الأربعاء 12 مارس 2025 الموافق 12 رمضان 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

ثلاث تباينات جذرية تجعل الاتفاق بين الشرع وعبدي "هش في مهب الريح"

الرئيس نيوز

كتب الباحث المتخصص في الشؤون العربية، الدكتور إلهام المليجي، متسائلا عن الاتفاق الموقع بين رئيس السلطة السورية الجديدة أحمد الشرع، وقائد قوات سورية الديمقراطية، (قسد) الجنرال مظلوم عبدي، والذي يقضي بانخراط القوات الكردية مع قوات سلطة الأمر الواقع (هيئة تحرير الشام). وقال: "هل الاتفاق بين عبدي والشرع قابل للتنفيذ أم مجرد هدنة مؤقتة؟".

ولفت الباحث المتخصص في الشؤون العربية، إلى وجود تباينات عقائدية وفكرية عميقة بين الطرفين، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قابليته للتنفيذ. مشيرا إلى وجود تباينات أيديولوجية بين مشروعين متناقضين؟

قسد (مجلس سوريا الديمقراطية) يمثل جناحًا سياسيًا ذو مرجعية ماركسية-اشتراكية، تؤمن بالمساواة الجذرية بين الجنسين، والإدارة الذاتية الديمقراطية، والتعددية الثقافية، وهو نهج مستمد إلى حد كبير من فكر عبد الله أوجلان. وبين هيئة تحرير الشام (أحمد الشرع/الجولاني) تنطلق من فكر إسلامي سياسي متشدد، يتبنى رؤية دينية صارمة لدور المرأة والمجتمع، ويعتبر النظام السياسي قائمًا على أسس الشريعة الإسلامية وليس على فكرة الديمقراطية التعددية.

يقول المليجي: "هذا التضاد يجعل محاولة الدمج بين مشروعين متعارضين أشبه بمحاولة مزج الزيت بالماء، حيث أن الفكر الأيديولوجي لكل طرف يتناقض مع الآخر في جذوره، وليس فقط في بعض التفاصيل الإجرائية".

يوضح الدكتور إلهام المليجي في منشور له عبر صفحته على موقع "فيسبوك" إلى التناقض في دور المرأة، قائلا: "قسد تعتبر المرأة جزءًا أساسيًا من منظومة الحكم والإدارة وحتى القتال العسكري، حيث أن "قوات حماية المرأة" تمثل فصيلًا رئيسيًا في قوات سوريا الديمقراطية. أما هيئة تحرير الشام ترى دور المرأة منحصرًا في التربية والأعمال المنزلية، ولا تعترف بمفهوم القيادة النسائية بأي شكل من الأشكال، مما يعني أن أي اتفاق بين الطرفين سيتطلب إما إعادة صياغة شاملة لمبادئ كل منهما، أو أن أحد الطرفين سيتنازل عن ثوابته وهو أمر مستبعد.

أما التناقض الثالث، فهو يتعلق بالموروث الثقافي، إذ أن هناك فجوة بين الكرد والعرب، فإلى جانب التناقض الفكري، هناك فجوة ثقافية عميقة بين المجتمع الكردي الذي تمثله قسد، والمجتمع العربي الذي تتبناه هيئة تحرير الشام.

يشير المليجي إلى أن الكرد لديهم تاريخ طويل من الفكر السياسي والتنظيمات الحديثة ذات الطابع القومي والتقدمي، وهم أكثر ميلًا إلى نماذج الحكم اللامركزي. أما العرب في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام يتبنون نموذجًا أكثر تشددًا، قائمًا على رؤية دينية محافظة، مما يجعل فكرة التعددية والمشاركة السياسية أصعب قبولًا لديهم.

يتسائل الدكتور مليجي، هل الاتفاق مجرد هدنة مؤقتة بموافقة ضمنية؟، فيجيب قائلا: "نظرًا لكل هذه التناقضات، فإن أحد السيناريوهات الأكثر ترجيحًا هو أن الاتفاق ليس سوى "هدنة مؤقتة" وليست صفقة استراتيجية طويلة الأمد". يبرر ذلك بالقول: "قد يكون الاتفاق خطوة براجماتية لاحتواء تصعيد محتمل، أو لاستيعاب ضغوط أمريكية تسعى إلى إيجاد تسوية سياسية في شمال سوريا".

يضيف الباحث في الشؤون العربية: "يمكن أن يكون الهدف من الاتفاق هو شراء الوقت لكلا الطرفين، دون نية حقيقية لتنفيذه بالكامل على المدى الطويل. وقد تكون واشنطن قد فرضت هذا الاتفاق كجزء من ترتيباتها لإعادة رسم الخريطة السياسية في سوريا، لكنها تدرك أن التناقضات العميقة قد تعيق تطبيقه لاحقًا".

يقول المليجي: "الخلاصة: اتفاق هش على أرضية متصدعة؟ مع وجود هذه التناقضات الجوهرية، يبدو أن الاتفاق بين عبدي والشرع يواجه عقبات بنيوية تجعله غير قابل للتطبيق كحل طويل الأمد. ما لم تكن هناك تسوية خارجية ترعاها واشنطن بشكل مباشر، وتفرض ترتيبات جديدة على الأرض، فإن تنفيذ الاتفاق قد يكون مجرد مرحلة انتقالية أو خطوة تكتيكية من الطرفين".

