كتاب يُباع في لندن يعد "الانتحاريين" بـ500 زوجة في الجنة.. و4000 "حور عين"
عندما اقترب الكسندر الثاني، قيصر روسيا، في عربته المصفحة قاب قوسين أو أدنى من زاوية أحد شوارع سان بطرسبرج الثلجية، ألقيت أول عبوة ناسفة مزودة بالبارود لأول مرة في التاريخ تحت حوافر الخيول.
وكان وزن القنبلة لا يتجاوز 5 أرطال، وكان نطاق انفجارها مترًا
واحدًا، لكنها حطمت العربة، مما أدى إلى مقتل صبي صغير وأحد مرافقي القيصر، ولكن
القيصر نفسه خرج من عربته المنكوبة سالما، ونصحه مرافقوه بمغادرة المكان فورا.
ومع ذلك، اختار القيصر ألكسندر الثاني وهو رجل نجا حتى تلك اللحظة من
ثماني محاولات اغتيال، البقاء بدلاً من ذلك في مكان الحادث. فكان قراره خطأ قاتلا.
فقد تقدم أول انتحاري في التاريخ ويدعى "إيجناتي جرينيفيتسكي"، إلى
الأمام عبر الحشد المضطرب بسبب الانفجار الأول، إلى حيث كان القيصر واقفًا، وصاح:
"يجب أن يموت ألسكندر الثاني"، وكان قد كتب قبل أقل من 24 ساعة.
"سيموت، ومعه، نحن، أعداؤه، الجلادون، سنموت أيضًا ... لن أرى النصر، لن أعيش
يومًا، بل لن أعيش ساعة واحدة في النهار المشرق لانتصارنا".
وبعد أن نفذ الانتحاري عمليته، وعندما انقشع الدخان، شوهدت جثة القيصر
ملقاة على الأرض، كانت ساقاه الممزقتان تنزفان الدماء، وبرزت أحشاؤه المفتتة، فقد
مات في غضون دقائق من التفجير الانتحاري، كما مات القاتل، الذي أصيب بجروح بالغة،
في وقت لاحق من ذلك اليوم أيضا.
كان ذلك في الأول من مارس عام 1881، حيث بدأ لحظتها عصر الانتحاريين،
ولم ينته بمقتل أكثر من 250 شخصًا في سريلانكا يوم الأحد صبيحة عيد الفصح من العام
الجاري 2019.
وفي دراسته لظاهرة الانتحاريين"، التي اختار لها عنوان" ثمن
الجنة"، استكشف الصحفي الاستقصائي والمؤلف "إيان أوفرتون" تطور
التفجيرات الانتحارية منذ الانتحاري الأول، وهو العضو البالغ من العمر 25 عامًا في
المنظمة السياسية الثورية التي كانت تعرف باسم (إرادة الشعب)، فجر نفسه ليحصد حياة
أقوى رجل في روسيا.
وكانت تلك الواقعة مجرد حلقة واحدة من آلاف التفجيرات وبعد 138 عامًا،
أصبح المهاجم الانتحاري تهديدًا محوريًا في عالمنا المعاصر، ولغزًا توقف أمامه
طويلاً خبراء مكافحة الإرهاب، وهاجسًا لا يهيمن على مخاوف المجتمعات الغربية فحسب،
بل يؤثر أيضًا على الطريقة التي نخوض بها حروبنا والوسائل التي نختارها لحماية
دولنا ونحرص على سن التشريعات الأمنية للتصدي له.
وقبل الهجمات الانتحارية التي وقعت في باريس في نوفمبر 2015، على سبيل
المثال، كان رد فعل الجمهور البريطاني تجاه طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى أوروبا
إيجابيًا إلى حد كبير. ولكن بعد أسابيع من هجوم "باتاكلان"، قال 44% من
البريطانيين الذين شملهم الاستطلاع إن على المملكة المتحدة إغلاق حدودها بالكامل
أمام اللاجئين.
ومع وجود جذور عميقة للممارسة القاتلة في أيديولوجيات الحركات القاتلة
القديمة التي يكون أعضاؤها مستعدون للموت أثناء مهمتهم، أخذ نموذج المفجر
الانتحاري الأمور إلى أقصى الحدود. ربما كان من المتوقع أن يموت المقاتلون
التقليديون الذين يحملون البنادق والرشاشات أو المسدسات ولكنهم يأملون في العيش.
