مارجو حداد تكتب: سيكولوجيا الخوف من الوعي.. هل أخطأت منى زكي في تحذيرها من “لام شمسية”؟

قد آن للقول أن يُسبَك سبكًا، وأن يُقال قولٌ لا يُخشى فيه اللوم، إذ خرجت منى زكي بحديثٍ يستنكر ملاءمةَ عملٍ دراميٍّ للأطفال، وإن كان في صناعته مُتقنًا، وفي منطقه محكمًا، وفي طرحه ذكاءٌ يرقى عن الابتذال.
فلم يكن من الخدش نصيب، ولم يكن من الإسفاف أثر، بل كان أدبًا صِيغ بمداد الفطنة، وأخرجته عقولٌ تعلم كيف يُشاد البناء، وكيف تُصاغ الفكرة لتحاكي الوجدان دون أن تمسّ النقاء.
أين يقف الطفل في معترك الوعي؟
لا يُدرَك وعي الطفل إلا بإدراك ما يُكوّنه، فإن قيل إن الطفل صفحةٌ بيضاء، فذلك جهلٌ بمكنون النفس، وإن قيل إنه كيانٌ مكتملٌ منذ الولادة، فذلك غفلةٌ عن أثر التربية والتجربة.
يرى علماء النفس أن الوعي الطفولي ليس سكونًا، بل حركةٌ بين الفطرة والاكتساب.
• جان بياجيه، وهو من كبار منظّري علم النفس المعرفي، يرى أن الطفل يعبُر مراحلَ ذهنيةً تتدرج من المحسوس إلى المجرد، وأنه لا يعي المعنى العميق إلا ببلوغ مستوى تجريديٍّ يقتضي نموًّا ذهنيًّا معينًا.
• سيغموند فرويد أرسى دعائم فهم التراكم اللاواعي، حيث يخزّن الطفل انطباعاته الأولى لتُشكّل مستقبله النفسي.
فإن كان الطفل متلقّيًا، أفليس واجبًا أن يُقدَّم له المحتوى الذي يرقى بفكره، ويهذّب وجدانه، دون أن يُعزَل عن قضايا مجتمعه؟ فإن كان العمل الدرامي لا يورث فسقًا، ولا يُنبت رذيلة، وكان منهجه قائمًا على الحرفة والذكاء، فما الضرر أن يطّلع عليه الصغير بعين الفكر لا بعين الغريزة؟
المدرسة والدراما: أيّهما يصنع الوعي؟
يُلقَّن الطفل في المدارس نصوصًا تنطوي على أعمق قضايا الوجود، فهل مُنِعَت عنه الفلسفة لأنها تثير الأسئلة؟ وهل حُجِبَت عنه الأدبيات لأنها تحوي نماذج إنسانيةً بمختلف صورها؟ إن التربية الحقّة لا تكمن في الحجب، بل في التوجيه.
لو تأملنا مناهج الأطفال، لوجدنا أن الأدب فيها يحكي الحرب والسلام، والحبّ والصراع، والخيرَ والشرَّ، فكيف يُستكثر على دراما ناضجةٍ أن تخاطبهم بأسلوبٍ لا ينحدر إلى الإسفاف؟
الطفل ليس كائنًا هشًّا بل عقلٌ ينمو
أن يُمنع الطفل من التعرض لأعمالٍ ذات قيمةٍ فنيةٍ بحجة أنها غير مناسبةٍ لعمره، دون تفريقٍ بين الطرح الرخيص والطرح الراقي، فتلك نظرةٌ تنتمي إلى الوصاية المطلقة لا إلى الفهم العميق.
إذا كان المجتمع يخشى على طفله مشاهدةَ أعمالٍ تحترم عقله، فهل يراقب المحتوى الفعلي الذي يتعرّض له في وسائل أخرى، حيث الرداءةُ لا ضابطَ لها؟ وهل يُعنى بصقل فكر الطفل ليُميّز بين الغثِّ والسمين؟.
ردٌّ بلسان الحكمة
إن كان رفض العمل لكونه لا يناسب الأطفال، فأيُّ طفلٍ نريد أن نصنع؟ طفلًا يُعزَل عن قضايا الوجود حتى إذا شبّ فوجئ بها؟ أم طفلًا يُؤهَّل لفهم الحياة كما هي، بوعيٍ يبني لا بجهلٍ يُقيّد؟.
إن كان العمل لا يُفسد خُلقًا، ولا يُفسِح لمهانة، أفليس من الحكمة أن يُستثمر في التنوير، بدلًا من أن يُقصى باسم حماية الطفل؟ ليست الحماية في العزل، بل في التوجيه، وليس الخطر في المعرفة، بل في الجهل بها.
فيا منى، إن قلتِ إن العمل غير مناسبٍ للأطفال، فالأولى أن يُقال: كيف نؤهّل الطفل ليكون قادرًا على تلقي المعرفة بما يليق بإنسانيته؟.
د. مارجو حداد
أستاذة في صناعة الأفلام – الجامعة الأمريكية