حرب ضد المثليين وترحيل المهاجرين.. ترامب يبدأ ولايته الثانية في البيت الأبيض

أصبح في حكم المؤكد أن مجموعات أمريكية يمينية تساهم في إنشاء شبكة عالمية لتبادل الأفكار والتمويل في محاولة لتقييد حقوق المثليين والمتحولين جنسيًا على المستوى العالمي.
وتأتي حرب ترامب ضد المثليين ضمن الملفات الخلافية والتي يتوقع أن تنفجر في الداخل الأمريكي مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ملف التعامل مع المثليين والمتحولين جنسيًا، خصوصًا أن الرجل لم يدار أو يوار توجهاته التي تدفع هؤلاء وأولئك إلى مزيد من المخاوف حول أوضاعهم المجتمعية وحقوقهم القانونية.
وطرحت صحيفة ذا إندبندنت البريطانية هذا السؤال: "هل هذه التوجهات جديدة أم أن لها أصولًا وجذورًا تعود للولاية الأولى للرئيس العائد من جديد للبيت الأبيض؟"
والثابت في ضوء كافة التقارير الصحفية المنشورة هو أنه بين عامي 2017 و2021 مثلت إدارة ترامب ومايك بنس أحد أكبر التهديدات ضد المثليين وبالفعل غادر كثيرون منهم الولايات المتحدة للعيش في أوروبا أو كندا، فخلال الأعوام الأربعة الأولى من توليه منصبه أصدر ترامب قرارات عدة، واعتبر بعضهم أنه ساعد في نشر الكراهية لمجتمع المثليين والمتحولين يمينًا ويسارًا وبطرق جعلت الحياة أسوأ بالنسبة إليهم.
وفي هذا السياق اعتبر كثير من المراقبين أن ترامب هو من وقف خلال ولايته الأولى وراء تعيينات القضاة المعادين للمثليين والمتحولين جنسيًا، كما كان مصدر خطر دائم للأشخاص المثليين في جميع أنحاء العالم حتى بعد تركه منصبه، فهل يمكن أن تسن أمريكا كثيرًا من التشريعات التي من شأنها أن تقيد تلك الشرائح المختلفة من حيث الهوية الجنسية خلال فترة ولايته الجديدة؟
معالم الولاية الثانية
ويقول المراقون الذين تابعوا صولات وجولات ترامب طوال حملته الانتخابية إنه قد رسخت لديهم القناعة بأنه يستعد بالفعل لشن نوع من أنواع الحروب بكل الأدوات المتاحة على المتحولين جنسيًا والمثليين، وذلك انطلاقًا من قناعاته التي لا تحيد أبدًا عن وجود جنسين فقط في النوع البشري، ذكر وأنثى، وما عدا ذلك فغير معترف به ولا مكان له على الخريطة الأدبية وربما القانونية لأمريكا لاحقًا، ووعد ترامب أكثر من مرة بأنه ومنذ اليوم الأول له في البيت الأبيض سيسعى جاهدًا إلى وقف ما سماه "جنون التحول الجنسي"، وأخيرًا وخلال فعالية لتيار من الشباب الأمريكي المحافظ في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، أكد الرئيس المنتخب أنه سيوقع بمجرد تنصيبه على "أوامر رئاسية تنفيذية لإنهاء تشويه الأطفال جنسيًا وإخراج المتحولين جنسيًا من الجيش والمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية".
وتعهد ترامب بـ "إبعاد الرجال عن الرياضات النسائية"، مشددًا على أن "السياسة الرسمية لحكومة الولايات المتحدة ستتمثل في أن ثمة جنسين فقط ذكر وأنثى".
ولا تبدو تصريحات ترامب مجرد محاولات لإثارة الخوف أو الذعر وحسب، بل تبدو خطوات إجرائية على الأرض ومن بينها إعطاؤه الضوء الأخضر لـ "الجمهوريين" في مجلس الشيوخ بتمرير موازنة وزارة الدفاع البالغة 895 مليار دولار للعام الحالي، والتي تتضمن بنودًا تمنع تغطية كلفة علاجات الجراحات للمتحولين جنسيًا من أطفال العسكريين الأميركيين، وأقر المجلس القانون بغالبية 85 صوتًا في مقابل 14، وامتناع عضو واحد من التصويت.
