هل تصبح دول الخليج الرابح الأكبر من انقلاب ترامب على قانون الرقائق؟

تطرق خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمام الكونغرس يوم الثلاثاء إلى سياساته الاقتصادية المعروفة مثل فرض الرسوم الجمركية، لكن من أبرز ما ورد خلال الخطاب الأطول في تاريخ الكونغرس دعوته إلى إنهاء "قانون الرقائق والعلوم" الذي أقره سلفه جو بايدن عام 2022، لزيادة مصانع أشباه الموصلات داخل الولايات المتحدة، وتقليل الاعتماد على الصين والدول الآسيوية.
وفيما سيترتب على دعوة ترامب تداعيات سلبية على شركات القطاع التي سيتوقف عنها الدعم الأمريكي، فإن إلغاء القانون سيمثل فرصة ذهبية لدول الخليج مثل السعودية والإمارات في إطار طموحاتها لتكون مركزًا إقليميًا ودوليًا لتوريد أشباه الموصلات، التي نمت لتصبح السلعة الرابعة عالميًا بقيمة سوقية تصل إلى 500 مليار دولار، ويتوقع أن يتجاوز حجمها تريليون دولار عام 2030.
كيف يخلق إلغاء قانون الرقائق فرصًا جديدة لدول الخليج؟
يخصص قانون الرقائق الأمريكي 52 مليار دولار كدعم للشركات المصنعة داخل الولايات المتحدة، مما يعزز الإنتاج المحلي ويقلل الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية، لكن إذا أُلغي فقد تتباطأ جهود الولايات المتحدة للتصنيع محليًا، مما قد يفتح فرصًا أكبر لصناديق الاستثمار الخليجية في سلاسل توريد أشباه الموصلات.
وإذا تمكن ترمب من الانقلاب على القانون فإنه سيعوق حصول شركات محلية وعالمية على إعانات حكومية بقيمة 38 مليار دولار وقروض تبلغ 75 مليار دولار، إضافة إلى إعفاءات ضريبية بنسبة 25 في المئة و11 مليار دولار للأبحاث والتطوير، مما قد يتيح لدول الخليج الدخول في استثمارات مع تلك الشركات لسد أية فجوة قد يخلفها سحب المزايا الأمريكية.
وتحرص صناديق الثروة السيادية الخليجية، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي وصندوق مبادلة الإماراتي على الاستثمار في شركات أشباه الموصلات والصناعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وأطلقت السعودية خلال فبراير 2024 شركة سمتها "آلات"، بهدف توطين صناعة أشباه الموصلات والتحول إلى تصديرها بدلًا من استيرادها.
ودفع قانون الرقائق شركات غربية إلى التوسع داخل الولايات المتحدة، لكن من دونه قد تبحث تلك الشركات عن بيئات أكثر جاذبية وتلهفًا واستقرارًا من حيث التشريعات مثل السعودية، التي أطلقت خلال يونيو 2024 مركزًا وطنيًا لأشباه الموصلات، يهدف إلى نقل وتوطين وإنشاء 50 شركة للرقائق الإلكترونية داخل السعودية بحلول 2030.
ويأمل ترامب في تخصيص أموال القانون لتقليل الدين العام، وهي رغبة تهدد بإلغاء أو وضع شروط إضافية على الحوافز التي التزمت بها واشنطن لشركات مثل "إنتل" الأمريكية و"سامسونغ" الكورية و"تي أس أم سي" التايوانية. وتعد الشركات هذه الاتفاقات ملزمة تمامًا بغض النظر عن هوية الرئيس الأمريكي، لكن بعض الشركات أعربت عن مخاوفها من أن إدارة ترامب قد تسعى إلى تعديل شروطها، وفقًا لما ذكرته "بلومبيرج".
وخلال الأسابيع الأخيرة لإدارة بايدن، وافقت وزارة التجارة الأميركية على منح تتجاوز 33 مليار دولار، قُسمت على شركات "سامسونج" و"إنتل" و"تي أس أم سي" و"ميكرون" الأمريكية. وأعرب بعض المسؤولين عن قلقهم من أن ترامب قد يسعى إلى إبطال اتفاقات المنح التي أُقرت في عهد بايدن. واقترح الرئيس أن عدم فرض رسوم جمركية جديدة سيكون كافيًا لإقناع الشركات ببناء مصانع داخل أميركا.
حاجة دول الخليج إلى موازنة العلاقات مع أميركا والصين
استهدفت إدارة بايدن من قانون الرقائق تقليل الاعتماد على دول آسيا وخصوصًا الصين، في توفير المكونات الإلكترونية الدقيقة المستخدمة في كل القطاعات من الهواتف الذكية إلى مراكز البيانات الضخمة. ودفع بايدن بهذه المزايا إلى جانب قيود فرضها على مبيعات الرقائق لدول الشرق الأوسط، وإيقاف استثمار سعودي في شركة ناشئة للرقائق.
لكن في حال إلغاء القانون، فقد تضاعف الصين قدراتها على الوصول إلى التقنيات المتقدمة في صناعة الرقائق، مما قد يعزز التعاون الصيني - الخليجي في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، ويسبب توترًا في العلاقات الخليجية مع واشنطن. ولذلك، لن يكون توسيع دول الخليج استثماراتها كافيًا لتحقيق الريادة في هذا القطاع، بل تحتاج أيضًا إلى إيجاد درجة من التوازن المطلوب بين المنافسة الأميركية – الصينية.
تداعيات إلغاء قانون الرقائق على الولايات المتحدة
أسهم القانون في خلق استثمارات بأكثر من 400 مليار دولار في الولايات المتحدة من جانب شركات مثل "تي أس أم سي" و"إنتل"، وأعلنت على أثره عدة شركات خطط بناء نحو 40 مصنعًا لأشباه الموصلات في ولايات مثل تكساس وأوريغون ونيويورك وأهايو. ودافع وزير التجارة الحالي هوارد لوتنيك عن القانون، لكنه أشار إلى أنه يريد مراجعة المنح التي أقرت خلال إدارة بايدن.
ونددت حاكمة نيويورك كاثي هوكول بتصريحات ترمب قائلة إن القانون كان السبب في استثمار شركة ميكرون 100 مليار دولار وخلق 50 ألف وظيفة وسط نيويورك. وقال النائب جريج ستانتون إن تعليقات ترمب تعد "هجومًا مباشرًا على صناعة أشباه الموصلات في ولاية أريزونا وعشرات الآلاف من العمال هناك".
وأعلنت شركة "تي أس أم سي" هذا الأسبوع بحضور ترامب أنها تخطط لاستثمار 100 مليار دولار في بناء خمس منشآت جديدة داخل أمريكا خلال الأعوام المقبلة، وهو ما وصفه ستانتون بأنه لم يكن ليحدث لولا قانون الرقائق.
وسرحت الإدارة الجمهورية هذا الأسبوع نحو ثلث الموظفين في مكتب وزارة التجارة، المسؤول عن الإشراف على 39 مليار دولار من الإعانات المقدمة لمصنعي الرقائق.
وتعد صناعة الرقائق من أكثر الصناعات نموًا حول العالم، وتدخل في مختلف الصناعات وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والسيارات، إذ تشكل الرقائق الإلكترونية نحو 40 في المئة من قيمة السيارات الحديثة، بحسب دراسة أجريت عام 2020، بعد أن كانت النسبة 18 في المئة عام 2000.