إبراهيم حويجة.. الصندوق الأسود للأسد الأب

أثار اعتقال إبراهيم حويجة اللواء المتقاعد المسؤول عن الاغتيالات في أيام حكم حافظ الأسد ارتياحًا واسعًا في سوريا ولبنان، وبات كثير من الغموض الذي أحاط بتصفية شخصيات عدة داخل البلدين برسم الجلاء والوضوح.
وقالت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن حويجة: "عرف عنه بـ"عراب الاغتيالات" في سوريا ورجل الاستخبارات البارز والممسك بملف التصفيات طوال جلوسه على كرسيه، كمسؤول عن أحد أشهر أجهزة الاستخبارات في سوريا طوال عقدين من الزمن، فترة حكم رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد. إنه "إبراهيم حويجة" الذي تردد اسمه داخل أروقة وقاعات المحاكم الدولية في عدد من القضايا والملفات الأمنية الشائكة، ومنها الإشراف على عملية اغتيال الزعيم الدرزي في لبنان كمال جنبلاط، علاوة عن دوره في تصفية شخصيات معارضة لحكم العائلة الأسدية".
قبل اعتقاله
وخلال عام 2002 بعدما بلغ رتبة لواء، لملم الحويجة أوراقه وأغراضه بعد أن تلقى أمر عزله من رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، لكن تجريده من منصبه كرئيس لإدارة الاستخبارات الجوية وإحالته على التقاعد لم يحد من الإبقاء على نفوذه وسطوته سواء داخل الجناح العسكري، أو في حكومة الظل. وأفادت مصادر خاصة عن حرصه الشديد على إحاطة حياته وتحركاته بكثير من السرية، إذ لا صور شخصية كثيرة له أو معلومات كافية عنه، على عكس ابنته الوحيدة التي عملت مذيعة في التلفزيون السوري، التي برز حضورها الطاغي كمفاوضة لقوات المعارضة قبل سقوط النظام.
من السماء كقائد لجهاز "الجو" السوري إلى "سابع أرض"، العبارة التي طالما يرددها السوريون حينما يقبع سجين خلف القضبان لأسباب أمنية. وسرى ارتياح بالشارع السوري فور سماع خبر الإمساك بأكثر الشخصيات المقربة من عائلة الأسد ورجل استخبارات حكم البلاد بالنار والحديد، وترأس جهاز الأمن الجوي بين عامي 1987 و2002 خلفًا للواء محمد الخولي.
صيد ثمين
وسجل جهاز الأمن العام التابع للسلطات السورية الجديدة إنجازًا أمام الجمهور الثائر والمطالب بالعدالة الانتقالية، بالتوازي مع كل ما يدور من أحداث دامية لملاحقة فلول النظام في منطقة الساحل، إذ اعتُقل أول من أمس الخميس بعد متابعة دقيقة لتحركاته. وهذا ما أكدته الوكالة الرسمية (سانا) نقلًا عن مسؤول أمني، قال إنه "بعد عمليات رصد وتحر تمكنت القوات الأمنية في مدينة جبلة من اعتقال اللواء المجرم إبراهيم حويجة".
وتتهم الحكومة الجديدة حويجة بارتكاب مئات الاغتيالات خلال حقبة حافظ الأسد والإشراف المباشر على التصفيات، كونه المسؤول الأمني الأول في الاستخبارات الجوية حين شارك جهازه خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي في تصفية عشرات آلاف السوريين الذين انتفضوا على حكم حافظ الأسد.
"المذيعة المليونيرة"
ويعد اعتقال حويجة بالغ الأهمية، وبمثابة رسالة تصل إلى الجمهور بأن الدولة تلاحق المجرمين ولن تسكت عنهم، فضلًا عن كونه شخصية استثنائية من الصفوف الأولى في نظام الحكم البائد. ونحن نتحدث عن رئيس جهاز استخبارات من ثم هو كنز من المعلومات والبيانات، إضافة إلى تورطه بكم هائل من الانتهاكات لأن كل عمليات القتل والإخفاء كانت من مسؤوليته".