ويتساءل المراقبون في الداخل الأمريكي هل تركت إدارة ترمب الأولى أثرًا واضحًا في سياقات الحياة الخاصة لـ "مجتمع الميم" في داخل الولايات المتحدة حتى بعد أن خسر ترامب أمام بايدن؟
يبدو أنه كذلك قولًا وفعلًا، فمنذ عام 2021، أي في أعقاب رحيل ترامب عن البيت الأبيض، كان هناك ارتفاع كبير في عدد الهيئات التشريعية للولايات التي تقترح أو تمرر قوانين تستهدف الأشخاص المثليين والأطفال المتحولين جنسيًا بخاصة، وتتضمن بعض أسوأ الاتجاهات حرمان الأطفال المتحولين جنسيًا من الوصول إلى الرياضة ومنعهم من مرافق الحمامات المناسبة وكشفهم لأفراد الأسرة.
كما تحظر أكثر من نصف الولايات الأمريكية على الأطفال المتحولين جنسيًا الحصول على رعاية طبية تؤكد جنسهم فهل يعني ذلك نهاية زمن "الجنس الثالث" في الداخل الأمريكي؟
نهاية فكرة "الجنس الثالث" أمريكيًا
خلفت إدارة ترمب الأولى عددًا من الولايات الأمريكية التي تفرض حظرًا على مناقشة فكرة التوجه الجنسي والهوية الجنسية داخل المدارس، وعددها سبع ولايات، فيما تفرض أربع ولايات أخرى قيودًا على ما إذا كان من الممكن مناقشة النشاط الجنسي المثلي في المدارس وكيفية مناقشته، وتم تمرير هذه القوانين لمنع الأطفال من التعرف على التوجهات الجنسية والهويات الجنسية المتنوعة، مع عدم مراعاة التأثيرات الضارة التي قد تخلفها العزلة والإخفاء على الشباب الذين يعرّفون أنفسهم أو سيعرّفون أنفسهم بأنهم من المثليين أو لديهم أفراد من أسر المثليين.
وفي هذا السياق، يتساءل القائمون على حقوق الإنسان حول الكيفية التي يمكن لهذا النوع من التمييز، في تقديرهم، أن يلعب دوره على المسرح الوطني في ظل إدارة ترمب المقبلة، وأحد الأمثلة هو قول ترمب إنه سيحظر تمامًا الرعاية المؤكدة للجنس للقاصرين في الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى نيات ترامب الرسمية والمعلنة فإن طلبه من الكونجرس أن يقرر عدم الاعتراف إلا بجنسين فقط على المستوى الفيدرالي من شأنه أن يوقف التقدم الذي يجري إحرازه حاليًا في البلاد للاعتراف بالأفراد غير الثنائيين، وهو ما ينعكس في الجهود الفيدرالية والولائية للسماح باختيار خيار الجنس الثالث (X) على جوازات السفر والرخص والوثائق الأخرى.
هل يشكل هذا مشكلة بالنسبة إلى الأشخاص المتحولين جنسيًا؟
الجواب نعم وبدون شك، ذلك أنه يمهد الطريق لقوانين وسياسات قد يقرها الكونغرس، وقد قدم بعض "الجمهوريين" بالفعل تشريعات من شأنها أن تجعل تقديم الرعاية التي تؤكد النوع الاجتماعي جريمة في الولايات المتحدة، أو من شأنها أن تحظر على الفتيات المتحولات جنسيًا ممارسة الرياضة في جميع أنحاء البلاد، وعطفًا على ذلك فإن كثيرًا من التغيرات التي اقترحها المشرعون وترامب من شأنها أن تستبعد الطلاب المتحولين جنسيًا من الحماية التي يوفرها لهم "العنوان التاسع"، وهو قانون فيدرالي يحظر التمييز على أساس الجنس داخل المؤسسات التعليمية الممولة فيدراليًا، وهذا من شأنه أن يؤثر في سياسات المدارس في ما يتعلق باستخدام الطلاب للحمامات وغرف تبديل الملابس.
وقال ترامب خلال حملته الانتخابية إنه سيعمل على إلغاء السياسات الفيدرالية التي تحظر التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسية، وخلال فترة ولايته الأولى عملت إدارته على إضعاف بعض هذه الحماية، وربما يتساءل بعضهم هل هذا التوجه يختص بترمب وحسب؟ أم أنه تيار عام وشبه كامل يختص بالحزب الجمهوري؟
مما لا شك فيه، وفقًا للمدير السباق للحزب الجمهوري في ولاية ميشيجان شاول أنوزيس أن "تطرف اليسار الديمقراطي الليبرالي جاء بنتائج عكسية مروعة على الديمقراطيين، ويعتقد الناخب الأميركي أن اليسار التقدمي ذهب بعيدًا جدًا مما يفتح الباب لتصرفات مضادة من جانب الجمهوريين".
