الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

تاريخ الصدام بين الجيش والرئاسة في الجزائر

الرئيس نيوز

قبل ساعات من إعلان وكالات أنباء عربية وعالمية اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أقال قائد الجيش الفريق قايد صالح، وأحاله إلى التحقيق العسكري العاجل، كان بيان رسمي من الجيش الجزائري، كذب أنباء متواترة على مواقع التواصل الاجتماعي، بهذا الخصوص، وقال البيان إن الأخبار التي راجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تزعم إقالة الفريق أحمد قايد صالح من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتعويضه باللواء سعيد باي هي أخبار كاذبة ولا أساس لها من الصحة.

والحق أن المؤسسة العسكرية الجزائرية لعبت دوراً بارزاً ومؤثراً في الحياة السياسية الجزائرية، على مدار 7 عقود، شهد الجزائر خلالها صدامات دامية بين الرئاسة والجيش.

الدستور الجزائري لم يخول للمؤسسة العسكرية أدواراً سياسية داخلية، من منطلق أن مهمة الجيش الأولى والأخيرة هي الحفاظ على وحدة واستقلال ترابها،  وعلى الرغم من أن عقيدة الجيش الجزائري هي عدم التدخل في الحياة السياسية، إلا أنه لعب أدواراً فاصلة في الحياة السياسية منذ إعلان استقلال الجزائر عام 1962.

فقد شغل "هواري بومدين" منصب وزير الدفاع في حكومة الاستقلال، قبل أن يقود انقلاباً عسكرياً عام 1965 على أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال "أحمد بن بلة"، وقد جاء ذلك بعد خلافات وصلت ذروتها بين الجيش والرئاسة، حيث استمرت المؤسسة العسكرية برجالها في حكم الجزائر بعد تولي "الشاذلي بن جديد" مقاليد الحكم، عقب وفاة بومدين، عام 1979.

فاز "الشاذلي بن جديد" بثلاث ولايات رئاسية، شهدت الاخيرة منها توترات داخلية كبيرة بقيام المجلس الاعلى للأمن بإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية، التي فازت فيها الجبهة الإسلامية وتمت "اقالة" أو"استقالة" الشاذلي بن جديد عام 1992 وانشاء ما يعرف باسم المجلس الأعلى للدولة لتولي مهام ما سُمي بالفراغ الدستوري.

وبعد سنوات دموية شهدت حرباً أهلية واغتيالاً لرئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد بوضياف، عاد منصب رئاسة الجمهورية لأحد رجال المؤسسة العسكرية بوصول وزير الدفاع "اليمين زروال" إلى سدة الحكم عام 1995، وانتهى بإعلان "زروال" انتخابات رئاسية مبكرة عام 1999 تم على أثرها انتخاب الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، حيث كان مدعوماً من الجيش الجزائري.

وعلى الرغم من بقاء بوتفليقة في الحكم لمدة 20 عاماً، قام "بوتفليقة" في عام 2018 بعزل مجموعة كبيرة من كبار القادة العسكريين، في قرارات علقت عليها مصادر سياسية جزائرية لــ "رويترز" بانها تشير إلى تسارع وتيرة الإصلاح الأمني التي بدأت قبل أعوام لتحويل الجيش المنخرط في السياسة إلى هيئة أكثر مهنية.

 

شرارة الأزمة

 

المشهد الحالي للانتخابات الجزائرية، ينذر بصدام وشيك بدأ يظهر للعلن بين الرئاسة والجيش، ويشير إلى تحولات في المواقف السياسية، فبعد وصف رئيس الاركان، أحمد قايد صالح، للمتظاهرين ضد الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة بأنهم مغرر بهم، دعا مؤخرا إلى اعلان شغور منصب رئيس الجمهورية.

وقد بدأت الأزمة في 22 من شهر فبراير الماضي، بتظاهرات شعبية مناهضة لترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، رد عليها الرئيس بإعلان انسحابه وتأجيل الانتخابات، وهو ما رفضته القوى السياسية والمعارضة بوصفها أنها "غير دستورية"، حيث كان ذلك يوم 11 من مارس الماضي.

وفي تسارع للأحداث، دعا رئيس الأركان أحمد قايد صالح في 26 من الشهر ذاته، الى تطبيق المادة 102 من الدستور المتعلقة بشغور منصب رئيس الجمهورية، ما اعتبرته القوى السياسية والشعبية تدخلاً للجيش في الشؤون الداخلية للبلاد، واثار الشكوك حول وجود خلاف بين الرئاسة والجيش.

لم يتراجع أحمد قايد صالح عن موقفه، ففي 30 من شهر مارس الماضي، جدد رئيس الأركان دعوته لتطبيق المادة 102 من الدستور، مضيفاً المادتين (7،8) المعنيتين بأن "الشعب هو مصدر كل سلطة" وان "السلطة التأسيسية ملك للشعب".

بوتفليقة رد على تلك الدعوات بتشكيل حكومة جديدة احتفظ فيها لنفسه بمنصب وزير الدفاع وأبقى على رئيس الأركان نائبا له في الوزارة.

وبعد ساعات من تشكيل الحكومة الجديدة، تداولت أخبار مفادها عزل رئيس الأركان، وهو مانفته وزارة الدفاع سريعاً عبر صفحتها الرسمية.

سمكة أبريل

قال الباحث في العلوم السياسية الدكتور مصعب حمودي في تصريحات خاصة لــ الرئيس نيوز "إن الصدام بين الرئاسة والجيش خرج بالفعل للعلن، كما هو واضح للجميع منذ اعلان رئيس الأركان أحمد قايد صالح بتطبيق المادة 102 من الدستور في محاولة منه للانقلاب على رئيسه المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقه والحد من صلاحيات شقيقه "السعيد بوتفليقة ".

ويضيف حمودي أن هناك تسارعاً للأحداث، كما أن رئيس الاركان لم يتقبل هذه الأحداث وقام بمنع رجال الأعمال من السفر بأي وسيلة.

ويؤكد حمودي "الصراع بين الرئاسة والجيش هو صراع داخلي والشعب ليس مقحماً فيه، كما أن تشكيل بوتفليقة لحكومة جديدة قابله الشعب بمقولة "تمخض قصر المرادية فانجب سمكة ابريل".

واختتم حمودي "الجزائر ليست لديه العناصر التي جرت المنطقة لصراعات بين الشعب ومؤسسات الدولة"، مؤكدا أن الشعب لديه وعي كبير ويرفض كل المنظومة الحالية بأحزابها ومعارضتها ويقول لهم "ارحلوا بحكمكم لأننا نريد استعادة كرامتنا وكتابة دستورنا" حيث أن الشعب هو مصدر السلطات.

 

من يقود البلاد

 

من جانبه أجاب استاذ العلوم السياسية الدكتورعبدالفتاح رشدان في تصريحات خاصة لــ "الرئيس نيوز" رداً على سؤاله هل تنذر أزمة الانتخابات الرئاسية بصدام بين الرئاسة والجيش قائلاً: "السؤال الأهم الآن هو من يقود البلاد؟".. وهل بوتفليقة يقود البلاد حقاً بعد مرضه؟ وما هو دور المؤسسة العسكرية وقيادة الجيش خلال هذه الفترة؟.

وتابع رشدان: "في ظل الغموض الذي يسود الوضع في الجزائر فإن الأبواب مفتوحة على مصراعيها لأي صدام داخل البلاد".

فهل يسدل الستار إذن على انتخابات رئاسية جديدة ينتصر فيها الشعب لمطالبه وللدستور، أم يستمر غموض الوضع السياسي الذي ينذر بصدام كبير بين الرئاسة والجيش؟