الثلاثاء 05 نوفمبر 2024 الموافق 03 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

جمال عبد الجواد يكتب: العاصمة الإدارية.. احتفاء وتحفظات

الرئيس نيوز

المباني في مصر كثيرة ومغلقة، لكنَّ المدن في مصر قليلة ومكدسة، كلما ازدحمت مدننا تعذرت إدارتها، بدءًا من جمع القمامة، وانتهاء بتوفير الأمن، المدن الجديدة هي المخرج من الكارثة الحضرية في مصر، على أن تكون مدنُنا الجديدة بعيدة عن الوادي والدلتا، اللذين كاد التكدس السكاني والمعماري يخنقهما، وبحيث تُسهم كل مدينة جديدة بإضافة جديدة للمساحة المأهولة من أرض بلادي، ولأن كل هذه الشروط تتوفر في العاصمة الإدارية، فهي مشروع يستحق الاحتفاء.

تصميم العاصمة الإدارية ينقل مفهوم المدينة في مصر إلى مستوى جديد تمامًا، العاصمة الإدارية ليست مجرد مساحة أرض تم تخطيطها وتقسيمها وتحويلها إلى عمارات سكنية، كما هو الحال في المدن الجديدة التي نبنيها منذ السبعينيات، العاصمة الإدارية يقف وراءها تصورٌ غير تقليدي للوظائف المطلوب من المدينة القيام بها، فبالإضافة لوزارات الحكومة التي ستنقل إلى هناك، هناك أيضًا مراكز التعليم والثقافة المتمثلة في الجامعات والأوبرا، فنحن إذًا أمام إضافة مركز إداري وثقافي جديد يضاف لمصر.

العاصمة الإدارية تم تخطيطها بنظرة مستقبلية، تأخذ احتياجات الناس وتغيرات العصر في الحسبان، فلا نأتي بعد فترة ونقول التعليق المعتاد: “كان لازم يعملوا حسابهم في مرحلة التخطيط”، يسري هذا على الطرق الواسعة، وعلى شبكات المرافق، والمساحات الخضراء، كما يسري على شبكات الاتصال والإدارة الرقمية المتطورة، وشبكة الطرق والمواصلات العامة التي تربط المدينة الجديدة بالمراكز الحضرية القريبة منها.

لم يتم تصميم العاصمة الإدارية لتصبح مكانًا يسكن ويعمل فيه البعض منا، ولكن تم تصميمها لتكون مكانًا نفخر به وبالمصريين الذين بنوه، فنتحدث باعتزاز عن أنفسنا وعن شيء ينتمي لنا، وعن انتمائنا الوطني أيضا.

الاحتفاء بالعاصمة الإدارية لا يلغي التساؤلات، ما يتم بناؤه هو مدينة جديدة جميلة، وهذا شيء رائع وينسجم مع احتياجاتنا، لكن تسمية هذه المدينة بالعاصمة يثير التحفظ، فالبلد له عاصمة معروفة هي القاهرة، ويجب أن تظل كذلك، حتى لو نقلنا مقر الرئاسة والبرلمان والوزارات لضاحية بعيدة، فالقاهرة ليست مجرد مدينة عادية، ولكنها مدينة تكتنز جزءًا كبيرًا من تاريخ مصر والمنطقة، فأصبحت علامة تجارية على مصر، فلماذا نفرط في الرمز والعلامة التجارية، فيما الآخرون ينفقون المليارات من أجل اصطناع علامات تميزهم.

لنطلق على المدينة الجاري بناؤها ما نحب من أسماء، إلا أن نسميها عاصمة، أما ونحن نختار للمدينة الجديدة اسما، فعلينا تجنب الكليشيهات المنتزعة من موضوعات تعبير تلاميذ الإعدادي، من عينة النور والمستقبل والشمس.

وعلينا أيضا تجنب التسميات البيروقراطية، من عينة الإداري والتجمع والمجاورة، التسميات ذات الطابع السياسي هي أيضًا واجبة التجنب، فالسياسة تفرق ولا توحد، وهي متغيرة، والآراء بشأنها تتقلب، فيما المدينة الجديدة يتم بناؤها لتعيش في المستقبل البعيد، لدينا تاريخ طويل، وربما لو استعرنا منه “طيبة”، أحد أسماء عاصمة مصر القديمة، لكان في هذا فأل بازدهار المدينة الجديدة كما ازدهرت طيبة في عصرها.
نقلا عن مصراوي