مصر «الرقم الصعب» في معادلات غاز شرق المتوسط.. والمزاعم التركية لا تتوقف
لفت قرار تركيا بالتنقيب عن الغاز الطبيعي قبالة سواحل جنوب قبرص الانتباه مرة أخرى إلى منطقة شرق المتوسط، ما دفع عددًا من الوكالات الدولية والدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى تحذير تركيا صراحةً من عواقب أنشطة الحفر.
وبدورها، حذرت مصر
تركيا من بدء الحفر بالقرب من جنوب قبرص، وأكدت وزارة الخارجية إن ذلك "سيؤثر
على الأمن والاستقرار في شرق البحر المتوسط".
وقد أثار ذلك سؤالا
حول وجود أي احتمالات للمواجهة بين مصر وتركيا في شرق البحر المتوسط.
ورغم أي خلافات
أيديولوجية، فإن الحديث عن غاز المتوسط أمر مختلف تمامًا. فقد وقعت جمهورية قبرص
اتفاقية لترسيم مناطقها الاقتصادية الخالصة مع مصر في العام 2003. لكن تركيا تزعم أن
هذا الاتفاق يمثل "انتهاكًا للجرف القاري التركي"، ومن ثم لا تعترف
أنقرة بسيادة الإدارة القبرصية اليونانية على الجزيرة بأكملها، وبدلاً من ذلك،
تدعم إدارة الشق التركي في شمال قبرص، وتزعم أنقرة إن أي استغلال لاحتياطيات
الطاقة من قبل القبارصة اليونانيين سيحرم القبارصة الأتراك من حصتهم المشروعة في
الثروة المحتملة.
وقامت تركيا باستعراض
عضلاتها البحرية بمنع سفن المسح والحفر من دخول المنطقة التي تدعي أنها على الجرف
القاري والكتل المرخصة من قبل إدارة شمال قبرص. ومع ذلك، امتنعت القوات التركية عن
أي تدخل في أنشطة الحفر والتنقيب المصرية، ما يؤكد أن مصر نجحت في أن تصبح الرقم
الصعب في معادلات غاز المتوسط.
ونشرت صحيفة
"أحوال" التركية تصريحات "فاتوش سان"، الباحث في شؤون البحر
المتوسط بجامعة ليفكي الأوربية، الذي أكد أن "مصر هي الدولة الأكثر أهمية في
معادلة الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط بفضل بنيتها التحتية واحتياطياتها
المؤكدة من الغاز الطبيعي".
وأضاف "سان": "مصر أيضًا بلد
رئيسي في شبكة اصطلح المتخصصون على تسميتها الشبكة الدبلوماسية للكابلات الطاقة
وكابلات البيانات وخطوط الأنابيب، وبالتالي تتمتع بأهمية خاصة بالنسبة للقبارصة".
وتخطط الإدارة
القبرصية اليونانية لتصدير الغاز عبر مصر إلى السوق الأوروبية المتعطشة للطاقة.
وهذا من شأنه أن يوفر للاتحاد الأوروبي، الذي وقع بالفعل اتفاقًا مع مصر للتعاون
الاستراتيجي في مجال الطاقة منذ أكثر من عام أي في أبريل 2018 ، بديلاً طال
انتظاره للغاز الروسي.
يمكن أن تصبح مصر أيضًا
مصدرًا مهمًا للطاقة البديلة لتركيا، التي تعتمد حاليًا بشكل كبير على الغاز
الروسي والإيراني. قد تصبح الصادرات المصرية ذات أهمية خاصة بالنظر إلى العقوبات
الأمريكية ضد النفط والغاز الإيراني، فحصول تركيا على احتياجاتها من الطاقة من
إيران أصبح محفوفًا بالمخاطر في ظل العقوبات الأمريكية وإلغاء الإعفاءات وغير ذلك
من إجراءات "الضغط الأقصى التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وأشار سان إلى أن
تركيا بدأت في استيراد ما يعادل 3 في المائة من احتياجاتها السنوية من الغاز من
مصر في يناير 2019. وهذا يجعل أي حديث عن مواجهة بين تركيا ومصر أمرًا مستبعدًا.
وتعد مصر، واحدة من أكبر القوى العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتبدي حرصًا استثنائيًا على تحديث قواتها البحرية والجوية وتسليحها بسفن وطائرات وأسلحة ذات تكنولوجيا عالية سواء من الغرب أو من روسيا. كما تقوم ببناء قواعد بحرية جديدة.
وقال محمود جمال، الباحث في الشؤون العسكرية المصرية لصحيفة أحوال التركية: "الأمر لا علاقة له بتركيا وحدها، لكن مصر اتخذت خطوات جادة باتجاه التحول إلى قوة إقليمية ذات تأثير سياسي وعسكري في حوض المتوسط والشرق الأوسط، لذا تسعى القاهرة أيضًا للسيطرة على مناطق الاختصاص البحري لحماية سواحلها وتأمين مصادر الطاقة الحصرية".
ولفت جمال إلى تعزيز العلاقات العسكرية المصرية واليونانية
والقبرصية التي صارت أكثر إحكاما، حيث تم توقيع اتفاق أمني ثلاثي في عام 2015 ،
وبدأت الدول الثلاث في إجراء مناورات عسكرية مشتركة تعرف باسم ميدوسا، في نفس
العام.
وأضاف جمال، في إشارة
إلى اتفاقية عام 2015: "إذا واجهت أي من هذه الدول أي تهديد عسكري ، فسيتم
دعم هذا البلد من قبل الدول الأخرى في هذا التحالف ويمكنني القول أنه إذا تطورت
الحالة ووصلت إلى تصعيد عسكري بين تركيا وقبرص ، فإن مصر ستوفر الدعم العسكري
لقبرص، لكنها لن تتدخل مباشرة في أي صراع عسكري مع تركيا بحكم سياستها
واستراتيجيتها العسكرية الراسخة".
وصرحت الدكتورة
نيرفانا محمود، المحللة السياسية المصرية، للصحيفة التركية بأن احتمالات تفاقم
التحرش التركي بقبرص منخفضة بسبب عضوية قبرص في الاتحاد الأوروبي، فأي هجوم على
قبرص سيكون" قانونًا "هجومًا على الاتحاد الأوروبي. ولكن اتفاقية ترسيم
الحدود بين مصر واليونان، والتي كانت المحادثات تتقدم فيها بشكل مطرد خلال العام
الماضي، بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تطالب بها اليونان، والتي تضم جزرًا
مثل كاستيلوريزو وكريت، قد تعني أن القاهرة لا تعترف بولاية تركيا على مناطق واسعة
تقول أنقرة إنها تقع على الجرف القاري التركي، ولكن مع ذلك تعتقد نيرفانا أن
احتمالات أي مواجهة مصرية تركية موضوعها غاز المتوسط "منخفضة للغاية".