق آسيا) إلى خمس فئات. وتشمل أهمها البلدان المعرّفة على أنها حلفاء استراتيجيون كاملون؛ تشمل هذه الفئة المملكة العربية السعودية وإيران ومصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة.
وتبنت ورقة عمل
السياسة الصينية حول أهدافها في الشرق الأوسط نهجًا ذا ثلاثة محاور، الأول هو
التعاون في مجال الطاقة والثاني هو وجود علاقات تجارية واستثمار في البنية التحتية
على هذا الأساس. يتكون المستوى الثالث من التعاون في التكنولوجيا الفائقة والصناعة
النووية والفضاء.
ولتشديد قبضتها على
دول الشرق الأوسط، وفقًا للصحيفة الإسرائيلية أسست الصين منتدى التعاون الصيني
العربي، الذي يعقد اجتماعًا سنويًا على مستوى السفراء. هذا المنتدى، الذي تأسس منذ
2004، ارتفع بسرعة على مدار العامين الماضيين، ليس فقط بسبب مبادرة الحزام
والطريق، ولكن أيضًا بفضل تقييم الصين بأن تحدياتها في الغرب، وخاصة الولايات
المتحدة، تتطلب منها إيجاد لبديل.
وفي إطار خطتها
الرئيسية، تخصص الصين الكثير من استثماراتها لبناء وتوسيع الموانئ، وبناء مجمعات
صناعية بالقرب من تلك الموانئ لإقامة روابط بين المصانع وطرق الشحن البحري.
استثمرت الصين مليارات الدولارات في تطوير قناة السويس والموانئ في سلطنة عمان
والإمارات العربية المتحدة والهند وباكستان والمملكة العربية السعودية.
ووفقًا لسياسة الصين
المعلنة صراحة، يتم إجراء هذه الاستثمارات دون نوايا سياسية ؛ إنها مجرد جهود من
أجل ازدهار الصين وشركائها.
إن إصرار الصين على
إخراج البعد السياسي من المعادلة، وتوسعها الاقتصادي غير المقيد، يتيح لبكين
القدرة على المناورة بين الصراعات دون إثارة النار من أي جانب. تتجنب هذه القوة
العظمى الضخمة والغنية حضور مؤتمرات القمة التي تهدف إلى إنهاء الحروب وحل
النزاعات. إنها ليست شريكا في الجهود الدبلوماسية في سوريا أو ليبيا، وليست لديها
رغبة في معالجة القضية الإسرائيلية - الفلسطينية، وليس لها على ما يبدو موقف من
النزاع بين الولايات المتحدة وروسيا.
لكن الصين ليست غائبة
عن هذه المنتديات. فما أن تمتلك الفرصة حتى تستفيد منها بسرعة البرق. لا يتم نشر
جنود صينيين في الشرق الأوسط، لكن الصين تضع شبكات اتصالات تتيح لها الوصول العميق
إلى جميع جوانب الحياة في هذه البلدان.
إنها تستخدم القوة
الناعمة عن طريق تطوير السياحة وتشجيع السياح على زيارة دول المنطقة - مما يعزز
اعتمادهم على الصين. تقوم بكين بمشروعات تعاون في التعليم والثقافة، بينما تصف
نفسها بالحياد دون أي أجندة سياسية.
هذه الصورة تزود الصين
بالدعم الشعبي في الدول العربية، التي يسود بين مواطنيها احتقار مغلف لأوربا
والولايات المتحدة أو يخشون التدخل الروسي في شؤونهم. لذلك اعتبرت الصحيفة
الإسرائيلية أنه سيكون من الخطأ اعتبار التوسع الاقتصادي الصيني خالياً من الرغبة
في التأثير السياسي.