قصة "البستاني" الذي سرق 90 كيلو مجوهرات من أمير سعودي
في عام 1989 وبينما كان البستاني التايلاندي كرنكراي تيشمونج يعمل في قصر الأمير السعودي فيصل بن فهد، وقعت عيناه على كمية هائلة من المجوهرات التي كانت بحوزة الأمير، فخطط لسرقة بعضها ظناً منه أن الأمير لن يلحظ ذلك.
ووفق تقرير لموقع
"بي بي سي" أمس، بدأ البستاني بسرقة المجوهرات على دفعات، بينما كان
الأمير وأسرته في إجازة. وعند عودتهم، اكتشفوا اختفاء المجوهرات، وعلموا أن
البستاني هو من قام بذلك.
استطاع البستاني التسلل
إلى غرف النوم عند غياب أصحابها، ليسرق المجوهرات على دفعات كبيرة، ووصل مجموع ما
سرقه إلى 90 كيلو من القلادات والخواتم والأساور المصنوعة من الأحجار الكريمة
والذهب، والساعات المرصعة بالياقوت والألماس.
وتدهورت العلاقات جراء
هذه السرقة بين البلدين بسرعة نظراً لمكانة الأمير فيصل، إذ كان والده يتولى عرش
المملكة وقتها. وأصبحت القضية أشبه بمثلث برمودا، تبتلع كل من يقترب منها.
ومن بين المجوهرات
الثمينة التي سرقها، كانت هناك ماسة زرقاء باهظة الثمن ونادرة تتجاوز قيمتها 20
مليون دولار إلى جانب كميات من الياقوت والزمُرّد.
أرسل البستاني المسروقات
على دفعات إلى بلده قبل أن يأخذ الدفعة الأخيرة معه ويفر بها من السعودية.
ولم يمضِ وقت طويل حتى
علم الأمير وعائلته بفقدان بعض مجوهراتهم. فتواصلوا مع السلطات التايلاندية التي
وعدت بحل القضية بأقصى سرعة وإعادة المجوهرات إلى الأمير.
ألقت السلطات القبض على
البستاني واسترجعت منه المجوهرات وأعيدت للأمير وزُجَّ باللص في السجن لمدة خمس
سنوات.
لكن الأمير اكتشف أن 20%
فقط من المجوهرات التي أعيدت إليه حقيقية، أما الباقي فمزيفة.
حاولت تايلاند الحفاظ
على علاقات حسنة مع السعودية، فاستمرت في البحث خلف القضية، واُتهم مسؤول بارز
باختلاس بعض المجوهرات، وتم استردادها منه وأعيدت للأمير عام 1991، إلا أن الكمية
كانت صغيرة، ولم تكن الماسة الزرقاء من بين المجوهرات المستردة.
وباتت القضية أكثر
تعقيداً، بعد أن تم تهديد وخطف تاجر المجوهرات الذي اشترى المجوهرات المسروقة من
البستاني، وعُثر عليه لاحقاً مقتولا مع زوجته وابنه داخل سيارتهم. وسُجلت الجريمة ضد مجهول، إلا أن خبراء رجحوا أن يكون وراء ذلك مسؤولون
كبار في السلطة.
كما قُتل لاحقاً رجل
أعمال سعودي كان يجري تحقيقا خاصاً في القضية، فأرسلت السعودية أربعة دبلوماسيين
سعوديين إلى تايلاند للكشف عن حقيقة المجوهرات المزيفة التي أرسلت إليها، لكنهم لم
يستطيعوا فك اللغز.
أثارت القضية سخط
السعودية، فاتخذت إجراءات دبلوماسية ضد تايلاند منها خفض مستوى بعثتها الدبلوماسية
إلى أقل مستوى، وفقد مئات الآلاف من العمال التايلانديين وظائفهم في السعودية،
وعادوا إلى بلدهم وأوقف لفترة منح تأشيرات دخول للتايلانديين إلى المملكة.
وفي الوقت الذي كان
السعوديون مازالوا يبحثون عن مجوهراتهم المفقودة، ظهرت زوجات كبار المسؤولين
التايلانديين في مناسبات رسمية، وهن يرتدين بعض المجوهرات الجديدة التي كانت تشبه
كثيراً مجوهرات الأمير فيصل.
وكانت العاصمة
التايلاندية أشبه بمصيدة موت لكل من ساهم في البحث عن الحقيقة، إذ قتل في ظروف
غامضة كل من حاول الوصول إلى الحقيقة والكشف عن المستفيدين الحقيقيين من المجوهرات
المسروقة.
وقال السعوديون إن
ضباطاً تايلانديين كباراً لهم علاقة بالسرقة وعمليات القتل المتلاحقة للمحققين.
وتضاربت الآراء حول المشتبه بهم في عمليات القتل، إلا أن التحقيقات لم تحسم الأمر
وبقي اللصوص والقتلة مجهولين.
وفي عام 2015، اتهمت
السعودية خمسة من كبار الضباط التايلانديين بالتورط في عملية السرقة، ولكن لم تتم
إدانتهم بسبب عدم كفاية الأدلة.
وأدرج اسم رئيس الشرطة
التايلاندية سواسدى أمورنويوات، في قائمة المتهمين، واتهم بالدتخل مجرى التحقيق
وعرقلته من خلال الضغط على تاجر مجوهرات.
وتسببت القضية في خسارة
تايلاند لما يقارب 10 مليارات دولار سنوياً على مدار 20 عاماً بسبب منع المملكة
للعمالة التايلندية، وتراجع السياحة السعودية في تايلاند، ورغم كل ذلك مازال مصير
الماسة الزرقاء مجهولاً حتى الآن.
أُفرج عن السارق بعد
قضاء حوالي ثلاث سنوات في السجن من أصل خمسة عقب صدور عفو عنه لحسن سلوكه في السجن.
ثلاثون عاماً مضت على اندلاع حرب "الماسة الزرقاء" بين السعودية وتايلاند، على جبهات الاقتصاد والدبلوماسية، وقتل فيها 18 شخصاً بينهم أربعة سعوديين، أثناء محاولة فك خيوط هذه القضية التي لا تزال لغزاً كبيراً حتى هذه اللحظة.