السبت 02 نوفمبر 2024 الموافق 30 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

آبي أحمد.. "رجل سلام" مزَّق دولته

آبي أحمد رئيس الحكومة
آبي أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية

مَثَّل صعود آبي أحمد إلى رئاسة الحكومة الإثيوبية عام 2018 نهاية عهد الاستبداد السياسي في إثيوبيا، وكسر هيمنة عِرقية التيجراي على السلطة التي بدأت مع الإطاحة بزعيم المجلس العسكري منجستو هيلا مريام عام 1991، ليُسيطر التيجرانيون بعد ذلك على الحكم لقرابة ثلاثة عقود. 

ومن ثمَّ بات الشابُ الأربعيني أولَ زعيم يحكم إثيوبيا من قومية الأورومو، أكبر جماعة عِرقية في البلاد، التي طالما اشتكت من التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي في ظل هيمنة التيجراي على السلطة.

وتمتَّع آبي أحمد في أيامه الأولى بحضور سياسي كبير منحه ثقلا إقليميا استغله جيدا، إذ دفع ببلاده كي تصبح وسيطا لحل مشكلات عدد من دول الجوار.

وأبرم القائد الشاب اتفاقية سلام تاريخية مع إريتريا، أنهى بها أحد أطول الصراعات في أفريقيا، ومن ثمَّ حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019 عن جهوده في إنهاء الاستبداد السياسي والطائفية.

وأعلى آبي أحمد من قيم الديمقراطية حينئذ بوصفها الطريق الأوحد لتحقيق صعود إثيوبيا إلى عرش السياسة والاقتصاد في القارة السمراء. 

لكن مرور ثلاث سنوات فحسب من ولايته الأولى كان كفيلا بقلب تلك المعادلات، فتلاشت نبرته الإصلاحية، واندلعت نيران الصراعات العِرقية، فدخلت الحكومة حربها ضد التيجراي، المستمرة منذ عام الآن بعد أن حصدت حياة الآلاف وشرَّدت أكثر من 1.7 مليون شخص. 

ولم يقتصر الأمر على الصراعات الأهلية، إذ عزَّزت أديس أبابا قبضتها على المعارضين، وعادت السجون تعج من جديد بالمعتقلين السياسيين، كما عادت ظاهرة الاغتيالات بالتوازي مع قمع الشرطة المتزايد.

نفقا مظلما 

دخلت إثيوبيا نفقا سياسيا مظلما جديدا، وهو أمر اعتادته البلاد على مدار تاريخها الحديث، فقد سبق وتكرَّرت مسيرة آبي أحمد الدموية على يد أعدائه الذين يحاربهم حاليا، فحين وصلت نخبة التيجراي إلى حُكم إثيوبيا عام 1995، بعد مسيرة ثورية شاركت فيها لإنهاء الاستبداد العسكري الشيوعي الذي امتد قرابة عقدين، نادت النخبة الحاكمة على لسان رئيس الوزراء ملس زيناوي بضرورة تأسيس إثيوبيا جديدة على نظام اشتراكي ديمقراطي جديد. 

بيد أنها ما لبثت أن انقلبت على حلفائها السياسيين، واتهمت أحزاب المعارضة بالخيانة، وقمعت منتقديها، واستهدفت عِرقية الأورومو الأكبر في البلاد، وهي أخطاء دفعت في النهاية إلى قيام تظاهرات ضد حُكم التيجراي، تلاها صعود آبي أحمد مُمثِّلا لقومية الأورومو. 

ثمَّ تكرَّرت للمفارقة الأخطاء ذاتها من جديد باستهداف التيجراي هذه المرة، وتجريدهم من مناصبهم وامتيازاتهم القديمة، لكن آبي أحمد فشل حتى في الاحتفاظ بدعم قوميته التي ينحدر منها، إذ بات جزء منها حاليا في صفوف المعارضة المُسلحة. 

عجز آبي أحمد عن تقدير مدى شراسة مقاومة جبهة التيجراي، فضلا عن السيطرة على رقعة الحرب التي اتسعت نحو أقاليم مجاورة حتى صارت على أبواب العاصمة، وباتت قاب قوسين أو أدنى من إطلاق موجة من ملايين اللاجئين في بلد يبلغ تعداده أكثر من 100 مليون شخص. 

علاوة على ذلك، أدَّت الإستراتيجية التي اتبعها رئيس الوزراء بقطع الإنترنت ومنع دخول وسائل الإعلام إلى إثارة حفيظة المجتمع الدولي، تزامنا مع الكارثة الإنسانية التي خلَّفها القتال. 

ومؤخرا، هدَّدت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على مسؤولين إثيوبيين ضالعين في الحرب ما لم تبدأ الأطراف المتقاتلة في تسوية أو تسمح بمرور المساعدات الغذائية إلى الملايين المحاصرين من جانب القوات الحكومية.