الأحد 30 مارس 2025 الموافق 01 شوال 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تحولات في العلاقات الأمنية.. ترامب يدمر النظام العالمي ويترك زعماء أوروبا في حيرة

الرئيس نيوز

نشرت هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، مقالا لكبير المراسلين آلان ليتل، قدم من خلاله تحليلًا معمقًا للتحولات الجارية في العلاقات الأمنية عبر الأطلسي، مع التركيز على السياسة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب وتداعياتها على حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاستقرار الأوروبي.

ويُبرز المقال التحدي الكبير الذي يواجه الأوروبيين في تقبل فكرة أن الولايات المتحدة قد تتخلى تدريجيًا عن دورها كحامي رئيسي لأمنهم، وهو تغيير يُوصف بأنه ليس مجرد قرار سياسي مؤقت، بل تبدل هيكلي وثقافي قد يترك آثارًا طويلة الأمد. ويُنقل عن رأي خبير أن هذا التوجه، المعروف بـ"الترامبية" (Trumpism)، لا يقتصر على شخص ترامب، بل يمثل نهجًا سياسيًا متجذرًا قد يستمر في التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية بعد انتهاء ولايته، مما يعزز من طابع الديمومة لهذا التحول.

وفي صلب المقال، ركز الكاتب على موقف إدارة ترامب كما عبّر عنه البيت الأبيض، حيث أُعلن أن الولايات المتحدة لن تظل الضامن الأساسي للأمن الأوروبي، وأن على الدول الأوروبية تحمل مسؤولية دفاعها وتكاليفه بشكل مستقل. وقد عزز ترامب هذا التوجه بتصريح قاطع أدلى به في وقت سابق من الشهر، مؤكدًا: "إذا لم يدفعوا حصصهم، فلن أدافع عنهم، لا، لن أدافع عنهم"، وهي عبارة تعكس رؤية تجارية للتحالفات العسكرية، بعيدة عن مبدأ التضامن التاريخي الذي قام عليه الناتو. يربط المقال هذا التصعيد بتهديد واضح للمادة 5 من معاهدة الناتو، التي تُعد العمود الفقري للأمن الأوروبي منذ تأسيس الحلف عام 1949، مشيرًا إلى أن هذا المبدأ بات "على أجهزة الإنعاش" نتيجة التراجع الأمريكي.

في سياق تاريخي أوسع، يُمكن مقارنة نهج ترامب بإرث الرئيس هاري ترومان، الذي وضع حجر الأساس للناتو كجزء من رؤيته لتأمين الاستقرار العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. ترومان، الذي اشتهر بشعاره "المسؤولية تنتهي هنا" على مكتبه، جسّد التزامًا أمريكيًا قويًا بالتحالفات الدولية والدفاع الجماعي، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع موقف ترامب الذي يشترط الدعم بالمساهمات المالية. هذا التباين يبرز تحولًا من سياسة ترومان التعاونية إلى نهج "أمريكا أولًا" الذي يعيد تعريف دور الولايات المتحدة في العالم.

كما يُسلط الضوء على ترامب كوريث لترومان في بعض النواحي، حيث يُظهر المقال كيف أن إرث ترومان المتجذر في تعزيز الناتو والتضامن عبر الأطلسي يواجه تحديًا مباشرًا من سياسات ترامب الانعزالية. بينما سعى ترومان إلى بناء نظام أمني عالمي يقود العالم الحر، يبدو أن ترامب يفكك هذا النظام بتركيزه على المصالح الوطنية الضيقة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحول سيؤدي إلى إضعاف دائم للتحالفات التي شكلت العمود الفقري للأمن الغربي منذ منتصف القرن العشرين.

وأضاف المقال وجهة نظر رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر، الذي تحدث في داونينج ستريت الشهر الماضي قبل زيارته للبيت الأبيض. في مقابلة، أكد ستارمر ثقته في أن الولايات المتحدة لا تزال القائد الرئيسي للناتو، وأن ترامب نفسه ملتزم بالمادة 5، في محاولة قد تكون دبلوماسية للحفاظ على الثقة في العلاقة عبر الأطلسي. لكن هذا التفاؤل يُقابل بحذر من جهات أخرى، حيث يُشير المقال إلى وجود شكوك لدى البعض دون تحديد هويتهم، مما يعكس انقسامًا في الرؤى حول صدقية التزام ترامب واستمرارية الدور الأمريكي.

وتابع المقال بتصوير هذا التحول كأزمة استراتيجية محتملة قد تعيد تشكيل العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا. فالسياسة الأمريكية الجديدة، التي تربط الدعم العسكري بالتزامات مالية وتعطي الأولوية للمصالح الوطنية الضيقة، تناقض الإطار التاريخي للتعاون عبر الأطلسي القائم على التضامن المشترك. هذا قد يدفع الدول الأوروبية إلى تعزيز قدراتها الدفاعية المستقلة، وربما يفتح الباب أمام تغييرات في التحالفات أو ديناميكيات القوى الإقليمية. في النهاية، يترك المقال انطباعًا بأن مصير الناتو والأمن الأوروبي معلق على تطورات سياسية غامضة في واشنطن، مما يجعل هذه القضية من أبرز التحديات في الساحة الدولية اليوم.