أحوال اللاجئين الفلسطينيين في مصر وآرائهم عن "7 أكتوبر"
كتب مراسل صحيفة "نيو ستاتسمان" السياسية الأمريكية تقريرا عن الفلسطينيين الذين نزحوا من غزة إلى مصر، وبصفة خاصة أولئك الذين استقر بهم المقام في مدينة نصر، أشهر ضواحي القاهرة، وهي حي بعيد كل البعد عن الفقر، وربما كان يطمح ذات يوم إلى الثراء.
ورصد المراسل “برونو ماسيس”، النازحين الفلسطينيين بقوله: "يبدو أنهم غارقون في حالة من النسيان فقد وصل أكثر من 100 ألف لاجئ إلى القاهرة منذ أكتوبر 2023، ولم يتمكن العديد منهم سوى من الانتظار، كما رصد ازدحام الشوارع ومراكز التسوق في مدينة نصر التي تحولت أيامها لدورة دائمة من الوافدين والمغادرين، ولعل هذا يفسر لماذا جعلها العديد من اللاجئين موطنهم في السنوات الأخيرة، على الأقل أولئك الذين يصلون إلى القاهرة بقليل من المال وبدون وظيفة، فهناك سوريون وصوماليون وسودانيون وفلسطينيون وكل مجموعة تحمل معها ذكريات مؤلمة من حيث أتوا، ولكن القاهرة تبدو قادرة على استيعاب كل شيء.
وبدأت المحلات التجارية والمطاعم في حي النصر تعكس التغيرات السكانية، فهناك العديد من المطاعم السورية والفلسطينية الرخيصة التي تقدم الحمص على طول الشوارع التجارية الرئيسية، كما تم افتتاح مطعم أسماك شهير بالقرب من المكان، ومن الإضافات الحديثة الأخرى مطعم قصر الندى، وهو محل حلويات مضاء بمصابيح ساطعة يزخر بعشرات الأنواع من البقلاوة والوربات المرشوشة بالفستق والهريسة والكنافة والطبق المفضل لدى الكثيرين هو الكنافة النابلسية المصنوعة من الجبن المطاطي من نابلس في الضفة الغربية، وهناك صف طويل من الزبائن ينتظرون طلباتهم، وجميعهم تقريبا فلسطينيون، ويمكن التعرف عليهم على الفور من لهجتهم.
وسأل المراسل، الرجل الذي ينتظر في الطابور خلفه فعلم أنه فلسطيني موجود في القاهرة منذ أكثر من عشرين عاما، ولكن آخرين وصلوا منذ أكتوبر الماضي فقط وغالبا ما يلتقون بمعارف قدامى من غزة بالصدفة في مطاعم مدينة نصر، وكان أحد هذه المطاعم مشهورا في قطاع غزة وبعد بدء الحرب، نقله صاحبه إلى القاهرة.
بعد بضع دقائق من الانتظار بفارغ الصبر للحصول على الكنافة، حمل المراسل طبقه إلى إحدى الطاولات بالخارج وجلس مع مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة وغادر أبو سعدة غزة في نوفمبر الماضي ودمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي جامعته ثم نهبتها كما تضرر منزله في غارة إسرائيلية، وبعد ذلك، أمضى ثلاثة أيام مع عائلته يعيشون في الشارع وعاش أبو سعدة حياة مريحة في مدينة غزة في حي جيد بالقرب من ميدان أبو مازن، وتمتع بالهيبة التي تأتي مع المنصب الأكاديمي في المجتمع الفلسطيني وأخذ يحكي عن تجربته مع الحرب التي لم تتوقف رحاها منذ السابع من أكتوبر قائلًا: "كان لدي خياران: أن أعيش أو أموت. أردت أن أعيش" والبقاء في القطاع يعني اختيار الموت.
