السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

رمضان في قصور الباشاوات: استئجار مؤذنين.. عزومات "حزبية".. وأبواب خلفية للفقراء

الرئيس نيوز

 - النحاس كان يدعو "الوفديين" فقط لمائدته.. محمد محمود يصوم رغم نصائح الأطباء.. ودروس دينية للأجانب في قصر "آل عبد الرازق"

 طقوس شهر رمضان تفرض نفسها على الجميع، لا فرق فيها بين وزير أو غفير، الكل يحيي ليالي الشهر ويعيش أجواءه كاملة.

هذا الكلام ينطبق على السياسيين مثلما ينطبق على البسطاء، وهي عادات شبه ثابتة، وتتغير مظاهرها بحسب المستوى المادي لكل شخص.. فكيف كان "الباشوات" أيام الملكية يحتفلون بهذا الشهر؟

في السطور التالية نستعرض كيف كان يقضي وزراء مصر وساستها أيام رمضان في منتصف الثلاثينيات، من خلال موضوع نُشر في مجلة "كل شيء والدينا" التي كانت تصدر عن دار الهلال في تلك الفترة، عدد 4 ديسمبر 1935.

نبدأ من زعيم حزب الوفد، مصطفى النحاس باشا، الذي تشير المجلة إلى أنه "يؤدي فريضة الصيام من سن السابعة". في رمضان كان "النحاس" يدعو على مائدته كل ليلة ثلاثين ضيفا من حزب الوفد فقط، يختارهم على التوالي كالتالي: من بين الأعضاء الوفد، الهيئة الوفدية، نقابة المحامين، لجان الحزب، ثم شبابه.

أما محمد محمود باشا، الذي كان رئيس الحكومة آنذاك، والرجل المعروف بسياسة "القبضة الحديدية"،  وعلي معالي ماهر باشا، رئيس الديوان الملكي آنذاك، فكلاهما كان "يتبع نظاما صحيا خاصا، وعلى الرغم من أن أطباءهما يشيرون عليهما بعدم الصيام فإنهما يجدان في الصيام صحة وشفاء".

في الحكومة، كان لرئيسها في ذلك الوقت توفيق نسيم باشا، طقوس رمضانية خاصة، ينفرد بها مع عدد من الوزراء والسياسيين، مثل عبد العزيز فهمي باشا ومحمد علي علوبة باشا وتوفيق عبد الله باشا وعبد العزيز محمد بك، إذ وصفتهم المجلة بأنهم "الأكثر احتفالا بشهر رمضان".

كان هؤلاء يختارون مقرئين ويدفعون لهم نظير إحياء سهرات تلاوة دائمة في قصورهم ومنازلهم، يجتمع فيها كبار رجال الدولة لسماع آي الذكر الحكيم.

وعلى خلافهم، يأتي محمود فهمي القيسي باشا، وزيرًا الدفاع الوطني في وزارة حسن صبري، وحلمي عيسى باشا وزير المعارف ثم العدل، إذ "يكتفون بسماع القرآن في الراديو"، إذ كانوا يفضلون سماع مقرئ شهير في الراديو على مقرئ "درجة ثانية" بشخصه.

على عكسهم تماما، كان القطب الوفدي حفني الطرزي باشا يختار أحسن المقرئين لتلاوة القرآن في قصره، وغالبًا ما كان الشيخ علي محمود، ذائع الشهرة آنذاك.

وكان "الطرزي" يعين من أول الشهر مؤذنا يؤذن في العصر والمغرب والعشاء، في قصره بشارع الملكة نازلي (رمسيس حاليًا)، والذي كان يقصده يوميًا جمع من أصدقائه، بينما تُعد للفقراء والمعوزين كل ليلة موائد للإفطار والسحور.

نفس هذا النظام كان يتبعه أحمد مصطفى عمرو باشا، وهو أحد أعيان أسيوط، وتنقل المجلة أن قصره في القصر العيني كان يجتمع حوله في ساعة المغرب عدد كبير من الفقراء، بخلاف الرواتب والتعيينات التي يتصدق بها على بعض المعوزين في بيوتهم.

وفي أجواء أكثر احتفالا بالشهر، كان منزل "آل عبد الرازق"، والمقصود بهم الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الأزهر في الأربعينيات، وشقيقه علي عبد الرازق، صاحب الكتاب الشهير "الإسلام وأصول الحكم"، أشبه بصحن من صحون الأزهر، يؤمه العلماء ورجال الدي فيتسامرون ويتباحثون، بحسب وصف المجلة.

وتشير المجلة إلى أنه "كثيرا ما يدعى إلى قصرهم بعض الأجانب ليتعرفوا ناحية من نواحي فرائض الدين الإسلامي وحكمة التشريع"، إلى جانب أنه كان "للقصر باب خلفي لتوزيع أرغفة العيش واللحم على أكبر عدد ممكن من المحتاجين".

وعلى غرار "النحاس" باشا، كان "آل عبد الرازق" يقسمون "عزومات" ليالي رمضان بـ"القسطاس المستقيم" الذي يعكس أيضا ميزان القوى السياسية والاتجاهات الحزبية، فيخصصون ليلة لهيئة كبار العلماء، وأخرى لأقطاب حزب الأحرار الدستوريين، وثالثة لأساتذة الجامعة من مصريين وأجانب، ثم رجال جريدة السياسة، وهكذا حتى نهاية رمضان.