"رحى الحرب" تطيح بالقمح السوري
عُقاب ذهبي اللون في وسطه ترس عربي منقوش عليه العلم الرسمي، وأسفل الترس هناك سنبلتان من القمح ترمزان إلى المحصول الأول في البلد. هذا هو شعار سوريا التي تتميز بطابعها الزراعي والذي يشكل حوالي 18% من الناتج الحلي حسب التقديرات لما قبل الحرب. ويعمل في قطاع الزراعة حوالي 900 ألف عامل، ويعد القمح ركيزة الاقتصاد السوري، وتاريخيا عرفت سوريا بأنها "مستودع القمح" في الإمبراطورية الرومانية القديمة.
تحاول الحكومة الحصول
على القمح من منطقة الجزيرة السورية التي أصبحت منطقة صراع للكثير حيث أطلق عليها
"معركة القمح"، وهو ما لا يقلّ أهمية عن المعركة التي تخوضها الأطراف
المتصارعة في المنطقة بحسب ما أشار إليه محمود الدولي فلاح من محافظة الحسكة في
تصريحه لـ "الرئيس نيوز" الذي أكد أنه رغم السعر المقبول المدفوع من قبل
الحكومة السورية لكيلو القمح إلا أن " الإدارة الذاتية " المسيطرة على
المنطقة تعرقل وصول محاصيلنا لمناطق
التسليم الخاضعة للجيش السوري، لكي تجبر الفلاحين على بيعهم بأسعار منخفضة، حيث تم
تخصيص أماكن تابعة لهم يتم تسليم القمح فيه وهي "ديرك والقامشلي والدرباسية،
رأس العين، القحطانية، المالكية"، ومن يرفض التعامل معهم يتم حرق محصوله دون
رحمة.
يمرّ موسم حصاد القمح في
سوريا هذا العام بأيامٍ حرجةٍ، إذ أطلق مزارعون ومعنيّون بالأمن الغذائيّ نداءات
تحذيرٍ بعد التهام الحرائق لآلاف الدونمات المزروعة، والتي تشكّل الضامن الوحيد
للمزارعين في تأمين معيشتهم طوال العام القادم، ومصدراً لـ50% على الأقلّ من
الاستهلاك المحليّ من القمح.
"أبو
خالد" من محافظة الحسكة، يعمل فلاحاً منذ 20 عاماً يقول لـ"الرئيس نيوز": كانت تجهيزاتنا الزراعية ومستلزماتنا متوفرةً
قبل الحرب، لكن بعدها أصبحت الحكومة تحاول التضييق علينا بالقرارات التي صدرت بحق
الفلاحين وعدم تأمين احتياجاتهم من المازوت، وبذلك علينا الاتجاه إلى السوق
السوداء ودفع الأضعاف وعدم استلام البذار "التقاوى" بشكل منتظم، مما خلق
نوع من التراجع الكبير بالمحاصيل، لتأتي نيران الحرب وتحرق جميع محاصيلنا
لتصبح أموالنا رماداً لأننا كفلاحين نضعها
جميعها في هذه الأرض، التي لم يبقَ لنا سواها لنعيش منها.
وليس "أبو خالد"
الوحيدَ الذي أحرقت مزرعته بسبب الإرهاب في المنطقة، بل يشترك "أبو أسعد"،
من مزارعي الرقة، في الكارثة، إذ كان نصيب محصوله الاحتراق بالطريقة نفسها، وهو يقول
لـ"الرئيس نيوز": من الصعب عليك أن تستوعب الأمر حرق مساحة تقدر بأكثر
من 400 دونمٍ،، نحن أناسٌ بسطاء نزرع لنأكل، نضع جهدنا على مدار السنة في زراعة
الأرض لكي نحصل في نهاية الموسم على بعض النقود. ثم، فجأةً، يتحوّل الموسم إلى
رماد! هذا أمرٌ لن يستطيع أحدٌ فهمه إلا المزارعون أمثالنا.
وبحسب "أبو أسعد"
فإنه مع بداية الأحداث في سوريا، عام 2011، لم تتأثر المحاصيل الزراعية والمزارع
كثيراً، ليبدأ التأثر الفعليّ في عامي 2013-2014، حين تعرّضت الزراعة لعدّة عوامل
أثرت على إنتاجها السنويّ وعلى المزارع وعلى الأهالي. فارتفاع أسعار المحروقات،
وارتفاع أجور اليد العاملة، وصعوبة التنقل والتسويق، وصعوبة الحصول على السماد
المناسب والمبيدات الحشرية، كلها عوامل أدّت إلى تقلص الإنتاج السنويّ.
ورغم المصيبة الكبيرة
التي حلت بالفلاحين، فإن الخطة الحكومية مستمرة بالتخطيط لمستويات إنتاج قمح
عالية، وتقدر في هذا العام بحوالي 1,8 مليون هكتار.
وقال مدير الإنتاج
النباتي بوزارة الزراعة المهندس عبد المعين قضماني في تصريح لموقع "الرئيس نيوز" أن
إجمالي المساحات المزروعة بمحصول القمح لهذا الموسم بلغت حتى الآن 1019010 هكتار
بنسبة تنفيذ 57% من الخطة المقررة، منها 427187 هكتار مروي و591823 هكتار بعل،
لافتاً أن أكبر نسبة في "إدلب" بلغت 91% رغم خروجها عن سيطرة الدولة،
على حين احتلت "الحسكة" المرتبة الأولى من جهة المساحة المزروعة لتصل
لـ421 ألف هكتار، تلتها "حلب" 158 ألفا، ثم "الرقة" 140 ألفا.
وأكد "قضماني"
أن تنفيذ الخطة الزراعية خلال سنوات الأزمة كان بنسبة تصل إلى أكثر من 90%، كما أن
كلاً من محافظات الرقة والحسكة ودير الزور وحلب أنتجت خلال الأزمة من القمح 80% من
إنتاج سوريا، بالرغم من كونها خارج السيطرة.
وأشار إلى أن خسائر
الفلاحين تجاوزت 3 مليارات ليرة سورية نتيجة الحرائق التي تتعرض لها المحاصيل
الزراعية، حيث التهمت النيران مساحة تقدر بـ 20 ألف هكتار في المنطقة الشمالية من
سوريا
وفي النهاية، يأمل السوريون
في إيجاد طريقة أو خطة مدروسة ومنفذة على أرض الواقع دون أن تدخل يد الفساد بها،
لإنقاذ ما تبقى من القمح السوري، الذي أنقذ خلال القرن الحالي المحصول الأمريكي
عندما شهدت أمريكا ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة، الأمر الذي ألقى بتأثيره
السلبي على محاصيل القمح وكاد أن يفتك به ويدمره بعد فشل محاولات عديدة لإنقاذه، ثم
جاء الحل من سوريا من خلال اكتشاف علماء أمريكيين بذور القمح السوري التي حققت الهدف لأنها الوحيدة التي لم
تصبها الآفات والحشرات من بين 20 ألف نوع آخر من النباتات تم تدميرها بسبب تلك
الآفات، وذلك في تجربة أجريت بحقل مغطى بولاية كنساس الأمريكية.