وأوضح أن أطفاله الأكبر سنًا مواطنون أمريكيون، لذا فقد تمكن من المغادرة بسهولة نسبية، والآن تعيش الأسرة كلها في القاهرة، ولكن يتعين على أبو سعدة أن يعيد بناء حياته من الصفر، وهو مصير مشترك بين الفلسطينيين. وليس لديه أي خطط للعودة إلى غزة في أي وقت قريب. كانت ابنته الصغرى سارة تستعد لامتحان التوجيهية، وهو امتحانات القبول بالجامعات في غزة والضفة الغربية، عندما وصلوا إلى القاهرة. أخبرها أبو سعدة أنها يجب أن تنسى أمر التوجيهية لمدة عام ولكن الفتاة لم توافقه الرأي، ونشرت شعارًا فوق سريرها: "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس"، وتمكنت السفارة الفلسطينية في القاهرة، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في رام الله بالضفة الغربية والسلطات المصرية، من تنظيم امتحان التوجيهية في القاهرة واجتازت سارة الامتحان وتم قبولها الآن في كلية الحقوق في الجامعة البريطانية في مصر.
ماذا بعد السابع من أكتوبر؟
وسأل المراسل أبو سعدة، عما قد تكون حماس تفكر فيه عندما شنت هجمات أكتوبر، فعلق: "أود أن أقول ما كان يحيى السنوار يفكر فيه"، وهو غير مقتنع بأن حتى قيادة حماس الأوسع نطاقا كانت على علم بالخطط، فقد التقى أبو سعدة بزعيم حماس الأعلى مرة واحدة، قبل بضع سنوات وهو يعتقد أن السنوار كان مدفوعا بالرغبة في التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل وكان قد قطع وعودا لمقاتلي حماس في السجون الإسرائيلية، وكان في حاجة إلى رهائن من أجل إطلاق سراحهم. ولكن هناك سبب آخر، كما يضيف أبو سعدة: "جنون العظمة". فمن خلال اختطاف إسرائيليين ــ وهي أفعال يقول أبو سعدة إنها لا يمكن الدفاع عنها ــ سهّل السنوار على إسرائيل تبرير تدمير غزة بينما كان العالم يشاهد.
الشعور الفلسطيني يوم 7 أكتوبر
وأضاف: "لقد استمر هذا الصراع لمدة 76 عامًا وتعرض الفلسطينيون للاحتلال والعدوان وهدم المنازل والاعتقال الجماعي، وما إلى ذلك. كنت في غزة في ذلك اليوم، في السابع من أكتوبر وكان الفلسطينيون في غاية السعادة، لأنهم شعروا للحظة أنهم يجعلون الإسرائيليين يشربون من نفس الكأس التي شربناها طيلة السنوات الست والسبعين الماضية. هذا هو المثل العربي".
يخبرني كل من أبو سعدة وفلسطينيين آخرين في القاهرة أن ردود الفعل على هجوم حماس في القطاع كانت متفاوتة وفقًا للعمر، استيقظ كبار السن على الأخبار في السابع من أكتوبر وهم يشعرون بخوف عميق أما بين الشباب، الذين لم يعرفوا أي واقع خارج غزة، والذين لم تكن فكرة مغادرة جدرانها أكثر من مجرد حلم بالنسبة لهم، فقد كان هناك شعور بالفرح عندما بدأت الأخبار عن طوفان الأقصى تنتشر.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: كم عدد الفلسطينيين الذين غادروا غزة إلى مصر منذ أكتوبر؟ الرقم الذي تقوله السلطات الفلسطينية والمصرية لا يتجاوز 150 ألف فلسطيني. ولم يسجل جميع الفلسطينيين أنفسهم في السفارة الفلسطينية، وبالتالي فإن الرقم قد يكون أعلى من ذلك، ونقل المراسل عن أحد منظمي الجالية الفلسطينية في القاهرة أن هذا العدد كان ليبلغ 300 ألف فلسطيني لو لم تغلق إسرائيل معبر رفح في مايو.
بعض هؤلاء، إذا كانوا يحملون جوازات سفر لدولة ثالثة، انتقلوا إلى دول أخرى منذ ذلك الحين، ولكن يبدو من الآمن أن نقول إن أكثر من 100 ألف منهم ما زالوا في مصر، وكلهم تقريبًا في منطقة القاهرة الكبرى.