موقع أمريكي: مصر في الصومال.. نموذج في التحدث بهدوء وحمل عصا غليظة
سلط موقع ناشيونال إنترست الأمريكي الضوء على دور مصر في الصومال؛ مرجحًا أن مشاركة القوات المصرية في الصومال مدفوعة بمصالحها الاستراتيجية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
ولفت إلى أن عدم الاستقرار في الصومال، وخاصة إذا اكتسبت حركة الشباب المزيد من الأرض، يشكل تهديدًا مباشرًا لمصالح مصر، بما في ذلك سيطرتها على البحر الأحمر وقناة السويس. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر حذرت من سيناريو مماثل لسقوط أفغانستان في أيدي طالبان، حيث من شأن الفراغ الأمني أن يسمح لحركة الشباب بتأسيس دولة إسلامية في الصومال، مع عواقب تمتد إلى الدول المجاورة مثل كينيا وإثيوبيا وجيبوتي.
ووسّعت مصر دورها في جهود حفظ السلام في الصومال من خلال توقيع بروتوكول تعاون عسكري. ومن خلال هذا البروتوكول، تزود مصر الجيش الوطني الصومالي بالأسلحة والمعدات والتدريب لدعمه. وتهدف مصر إلى مساعدة الصومال في سد الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب قوات حفظ السلام الدولية ومنع حركة الشباب من اكتساب المزيد من الأرض. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت مصر بتقديم قوات ودعم عسكري لقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.
وتتمتع مصر بتاريخ طويل من المشاركة في بعثات حفظ السلام في مختلف أنحاء أفريقيا والعالم. وتعد مصر واحدة من أكبر الدول المساهمة بقوات في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد تم نشر قوات حفظ السلام المصرية في مناطق الصراع مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان. ويؤكد هذا الانخراط على دور مصر كقوة استقرار في أفريقيا، ملتزمة بالحفاظ على السلام والأمن في جميع أنحاء القارة.
الدور المعقد الذي تلعبه إثيوبيا
في حين وضعت مصر نفسها كقوة استقرار في الصومال، فإن دور إثيوبيا أكثر إثارة للجدال. فلدى إثيوبيا تاريخ طويل من التدخل في الشؤون الصومالية، وهو ما يعتبره القادة الصوماليون والمصريون في كثير من الأحيان توسعًا يسعى للهيمنة وتتمثل أحدث نقطة توتر في تورط إثيوبيا في أرض الصومال، وهي منطقة انفصالية عن الصومال أعلنت استقلالها في عام 1991 ولكنها لم تحظ بالاعتراف الدولي.
في عام 2018، أبرمت إثيوبيا اتفاقية تطوير ميناء مع أرض الصومال لبناء ميناء بربرة الاستراتيجي، متجاوزة بذلك الحكومة الفيدرالية الصومالية. وقد تعرضت هذه الخطوة لانتقادات شديدة باعتبارها انتهاكًا للسيادة الصومالية، كما أدت إلى زيادة التوترات بين إثيوبيا والصومال ومصر.
وعلاوة على ذلك، اتُهمت إثيوبيا باستغلال وجودها العسكري في الصومال لتحقيق مصالحها الخاصة بدلًا من المساهمة في السلام والأمن. وقد دعت حكومة الصومال الفيدرالية مرارًا وتكرارًا إلى انسحاب القوات الإثيوبية من المناطق الصومالية الرئيسية، مشيرة إلى مخاوف من أن تصرفات إثيوبيا قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر.
موقف مصر من إثيوبيا والبحر الأحمر
إن القضية بين مصر وإثيوبيا لا تتعلق بحق إثيوبيا في الوصول إلى البحر الأحمر. فإثيوبيا تتمتع بالفعل بحق الوصول إلى البحر الأحمر من خلال اتفاقياتها مع جيبوتي، تمامًا كما تتمتع بلدان أخرى غير ساحلية في المنطقة باتفاقات مماثلة. على سبيل المثال، تستخدم أوغندا وجنوب السودان موانئ كينيا، في حين تستخدم بوروندي ورواندا موانئ تنزانيا. ولم تعترض مصر على حق إثيوبيا في الوصول إلى البحر الأحمر عبر جيبوتي.
ولكن الشاغل الأساسي بالنسبة لمصر والصومال يكمن في تورط إثيوبيا في صوماليلاند، وهي منطقة غير معترف بها من جانب واحد أعلنت استقلالها عن الصومال. وترى الحكومة الفيدرالية الصومالية ومصر في هذا الأمر تحديًا مباشرًا لسلامة أراضي الصومال. وتنظر الحكومة الفيدرالية الصومالية ومصر إلى تعاملات إثيوبيا مع صوماليلاند، وخاصة اتفاقية الموانئ في بربرة، باعتبارها جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقًا لتقويض صوماليلاند وإضعاف سيادة الصومال. وهذا من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على استقرار المنطقة بأسرها.
علاوة على ذلك، فإن النزاع بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي لا يتعلق بالسد نفسه أو بحق إثيوبيا في التنمية. بل إن القضية تنبع من رفض إثيوبيا الموافقة على إطار ملزم قانونًا لملء السد وتشغيله، وهو أمر بالغ الأهمية لضمان الأمن المائي لمصر وحماية حقوقها بموجب القانون الدولي.
الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية لمصر
يمكن تلخيص سياسة مصر في الصومال على النحو التالي: "تحدث بهدوء ولكن احمل عصا غليظة". وفي حين تواصل مصر التعامل دبلوماسيًا مع الجهات الفاعلة الإقليمية، فإنها تحافظ على علاقات عسكرية قوية في الصومال، سواء من خلال مساهماتها في قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي أو من خلال اتفاقيات الدفاع الثنائية. ويعمل هذا النهج كرادع للتهديدات الخارجية ووسيلة للحفاظ على سلامة أراضي الصومال.
كما أن مشاركة مصر في هذه العملية تعكس استراتيجيتها الجيوسياسية الأوسع نطاقًا في منطقة القرن الأفريقي. فالبحر الأحمر يشكل ممرًا ملاحيًا بالغ الأهمية، وأي اضطراب ناجم عن عدم الاستقرار في الصومال قد يخلف عواقب اقتصادية وخيمة على مصر. وعلى هذا فإن مصر لديها مصلحة راسخة في ضمان عدم تحول الصومال إلى ملاذ آمن للجماعات المتطرفة مثل حركة الشباب.
ومع انتقال الصومال من قوة حفظ السلام الدولية إلى قوة حفظ السلام الأفريقية، فإن التحديات التي تواجهها كبيرة. إن انسحاب قوة حفظ السلام الدولية، إذا لم تتم إدارته بعناية، قد يؤدي إلى فراغ أمني تستعد حركة الشباب لاستغلاله. إن مشاركة مصر في الصومال، من خلال جهود حفظ السلام والدعم العسكري، تسلط الضوء على التزامها بضمان الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، فإن تصرفات إثيوبيا في أرض الصومال تعقد الجهود الرامية إلى الحفاظ على السلام في المنطقة، حيث تهدد سياساتها التوسعية السيادة الصومالية.
وتعكس استراتيجية مصر المتمثلة في الجمع بين المشاركة الدبلوماسية والوجود العسكري القوي أهدافها طويلة الأجل المتمثلة في ضمان السلام والأمن في الصومال. وبفضل الدعم الدولي المستمر، تتمتع قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال بالقدرة على تحقيق الاستقرار في الصومال ومنعها من أن تصبح مرتعا للجماعات المتطرفة. ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى بذل جهود مستدامة لضمان قدرة الجيش الوطني الصومالي على تولي مسؤوليات الأمن في البلاد على المدى الطويل.
ومن خلال مساهماتها في حفظ السلام ودعمها الاستراتيجي للحكومة الصومالية، استطاعت مصر أن تضع نفسها كلاعب رئيسي في تشكيل مستقبل الصومال ومنطقة القرن الأفريقي ككل.
وبفضل الدعم الدولي المستمر، فإن بعثة حفظ السلام الجديدة في الصومال لديها القدرة على تحقيق الاستقرار في البلاد ومنعها من أن تصبح بؤرة للجماعات المتطرفة وفي أغسطس 2024، وافق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على تشكيل بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم واستقرار الصومال (AUSSOM)، وهي الخطوة التي أقرها لاحقًا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ومن المقرر أن تتولى بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم واستقرار الصومال، وهي البعثة الثالثة التي يقودها الاتحاد الأفريقي بهدف تحقيق الاستقرار في الصومال، مهام بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال ( ATMIS ) بحلول يناير 2025. وتأتي هذه المهمة في وقت حرج بالنسبة للصومال، الذي يواجه صراعًا داخليًا وعدم استقرار اقتصادي وتهديدات أمنية من جماعات مسلحة مثل حركة الشباب منذ عام 1991.
التحديات الحالية التي تواجه الصومال
لا تزال الصومال تعاني من مجموعة من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية. وعلى الرغم من التدخلات الدولية المتعددة، تواجه البلاد تهديدات مستمرة من حركة الشباب، التي تحتفظ بالسيطرة على العديد من المناطق الريفية وأظهرت قدرتها على ضرب المدن الكبرى، بما في ذلك مقديشو. ويسلط الهجوم المميت في أغسطس، الذي أسفر عن مقتل اثنين وثلاثين مدنيًا، الضوء على الخطر المستمر الذي تشكله الجماعة.
وتواجه الحكومة الفيدرالية الصومالية أيضًا صعوبة في تأكيد سيطرتها على المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي مثل أرض الصومال وبونتلاند. وقد استمرت هذه المناطق في مقاومة سلطة الحكومة المركزية، الأمر الذي أدى إلى تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في البلاد.
وعلاوة على ذلك، أدت موجات الجفاف المتكررة، إلى جانب عقود من الصراع، إلى جعل ما يقرب من 7 ملايين صومالي في حاجة إلى مساعدات إنسانية.
ومن المقرر أن تنسحب قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي بالكامل بحلول 31 ديسمبر 2024، مما يترك الأمن في الصومال في أيدي الجيش الوطني الصومالي. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف بشأن قدرة الجيش الوطني الصومالي على التعامل مع التهديدات الأمنية المتزايدة، حيث لا يزال الجيش يعاني من نقص التمويل ونقص المعدات. ومن المتوقع أن تتولى قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي المسؤولية وتواصل جهود تحقيق الاستقرار، لكنها تواجه تحدياتها الخاصة، بما في ذلك نقص التمويل المحتمل.
وبدون التحضير الكافي، فإن الانتقال بين قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي قد يخلق فراغًا أمنيًا قد تستغله حركة الشباب. ويشكل سيناريو الانهيار على غرار ما حدث في أفغانستان تهديدًا حقيقيًا للبلد المنهك من الصراع، وهو القلق الذي أعربت عنه أيضًا الدول المجاورة، مؤكدة على الحاجة إلى استمرار الدعم الدولي لمنع هذه النتيجة.