لكن بالنسبة للمفجر الانتحاري، الذي مكّنه اختراع ألفريد نوبل للديناميت، فإن
الموت جزء أساسيًا من عمليته.
كانت الآثار المدمرة للإرهاب محسوسة بدرجة أكبر منذ 11 سبتمبر 2001
عندما اصطدم 19 مهاجما انتحاريا بأهداف في الولايات المتحدة باستخدام الطائرات
كقنابل، في عملية هزت العالم نفسيًا بدون أدنى مبالغة. وكان تدمير البرجين
التوأمين أكثر أحداث الموت الجماعي شهرة على الإطلاق.
وأسفرت الهجمات التي وقعت في ذلك اليوم عن مقتل ما يقرب من 3 آلاف
شخص، وبدأت حرب لم تنته منذ 18 عامًا على الإرهاب شكّلت السياسة الخارجية الغربية
أكثر من أي حدث آخر منذ غزو ألمانيا لبولندا عام 1939.
كما أن وتيرة التفجيرات الانتحارية قد ازدادت بشكل كبير منذ ذلك
الحين، حيث تنبهت الجماعات الإرهابية للقوة الهائلة التي يشكلها المهاجمون الذين
لا يخافون من الموت، وبالتالي فهم قادرون على تحدي احتكار أجهزة الأمن للفعل
الكبير.
ولفت "أوفرتون" إلى أنه في عام 1976 لم تكن هناك هجمات
انتحارية، ولكن في عام 2016، وقع 469 هجومًا في 28 دولة.
ويصف كتاب "ثمن الجنة" بكل وضوح الموقف المضطرب الذي تتعرض
له أقدم الديمقراطيات في العالم، بين رغبتها في الحفاظ على الحريات المدنية
والحاجة لتأمين شعوبها من مثل هذه الهجمات.
وتعج وسائل الإعلام بمعالجات ترسم صورة للانتحاريين على أنهم مجرد
"خاسرين" معيبي الفكر والتقدير، في مقابل الرواية الإرهابية لأسطورة
التضحية والإيثار، وتتشابه المعالجات المتضادة منذ نفذ الروسي
"جرينيفيتسكي" اغتيال القيصر في عام 1881 وحتى نفذ "سلمان
عابدي"، تفجير مانشستر، وكان يبلغ من العمر 22 عامًا حين قتل 22 شخصًا.
ويشبه الصحفي الأمر بإطلاق العنان لما يسميه "شيطان داخلي"،
ولكنه يقر بأن "عابدي" حالة مختلفة، فقد أقدم على تنفيذ العملية
الانتحارية مدفوعًا بتراث الجماعات الإرهابية السنية التي تسلط الضوء لأتباعها على
التضحية بالنفس وتربيهم على المبادئ الجهادية وتوهمهم بأنها منحتهم مفاتيح الجنة.
في المقابل، اغتال "جرينيفيتسكي" القيصر بناء على الاعتقاد بأنه بعد
موته سيترك العالم مكانًا أفضل، في حين فجر "عبيدي" نفسه لكي ينتقل من
هذا العالم إلى حيث يقيم الشهداء، معتقدًا بأنه سيذهب إلى الجنة.
ونوه الصحفي إلى أن الإحباط الجنسي لعب دورًا أيضًا في تكوين
الانتحاريين، لأنهم في العادة رجال مسلمين محافظين، يقدمون على فعلتهم بناء على
الروايات التي تغريهم بـ"الحور العين"، أي أنه يفجر نفسه بينما يمنيها
بالفور بـ72 من العذارى السماويات. ودأب شيوخ الجهاديين على الإعلان عن مكافأة
كبرى تتمثل في الفوز بعرائس الجنة.
نشر كتاب "عرائس
الجنة" لأول مرة في باكستان ولكن يباع الآن في المملكة المتحدة ويمكن الحصول
على نسخة منه بأحد متاجر مدينة "ليستر" البريطانية، وهو يمني الجهاديين
بنحو 500 زوجة و4000 من العذارى و8000 من الثيبات، ويوهم هذا الكتاب الشباب بأن
تمتعهم بالثيبات والأبكار يبدأ منذ لحظة وفاة الانتحاري، حيث تندفع كل امرأة نحوه
"كالأم التي عثرت على طفلها المفقود
في أرض جرداء".