يختتم المليجي منشوره بالقول: "يبقى السؤال المطروح: هل هناك طرف مستعد لتقديم تنازلات جوهرية لإنجاح الاتفاق، أم أنه مجرد استراحة مؤقتة قبل تصعيد جديد".

وفي منشور آخر، يكتب المليجي قائلا: "إن واشنطن تعيد تشكيل سوريا من خلال اتفاق تاريخي يعيد رسم المشهد"، يتابع: "الإتفاق بين الرئاسة السورية الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يعكس تحولًا جذريًا، حيث باتت الولايات المتحدة اللاعب الوحيد الذي يحدد مستقبل سوريا".

أشار إلى أن نقل مظلوم عبدي إلى دمشق بمروحية أمريكية يؤكد أن واشنطن ليست مجرد راعٍ للاتفاق، بل هي القوة التي تديره بالكامل. وأن البند الأخير في الاتفاق، المتعلق بتشكيل لجان تنفيذية حتى نهاية العام، يشير إلى إعادة هيكلة تدريجية للدولة السورية وفق رؤية أمريكية طويلة الأمد.

يؤكد المليجي أن الاعتراف بقسد كجزء من الدولة السورية الجديدة، يمهد لنظام حكم لا مركزي أو فيدرالي. وتركيا قد تكون العقبة الوحيدة أمام التنفيذ، ما قد يدفع واشنطن لمنحها ضمانات أمنية لاحتواء أي تصعيد.

يضيف: "قد يكون هذا الاتفاق الخطوة الأولى نحو صياغة دستور جديد يعكس التوازنات الجديدة في سوريا، لكن يبقى السؤال: هل واشنطن قادرة على فرض استقرار دائم، أم أن هذه الترتيبات ستبقى عرضة للتحديات؟".

هاكان فيدان كلمة السر

فيما أرجع مراقبون التطورات الأخيرة إلى ما يصفونه بذئب الأناضول، الكردي رئيس الاستخبارات التركية السابق، ووزير الخارجية الحالي هاكان فيدان. 

فتشير تقارير إلى أن هاكان كان مكلف بالملف الكردي، والتقى بالاكراد خارج تركيا، ولما دخل تركيا عبر المطار اعتقله النائب العام للجمهورية بتهمة اتصالاته بالارهابيين، هنا تدخل اردوغان وذهب مباشرة عند النائب العام واستل منه هاكان، وهو استطاع أن يجد حلا للمسألة الكردية، وهو الملف الكردي الوحيد الذي كان يجمع ايران وتركيا في السياسة الخارجية، امنع قيام كيان كردي بالمنطقة.

لكن بعد سقوط نظام الأسد، وخروج إيران من المشهد السوري، كانت المصالحة مع أوجلان، وبعدها جاء الاتفاق بين حكومة دمشق وأكراد سوريا، وهنا يكون هاكان فيدان قد حقق ما كانت تطمح اليه تركيا، تحييد المشكلة الكردية عن تركيا وسوريا دفعة واحدة بعيدا عن إيران.

اتفاق مهم

وخلال وقت سابق، أعلنت الرئاسة السورية عبر منصة "إكس"، الاثنين، توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية، والتأكيد على وحدة أراضي البلاد ورفض التقسيم.

وأضافت الرئاسة أن الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وقعا على الاتفاق الذي يقضي بوقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية.

ونشرت الرئاسة السورية بيانًا وقعه الطرفان وجاء فيه أنه تم الاتفاق على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".

بنود الاتفاق 

ووفق ما هو معلن، فإن الاتفاق يضمن حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.

المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة، وكافة حقوقه الدستورية.

وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية.

دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية، والمطار، وحقول النفط والغاز.

ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية.

دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد، وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها.

فض دعوات التقسيم، وخطاب الكراهية، ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري.

تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.

خلفية تاريخية 

 

وتُعتبر "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة أكبر كتلة مسلحة خارج إطار القوات المسلحة،  وتسيطر على منطقة الجزيرة الغنية بالنفط (الإنتاج الحالي حوالي 100 ألف برميل)، إلى جانب إنتاج سوريا من القمح.

وتُشكل الوحدات الكردية (بجناحيها حماية الشعب وحماية المرأة) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني" (pyd)، عمودها الفقري. وهذا الحزب تدرجه العديد من الدول في قوائم "الإرهاب".

ومع بدء توسع الصراع المسلح في سوريا وازدياد نفوذ "داعش"، تم تشكيل قوات كردية بدعم أميركي، لمحاربة التنظيم المتطرف، وقاتلت هذه الفصائل في إطار التحالف الدولي الذي تقود الولايات المتحدة.
وفي العام 2015، أسست الجماعات الكردية "قوات سوريا الديمقراطية"، وانضمت إليها، فصائل من العشائر العربية، والمجلس العسكري السرياني.

وتُسيطر "قسد" على مناطق واسعة شمالي وشرق سوريا، ولم تشارك في المعارك الأخيرة التي أدت إلى إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وكانت تتركز أولويتها بالحفاظ على مناطق سيطرتها، ومنع تقدم فصائل المعارضة باتجاه مواقعها.