الدستورية العليا: بطلان لجان التحكيم بقانون تجارة القطن
قضت المحكمة الدستورية العليا، خلال
جلستها اليوم السبت، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، بعدم دستورية نصوص
المواد (28 ، 29، 30، 31، 32) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل، الصادر
بالقانون رقم 210 لسنة 1994، ونص الفقرة الأخيرة من المادة (4)، ونص المادة (10)
من لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة
1994، كما قضت أيضاً بسقوط نصي المادتين (33، 34)، ونص الفقرة الأخيرة من المادة
(35) من القانون المشار إليه، وعبارة "ولجنة التحكيم" الواردة بنص
المادة (44) من هذا القانون، وعبارة "بالتعويض الذى تقدره لجان التصالح
والتحكيم المختصة" الواردة بنص المادة (15) من لائحته التنفيذية الصادرة
بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 389 لسنة 1994.
وأقامت المحكمة حكمها في الدعوى رقم 68
لسنة 40 قضائية دستورية، على سند من أن
الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على مُحكم من الأغيار، يُعيَّن
باختيارهما أو بتفويض منها أو على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك
النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبهة الممالأة، مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر
الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره
تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم
إجباريًّا يذعن إليه أحد الطرفين، إنفاذًا لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق
على خلافها.
حيث إن البيّن من استقراء نص المادة
(29) من قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل المشار إليه، أنه قد أسند للجنة
التصالح دون غيرها، الاختصاص الحصري بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأعضاء
بشأن معاملاتهم القطنية، كما أن نص المادة (28) قد جعل تشكيل هذه اللجنة سنويًا
بكل محافظة منتجة للقطن، وذلك بقرار من رئيس اللجنة العامة، ويتولى رئاسة تلك
اللجنة مدير مكتب اللجنة العامة بالمحافظة، وعضوية ممثل واحد عن كل التجار
المقيدين والمنتجين، واثنين عن هيئة تحكيم واختبارات القطن، تختارهم اللجنة
العامة، وتتصل هذه اللجنة بتلك المنازعات – على نحو ما بنيته المادة (30) من هذا
القانون والمادة (10) من لائحته التنفيذية – بطلب يقدم إلى مكتب اللجنة العامة
بالمحافظة، يتضمن بيانًا مفصلاً لموضوع
النزاع، ولو تقدم به أحد طرفى النزاع بمفرده، وعلى مكتب اللجنة العامة بالمحافظة
–وفقًا لنص المادة (30) من القانون المشار إليه- أن يحيل النزاع إلى لجنة التصالح،
ويدعوها للاجتماع فى موعد غايته أسبوع، من تاريخ تقديم الطلب إليه، وتصدر قراراتها
بأغلبية الأصوات، فإذا لم يعترض الطرفان أو أحدهما عليها أصبحت نهائية. كما أسند
نص المادة (31) من هذا القانون إلى لجنة تحكيم بالإسكندرية، الاختصاص الحصري بنظر
النزاع، في حالة الاعتراض على قرارات لجنة التصالح.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النصوص
المُحالة، تكون قد فرضت التحكيم قهرًا على أصحاب الشأن، وخلعت قوة تنفيذية على
القرارات التي تصدرها لجان التحكيم في حقهم عند وقوع النزاع بشأن معاملاتهم
القطنية، وبهذه المثابة فإن هذا النوع من التحكيم – الذى يبسط مظلته على كل
المنازعات بين المشتغلين في تجارة القطن في الداخل بشأن معاملاتهم القطنية، والتي
يحظر على أي شخص طبيعي أو اعتباري مزاولتها ما لم يكن اسمه مُقيدًا في السجل الذى
يعد لهذا الغرض - يكون منافيًا للأصل فيه، باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة
الحرة، ولا يجوز إجراءه تسلطًا وكرهًا، بما مؤداه أن اختصاص جهة التحكيم بدرجتيها،
التي أنشأتها النصوص المحالة لنظر المنازعات التي أدخلها جبرًا، في ولايتها يكون
منتحلاً، ومنطويًا بالضرورة على إخلال بحق التقاضي، وحرمانًا للمتداعين من اللجوء
إلى قاضيهم الطبيعي، بالمخالفة لنص المادة (97) من الدستور، ومنعدمًا بالتالي من
زاوية دستورية.