ويتحدر إبراهيم حويجة من قرية عين شقاق التابعة لمنطقة جبلة بمحافظة اللاذقية غرب سوريا، متزوج ولديه ابنة عملت في التلفزيون السوري وأطلق عليها اسم "المذيعة المليونيرة"، بعد اتهام المرصد السوري لحقوق الإنسان (مقره لندن) بتقاضيها عمولات بمئات آلاف الدولارات على خلفية صفقات مشبوهة لتهجير معارضين، وعمليات إجلاء وإجراء مصالحات.
ويأتي اعتقال رجل الاغتيالات السوري كصيد ثمين للحكومة السورية، وقبل نحو أسبوع من الذكرى الـ48 لرحيل مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي زعيم الحركة الوطنية في لبنان كمال جنبلاط خلال الـ16 من مارس عام 1977. ولقي نبأ توقيفه اهتمامًا بالغًا ليس لدى السوريين فحسب بل حتى بين شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يتحضرون لإحياء ذكرى اغتيال جنبلاط عند ضريحه الواقع في قرية المختارة، بقضاء الشوف.
وترك حويجة لبنان وهو برتبة رائد بعد أن أشيع عن تورطه بعملية اغتيال كمال جنبلاط أثناء توجهه من قريته المختارة في جبل لبنان، بعد إطلاق النار عليه وهو داخل سيارته مما أدى إلى مقتله ومرافقيه على الفور. وتدرج حويجة بعد عودته من لبنان في سلم القيادة الأمنية في سوريا بصورة سريعة.
وكان جنبلاط الابن أفاد أمام المحكمة الدولية بلبنان خلال السابع من مايو 2015 عما خلصت إليه التحقيقات اللبنانية بتورط مكتب الاستخبارات السورية في بيروت الذي كان يقوده حويجة بعملية الاغتيال، وعده مسؤول عن مصرع والده وسط أجواء توتر سياسي، إذ أراد حافظ الأسد آنذاك إحكام قبضة سيطرته على المشهد اللبناني في أعقاب دخول جيش النظام السوري إلى بيروت على خلفية اندلاع الحرب الأهلية في تلك الحقبة.
المحاكمة في سوريا أم في لبنان؟
في المقابل، علق الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط على اغتيال والده، وكتب عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" عبارة "الله أكبر". وأعلن عن ضرورة محاكمته في سوريا لأنه مسؤول عن جرائم اغتيال، ولا تقتصر على مشاركته وإشرافه على اغتيال كمال جنبلاط.
ومن اللافت للنظر مسارعة وليد جنبلاط إلى زيارة القصر الرئاسي في سوريا على رأس وفد ديني من الطائفة الدرزية خلال الـ22 من ديسمبر (كانون الأول) 2024، بعد سقوط نظام بشار الأسد وهربه إلى موسكو في الثامن من الشهر نفسه، مما عده مراقبون محطة مهمة لرجل سياسي مر بعلاقات متقلبة مع النظام السوري المخلوع. ولا يستبعد مراقبون وجود رابط بين وصول الزعيم اللبناني الدرزي على وجه السرعة كأول سياسي من لبنان يزور الرئيس السوري أحمد الشرع، وعملية الاعتقال الدقيقة، لا سيما أنها أتت وسط مناشدات من أسرة حويجة له بالهجرة السريعة والسفر خارج سوريا، لكنه رفض ذلك إلى أن جرى اعتقاله.
وعلى نحو مألوف لقي اعتقال رجل استخبارات الأسد ومستودع أسراره الخفي ارتياحًا بالغًا على رغم اعتقالات شخصيات أمنية بارزة، مثل وزير الداخلية السابق محمد الشعار ورئيس المحكمة العسكرية وغيرهما من القيادات، إلا أن اصطياد حويجة لقي استحسانًا سوريًا ولبنانيًا على حد سواء، لأن باعتقاله ستفتح أسرار خفية وتكشف كثير من الملفات الغامضة. إنه بالفعل رجل الاستخبارات الخفي الذي سيفك شيفرات قضايا أمنية حساسة حول ما حدث في حماة، وسط البلاد أو في لبنان.