الملك فيصل كسر البروتوكول للاطمئنان عليها.. كيف احتفى القادة بتحية عبد الناصر في الخارج؟
أنديرا غاندي استقبلتها في مطار نيودلهي
بـ"القاعة التذكارية".. وابنها هرول لإحضار دواء عندما اشتكت من صداع نصفي
الملك فيصل كان يطمئن عليها يوميًا بالهاتف
أثناء رحلة حج.. والسفراء العرب نسوا القطيعة مع مصر لمقابلتها
كانت "تحية" تعيش في ظل رجلها
الذي كان ملء السمع والبصر في مصر والوطن العربي، وعندما أخذه الموت منها عاشت أيامًا
صعبة "لم تفتقد فيها أي شيء إلا هو، لا رئاسة الجمهورية ولا حرم رئيس الجمهورية"،
بحسب تعبيرها في مذكراتها التي صدرت قبل سنوات.
لكن سيرة "ناصر" راحت تظلل عليها أينما ذهبت؛ ليذكرها الناس بالخير، ويحيونها بمجرد رؤيتها في الشارع، والأكثر من ذلك، ما كانت تلاقيه من حفاوة ومعاملة كريمة في الخارج عندما تسافر إلى أي دولة.
الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية
والدبلوماسي السابق، روى في كتابه "شخصيات على الطريق"، الصادر عن الدار
المصرية اللبنانية 2017، عدة مواقف كان شاهدًا عليها، تجسد كم كانت تحظى زوجة
"الزعيم" بتقدير واعتزاز من قادة الدول التي كانت تزورها.
يقول: "خرج الملك العربي الأصيل فيصل بن عبد العزيز رحمه الله عن التقاليد الملكية المرعية في العرش السعودي، ليتصل شخصيًا ويوميًا بالسيدة قرينة خصم حياته "جمال عبد الناصر" ليقول لها: "كيف حال ضيفتنا اليوم"، ولا يكتفي بأن تقول عنه بذلك قرينته الراحلة الملكة عفت".
زيارة أرملة "الزعيم" إلى الهند عام 1982، لها حكاية خاصة، عندما ذهبت إلى هناك بدعوة من رئيسة وزرائها أنديرا غاندي، رفقة ابنتها "منى" وابنة شقيقتها السيدة نادية أرملة محمد فهمي السيد دراز المستشار القانوني للرئيس عبد الناصر.
كانت "نيودلهي" ارتبطت بعلاقة
قوية مع "القاهرة" إبان فترة الرئيس عبد الناصر ورئيس وزراء الهند جواهر
لال نهرو، وشهد تحالفهما إلى جانب الزعيم اليوغسلافي
جوزيف تيتو تأسيس منظمة عدم الانحياز.
امتدت هذه الصلة مع ابنة "نهرو" أنديرا غاندي، التي تولت المسؤولية في بلادها عام 1966، وكانت - بحسب الفقي- شديدة الحب والتعلق باسم عبد الناصر وعائلته، وجاءت إلى القاهرة في ذكرى الأربعين لرحيله من المطار إلى منزل الأسرة مباشرة، وغادرت مصر في صمت وهدوء.
يروي "الفقي" أن أنديرا غاندي
وابنها الذي سيصبح رئيسًا للوزراء فيما بعد، راجيف غاندي، استقبلا "تحية"
في قاعة الشرف الكبرى المسماة بالقاعة التذكارية، التي يستقبل فيها رئيس الدولة الهندية
الشخصيات المتميزة دوليًا في مطار "نيودلهي"، وهي أهم وأرفع من قاعة الشرف.
يومها، "وقفت الدولة الهندية كلها، على ضخامتها وعظمتها، تحية للأرملة العظيمة القادمة من أرض النيل، إجلالا وإكبارًا لرجل غير مسار التاريخ، وفجر أكبر ثورة في الشرق الأوسط".
ثم يضيف موقفًا آخر: "عندما اشتكت السيدة الفاضلة تحية كاظم من صداع نصفي عند هبوطها من الطائرة كان راجيف غاندي هو الذي يهرع لإحضار دواء عاجل لضيفة الهند الكبيرة، وأمه – رئيسة وزراء الهند – تلاطف ضيفتها في حب وود ظاهرين".
في مساء أحد أيام الزيارة، عندما أقام مصطفى الفقي حفل عشاء في منزله على شرف السيدة "تحية"، ورغم فتور العلاقات الرسمية بين الدول العربية ومصر في ذلك الوقت، على خلفية توقيع الرئيس أنور السادات اتفاقية "السلام" مع إسرائيل، فإن السفراء العرب في نيودلهي لبوا الدعوة بحماس وود بالغين.
يقول "الفقي": "أتذكر جيدًا أن سفير دولة الكويت – عميد السلك الدبلوماسي في العاصمة الهندية – قد وقف في نهاية العشاء ليعلن أن الدعوة مساء اليوم التالي ستكون على شرف قرينة المناضل العربي، الذي صان استقلال الكويت، وهي دولة وليدة أمام أطماع عبد الكريم قاسم الزعيم الأوحد في العراق حينذاك".
استغرقت زيارة تحية عبد الناصر إلى الهند عدة أيام، وكانت "غاندي" تتابعها
بالرعاية والاهتمام، وتوافد عليها العرب والهنود بشكل غير مسبوق.
عاشت "تحية" طوال الـ22 سنة بعد وفاة زوجها في هدوء، بالضبط كما كانت في حياته، لم تلعب أي أدوار خارج الحدود لـ"السيدة الأولى"، بل احتفظت بدورها الأساسي كربة منزل وأم.
أخيرًا، يتذكر البدلوماسي السابق أجواء وفاة زوجة "عبد الناصر" قائلا: "ما زلت أذكر أن جلستي في أمسية الاحتفال بذكرى الأربعين على وفاتها – وقد كانت في القاعة الملحقة بمسجد زوجها- كانت بجوار الفريق أول محمد فوزي رحمه الله، حيث تبادلنا معًا كلمات الثناء على تلك الشخصية الطيبة".