الجمهوريون واستهداف حقوق المثليين
من المؤكد أن فوز ترامب وبهذه النسبة العالية الكاسحة سيدعم توجهات الحزب الجمهوري لجهة مزيد من استهداف المتحولين والمثليين، وعلى سبيل المثال جاء قرار مجلس النواب بمنع أول عضو متحول جنسيًا في الكونجرس من دخول الحمامات النسائية إلى تسليط الضوء على اتجاه وطني يستهدف حقوق المثليين واعتبار أن فوز ترمب عامل داعم في هذا الاتجاه.
ويبدو أن "الجمهوريين" يتعاملون مع انتصار ترامب باعتباره تفويضًا لمزيد من تقييد الأشخاص المتحولين جنسيًا من الوصول إلى الحمامات والرياضات الشابة والرعاية التي تؤكد النوع الاجتماعي، مستشهدين برسالة الرئيس المنتخب الختامية "كامالا من أجلهم، والرئيس ترامب من أجلكم"، وأصيب الديمقراطيون بالشلل بسبب تبادل الاتهامات بعد الانتخابات، وفوجئوا بقوة خطاب التخويف الذي ينتهجه "الجمهوريون" ضد المتحولين جنسيًا.
وقدم الجمهوريون 32 مشروع قانون مناهضًا للمتحولين جنسيًا خلال اليوم الأول من فترة ما قبل التقديم، أي قبل جلسات المجلس التشريعي في تكساس للعام الحالي، كما أقر المجلس التشريعي في ولاية أوهايو حظرًا على استخدام المراحيض في جميع أنحاء الولاية داخل الحرم الجامعي في أول يوم من انعقاده بعد الانتخابات.
هلع بين المثليين
خلال الأسبوع الأول من يناير الجاري قدم موقع "باز فييد" والذي يهتم بشؤون المشاهير والحياة الخاصة، ما يشبه قراءة استقصائية لردات فعل بعض من "مجتمع الميم" الأمريكي حال نفذ ترامب ما وعد به، ويقول أحدهم "سأتخرج في المدرسة الثانوية هذا العام وأريد فقط أن أتأكد من أنني سأكون آمنًا في الكلية أينما ذهبت"، مضيفًا "إلى كل أخوتي المتحولين جنسيًا من فضلكم ابقوا آمنين قدر الإمكان، والآن هو الوقت المناسب لتكوين مجتمع يمكننا الاعتماد عليه لتكوين صداقات مع أشخاص متحولين جنسيًا آخرين، فالتزموا بالأمل من فضلكم".
وقال متحدث ثان، دون الكشف عن هويته إنه “كشخص متحول جنسيًا بلغ 18 سنة أخيرًا ومنعني والداي من التحول عندما كنت قاصرًا، أشعر بالرعب من أن يجري قطع تحولي قبل أن أبدًا حتى، فأنا أعيش في ولاية زرقاء عميقة وأتعاطف مع أخوتي المتحولين جنسيًا في الولايات الحمراء، ومع ذلك وعلى رغم مدى حظوتي بالعيش في المكان الذي أعيش فيه الآن، أشعر بالقلق من استخدام ترامب سلطته الفيدرالية لمنع الناس من التحول”.
وتقول إحدى المتحولات المتزوجات إن "زوجي متحول جنسيًا وأنا أشعر بالقلق عليه باستمرار"، مضيفة "أشعر بقلق شديد إزاء العنف الموجه ضدهم، فلم يعد أي من خياري الحمام المخصص للجنسين يشعرهم بالأمان، وأشعر بقلق بالغ لأنني أعلم أنني لا أستطيع حمايته من كل شيء، أن أكون هناك دومًا باستمرار من أجل حمايته من الكراهية، وبصرف النظر عن سلامته الجسدية فإنني أخشى على صحته العقلية، ذلك أن الاستمرار في وصفه وأمثاله بالمصابين بمرض عقلي من قبل الجمهور والمسؤولين الحكوميين أمر من شأنه أن يؤثر سلبًا في صحته هو وكل من يماثله، ولقد كان لدي شريك صحته العقلية أفضل بكثير قبل أن يدخل ترمب عالم السياسة، غير أن هذا أمر مشكوك فيه الآن".