د. مارغو عطا الله تكتب.. منذر رياحنة في “حكيم باشا” سيد اللهجة وباشا الأداء

في المسلسل الصعيدي حكيم باشا، لم يكن منذر رياحنة مجرد ممثل يرتدي شخصية رجل صعيدي، بل كان امتدادًا للواقع، كأنه خرج من رحم الأرض القاسية ونشأ بين صمت الجبال وقسوة العادات.
لم يكن سليم باشا مجرد دور، بل كان صراعًا بين رجل يفرض سلطته على الجميع وروح محاصرة بأشباح الماضي، تتحرك في الخفاء كظلٍ لا ينفصل عن صاحبه.
الحضور الطاغي لم يعتمد على الكلمات وحدها، بل على الصمت المدروس، على النظرة التي تسبق الفعل، وعلى الإيقاع المتوازن بين الهدوء والانفجار.
منذ اللحظة الأولى، لم يسعَ رياحنة إلى إثبات نفسه بالصراخ أو المبالغة، بل ترك الشخصية تنحت هيبتها بهدوء.
نظراته كانت تكتب الحوار قبل أن ينطقه، وقفته كانت امتدادًا لمكانته، وصوته لم يكن مجرد لهجة صعيدية متقنة، بل كان انعكاسًا لنسيج الشخصية، حيث تكمن القوة في الخفوت أكثر من العلو، وحيث ينمو الغضب بصمت حتى يصبح عاصفة.
لم يكن الصعيدي في صوته مجرد نطق صحيح، بل كان نغمة داخلية، ترددًا يضرب في عمق الشخصية، كأنما الأرض التي يقف عليها هي التي تتحدث من خلاله.
لحظات الغضب لم تكن نوبات عاطفية تنفجر بلا حساب، بل كانت بناءً محكمًا، حيث يسبق كل فعل إحساس، ويسبق كل إحساس تاريخ طويل من القهر أو الخوف أو الكبرياء الجريح.
حين واجه خصومه، لم يكن الصراع مجرد مشادة كلامية، بل اختبارًا لحدود القوة، لمن ينهار أولًا تحت ضغط الصمت قبل ضغط الكلمات.
كانت الشخصية أكثر من مجرد رجل قوي، بل كانت مزيجًا من السلطة والتردد، من السيطرة والخسارة، من الماضي الذي لم يمت والمستقبل الذي لا يأتي.
النجاح في هذا الدور لم يكن مجرد إجادة، بل كان انصهارًا في تفاصيل الشخصية.
لم يترك رياحنة فراغًا بينه وبين سليم باشا، بل كان الشخصية في كل التفاتة، في طريقة الجلوس، في تحريك يديه، وفي البطء المدروس قبل أي قرار.
لم يكن تقليدًا للصعيدي، بل كان إعادة خلق لصورة الرجل الجالس على العرش، لكنه محاط بمخاوفه أكثر من حاشيته.
ومع استمرار الأحداث، يظل المشاهد متعطشًا لمعرفة ما ستؤول إليه رحلة سليم باشا، هل سيبقى متحكمًا في مصيره، أم أن الماضي الذي يطارده سيفرض كلمته الأخيرة؟
قد يرى البعض أن اختيار رياحنة لأدوار الشر أصبح نمطيًا، لكن هذا ليس هو الحال.
هو لا يقدم الشر في صيغته التقليدية، بل يعيد تعريفه في كل مرة.
لا يتكئ على الصورة النمطية للرجل القاسي، بل يغوص في أسبابه وجذوره ولحظات ضعفه قبل قوته.
شخصياته لا تفتقد الإنسانية، بل تمتلكها بوجوهها المختلفة، فكل شرير لديه مبرراته، وكل قاسٍ يخفي في داخله ندبة قديمة.
لهذا، لا تتشابه أدواره، حتى وإن تشابهت صفات شخصياته.
شكرًا للمخرج أحمد خالد أمين، الذي أبدع في هذا العمل، وشكرًا لشركة سينرجي التي دائمًا تقدم أعمالًا مختلفة، تمنح الفرصة للممثلين لتقديم شخصيات مميزة لا تُنسى
لكن، مهما كان المصير، يبقى سليم باشا عالقًا في الأذهان، ليس فقط كشخصية في مسلسل، بل كحالة درامية تحمل كل تناقضات القوة والضعف، الهيمنة والخسارة، الصمت والصخب.
يظل وجهه حاضرًا، وصوته يتردد حتى بعد أن يصمت، كأنما لم يكن يومًا مجرد دور، بل أسطورة تُكتب بحضور نجم لا يُغادر الذاكرة.
مارجو حداد.. دكتورة في صناعة الأفلام – الجامعة الأمريكية